كثيرة هي مشاكل اليمن وأزماتها وأكثر منها الحروب التي يخوضها الحزب الحاكم، والتي تكاد تفتك باليمن وتذهب به في طريق قد لا يكون الرجوع منه أمراً يسيراً.
الأزمات والمشاكل التي تحاصر اليمن اليوم، والتي تتمثل بعضها بالفساد والإفساد، وغياب الأمن وضياع العدالة، وانهيار الاقتصاد وتردي الخدمات الصحية، وسوء العملية التعليمية بجميع مستوياتها وأقسامها، والفقر والبطالة والجرع المعلنة وغير المعلنة، وانتشار الأمراض والنهب والسلب والسطو والفيد وسياسة الإقصاء والتهميش، وغياب المواطنة المتساوية وتفكك المجتمع وانتشار ثقافة الكراهية بين أبناء المجتمع الواحد، والتضييق على الحريات العامة والخاصة، وتهميش الرأي الآخر، وتقليص حرية الرأي والتعبير، وغير ذلك ناتجة عن سياسات فاشلة للحزب الحاكم في هذا البلد (المؤتمرالشعبي العام) وبرغم ذلك كله لا يزال الحزب الحاكم يصر على غيه وعناده، ويرفض الاستجابة لصوت العقل والحكمة والأمر الرشيد.
حروب لا تتوقف من المستفيد؟!
منذ العام 94م وعلى مدى ستة عشر عاماً والموتمر الشعبي العام يخوض حروباً متعددة ومتنوعة عسكرية وسياسية واقتصادية مادية ومعنوية. هذه الحروب لم تتوقف طوال السنوات الماضية وكلما أطفئت نار الحرب أوقد المؤتمر نار حرب أخرى، وكل ذلك على حساب الوطن وخيراته وأبنائه الذين لا حول لهم ولا قوة، وفي كل حرب يقول المؤتمر الشعبي العام وقياداته أنها من أجل الوطن والشعب، ومع ذلك لم يستفيد الوطن ولا الشعب من حروب الحزب الحاكم ولا من قياداته للبلد طوال الثلاثة العقود الماضية. وهل من المعقول أن يستفيد الوطن أو الشعب من حزب أدمن الحروب وتفنن بصناعة الازمات وأهلك الحرث والنسل بسبب إدارته للبلاد وتدميره للاقتصاد والتعليم والصحة والأمن والاستقرار والعدالة، إضافة الى تدمير العقل والحكمة والقيم الأخلاقية، التي كانت اليمن تتحصن بها وتتميز بين دول الأرض وشعوبها؟ وإذا كان المؤتمر الشعبي العام الحاكم جاداً فيما يقول فأين المصلحة من حرب صيف 94م، أو من ست حروب في صعدة انتهت بصلح واتفاق بين قيادة الحزب الحاكم وجماعة الحوثي؟ أين مصلحة الوطن والشعب في هذه الحروب؟ وما الذي انتجته وتسببت به هذه الحروب على الوطن والشعب؟
لقد تسببت حرب 94م بمقتل آلاف الجنود من أبناء القوات المسلحة وآلاف المواطنين، وتسببت في تسريح الآلاف من أفراد الجيش والمئات من القادة والضباط الذين كانوا محسوبين على جيش جمهورية اليمن الديمقراطية سابقاً، والتي كان يحكمها الحزب الاشتراكي اليمني الشريك في تحقيق الوحدة الوطنية، الحزب الذي تم إقصاء قياداته من الحكم والمناصب القيادية التي كانت من حصته بحسب اتفاقية الوحدة بعد أن تم تصفية بعضهم في عمليات اغتيال، ناهيك عن أعمال نهب وسلب وسطو من قبل نافذين وقيادات بالحزب الحاكم تمت لمؤسسات الدولة وحقوق وأملاك المواطنين في المحافظات الجنوبية.
هذه الممارسات التي مارسها الحزب الحاكم خلال حرب 94 وبعدها أفرزت الى الواقع ما يسمى بالحراك الجنوبي وحروب صعدة الستة تسببت في قتلى وجرحى وإعاقات مستمرة وخراب للأراضي الزراعية وممتلكات المواطنين ودمار للقرى والمدن والمباني الحكومية ومساكن المواطنين في مناطق القتال وقد يفرز هذا خلال السنوات بل الأشهر القادمة العديد من المشاكل المعقدة وتسهم في توسع دائرة الفقر والبطالة وانتشار الأمراض وظاهرة التسول واحتراف الجريمة في أغلب الاحيان.
فأين تكمن مصلحة الوطن والشعب في هذا؟
الحرب ضد الحراك الجنوبي السلمي
بدأ المؤتمر الشعب العام يشن حرباً هوجاء ضد جموع المواطنين من أبناء المحافظات الجنوبية من اصحاب الحقوق والمطالب والمظالم من خلال رفضه التجاوب مع أصحاب تلك الحقوق والمطالب، وإمعانه في تهميش أصحابها وإقصائهم وممارسة أساليب القمع والبطش لكل من يخرج مطالباً بحقوقه أو معبراً عن مظالمه أوباحثاًِ عن حريته وكرامته، التي سلبها حزب المؤتمر الشعبي العام.
هذه الممارسات القمعية بحسب دراسات وتقارير لمنظمات محلية ودولية اسهمت في تكريس ثقافة الكراهية وأدت الى تفكك المجتمع وتمزقه وفقدان الناس لثقتهم وإيمانهم بالوحدة الوطنية التي أفرغها الحزب الحاكم من مضمونها ومفهومها الحقيقي وانحرف بها عن مسارها الطبيعي بعد أن انحرف في قيادته للبلاد عن مشروع الثورة اليمنية وأهدافها.
وهاهو الحزب الحاكم يبرر حربه ضد المواطنين في المحافظات الجنوبية والحراك السلمي فيها بدفاعه عن الوحدة والوطن.
الحرب ضد اللقاء المشترك
بعد توقف الحرب في صعدة، والتي يجهل الجميع أسبابها ونتائجها وأسباب توقفها بدأ حزب المؤتمر الشعبي العام معركته الجديدة مع أحزاب اللقاء المشترك، فمن خلال خطاب رئيس الجمهورية الأخير الذي هاجم فيه أحزاب المشترك وقياداته، وأعلن عن إقفاله باب الحوار معهم وجد المؤتمر الشعبي العام وقياداته مدخلاً للحرب ضد أحزاب اللقاء المشترك، وأخذت الوسائل الإعلامية الرسمية والحزبية، التي يسيطر عليها المؤتمر تدق طبول الحرب وتعد العدة وتحشد الرأي العام والمؤسسة العسكرية والأمنية لمواجهة أحزاب المعارضة، التي سبق أن وقع معها المؤتمر الشعبي اتفاق حوار في فبراير 2009م أقر بموجبه بمبدأ الشراكة الوطنية بين أطراف الحياة السيايسة داخل البلد للخروج من الأزمة التي تعاني منها اليمن.
المؤتمر الشعبي العام أراد من خلال حربه ضد اللقاء المشترك التخلص من ذلك الاتفاق، الذي يلزمه بضرورة الجلوس على طاولة الحوار مع جميع أطراف الأزمة في اليمن، كما يلزمه بضرورة إجراء إصلاحات سياسية ودستورية وانتخابية لضمان نزاهة الانتخابات، وهو الأمر الذي لا يريده المؤتمر الشعبي العام لأن ذلك بحسب بعض المراقبين قد يفقده التفرد في اتخاذ القرارات، كما أنه قد يفقده البقاء في السلطة والاستحواذ على موارد البلاد والعباد.
الحرب ضد الشعب
يزعم المؤتمر الشعبي العام بأن كل حروبه ومعاركه هي من أجل الشعب والوطن، وهنا نترك القارئ الكريم يقرر ما إذا كان المؤتمر صادقاً فيما يقول أم أنه بلغ حداً افقده القدرة والاحساس والشعور بالمسؤولية الوطنية والأخلاقية؟
حرب الجرع
عمد الحزب الحاكم على تنفيذ إجراءات قال عنها إنها إصلاحات اقتصادية، فرفع الدعم عن المشتقات النفطية وعن المواد الأساسية المتعلقة بمعيشة المواطنين، وقال إن ذلك سيعود بالنفع على الاقتصاد الوطني وعلى المواطن، وقد بلغت الجرع، التي أنزلها الحزب الحاكم فوق رؤوس المواطنين ست جرع ذاق المواطن معها مرارات العيش وتكدر الحياة، ومع ذلك لم يتحقق شيء مما كان يروج له عباقرة المؤتمر وخبرائه في الجانب الاقتصادي والمعيشي للمواطنين.
الحرب ضد الصحفيين والوسائل الإعلامية
محاكمات وإغلاق صحف، حبس واختطاف، ضرب واعتداءات متكررة ضد الصحفيين، اقتحام مكاتب، ومصادرة أجهزة، كل ذلك والحزب الحاكم لا يزال يؤمن بحرية الصحافة وحرية التعبير. فكيف هو الحال إذا كفر المؤتمر بذلك؟ إن المؤتمر وهو يمارس كل ذلك مع الصحافة والصحفيين إنما يحاول تكميم الأفواه التي تفضحه وتكشف عن سواءاته أمام المجتمع الدولي والرأي العام.
وهناك العديد من الحروب، التي يشنها الحزب الحاكم ضد المواطنين من أبناء الشعب «الباعة المتجولين، أصحاب البسطات، أصحاب المحلات التجارية الصغيرة، أصحاب الدراجات النارية، أصحاب المطاعم والمقاهي، أصحاب الورش والحرف اليدوية، أصحاب التكسيات، أصحاب الباصات، والطبقة المهمشة، وغيرهم من فئات الشعب، كما يخوض حرباً ضروساً ضد منظمات المجتمع المدني، المعلمين، الأطباء والصيادلة، والأدباء والمثقفين، القضاء وأعضاء النيابة، المحامين والمهندسين، وأبناء القوات المسلحة في الجيش والأمن، والموظفين والعاملين في المؤسسات المدنية. وأخيراً يبقى السؤال الى متى ستستمر حروب الحزب الحاكم المفتعلة؟
الله أعلم.