Home Articles Orbits أزمة ريال أم أزمة نظام؟!!
أزمة ريال أم أزمة نظام؟!!
د. علي عبدالكريم
د. علي عبدالكريم

مدخل.. لعلنا لا نأتي بجديد حين نشير الى بلادنا مع الأسف الشديد مثلها مثل موريتانيا وجزر القمر تسجل أدنى متوسط لنصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي, كما أنها للأسف أيضاً تسجل أدنى معدل للاستثمار الحقيقي حيث وتدني معدلات للاستثمار الحقيقي يعني عدم زيادة في معدل النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي الذي يعتمد في الأساس على كم الاستثمارات الجديدة التي تضخ في شرايين اقتصادنا المتخشبة, علماً بأن توافد الاستثمارات الحقيقية الجديدة والتي تصب في قطاعات الإنتاج والخدمات المؤهلة والمدارة بقدرات وكفاءات اقتصادية وإدارية ورقابية فعالة هي التي تضمن بالنتيجة تحقيق زيادات حقيقية في معدل النمو الحقيقي تضمن بالتالي تحسن دخل الفرد وزيادته ولكن أموراً مثل تلك تتطلب بالضرورة توافر مناخات قانونية وإدارية وقاعدة بيانات سليمة هي مربط الفرس العاجز في بلادنا. 

الوحدوي نت - الريال اليمني

أزمة الريال والتفريط بالسيادة الوطنية

وما نحن فيه من مرارة وضيق اقتصادي وما نشاهده ونعايشه من أزمة تضخم جامح معبر عنها بظاهرة تصاعد الأسعار كافة وتأثير ذلك على المواطن واستقرار حياته المضطربة أصلاً وعلى استقرار سعر العملة الوطنية/الريال/وتآكل قوتها الشرائية وتذبذبها المتسارع انحداراً, إنما هو تعبير فج عن فشل وعقم السياسات المالية والنقدية والاقتصادية والتي أوصلتنا الى حافة الهاوية وأطاحت بسعر الريال وأفقدته توازنه وأثرت على قابليته للاستمرار كرمز للسيادة الوطنية, لأن السوق والمتعاملين بداخلها قد فقدوا الثقة فيه وباتوا يبحثون عن عملة أخرى/الدولار الأمريكي ليحل محل الريال ليتولى القيام بالوظائف النقدية المفترض تأديتها الريال من موقع الثقة فيه وفي جملة السياسات التي تحميه وهذه الوظائف هي:

-      القيام بوظيفة الوحدة الحسابية

-      القيام بوظيفة مخزن للقيم

-      القيام بوظيفة التبادل

ولكن ملاحظتنا الدائمة كانت تشير الى السياسات المتخذة, ومع أنها كانت ضرورية لكنها لم تكن كافية بالمرة مما أدخلنا في دوامة "الدولرة" والتي نقصد ونعني بها لجوء المتعاملين في السوق المحلية فقداناً للثقة بالعملة الوطنية وبالسياسات التي تشكل أرضية دفاعية عنها, لجأوا الى اختيار عملة أجنبية أخرى هي الدولار الأمريكي ولا يجادلنا أحد معنا بهذا الشأن والقول بأن ذلك ظاهرة عامة وبلادنا ليست استثناء المجادلة ينبغي أن تصب في خانة لماذا لم تتمكن البلاد من اختيار أفضل السياسات وأفضل القيادات وأكثر القوانين ملاءمة لظروفنا؟!

مزيد من حالة الهلع

نلاحظ في الفترة الأخيرة تزايد حالات الخوف والهلع وما يصاحبها من اضطراب وتسارع في انعدام الثقة بسياسات الحكومة والبنك المركزي وما يولده ذلك من ضغط وطلب متزايد على الدولار الأمريكي غير المتاح في الأسواق بكميات تغطي الطلبات المتزايدة مما فتح النوافذ مشرعة للسوق الموازية/السوق السوداء بمضارها ومشاكلها وأثر ذلك على تذبذب قيمة الريال اليمني/العملة الوطنية مما يدفع بالتالي للدخول في مستنقع "الدولرة" من أوسخ أبوابه.

ووضع كهذا وبما يمثله من مخاطر نؤكد بأن اللجوء الى ذات السياسات التقليدية المعهودة ذات الطابع النقدي والمالي وتشكيل اللجان البرلمانية والبرمائية والشوروية لم تعد مجدية, ففاقد الشيء لا يعطيه, علماً بأن آليات معالجة لهذه ستفشل لا محالة لأنها أصلاً جزء أساسي من المشكلة ولنا أن نسأل الجمهور: ماذا عساها تفعل سياسات الحكومة والبنك المركزي حين يقرران:

-      رفع سعر الفائدة على الريال الى 15% إذ هي آلية قديمة ثبت فشلها في ظل غياب سياسات كلية متناغمة مدروسة.

-      استمرار الضخ من احتياطي البنك المركزي لمواجهة طلبات السوق المتزايدة, الأجدر اتخاذ سياسات ينجم عنها رفد السوق بحاجته من الدولارات من خارج الاحتياطي وذلك مرهون بتغير حقيقي في السياسات والمناخ.

-      أي سياسات تحيزية تتخذها الحكومة ستصبح أيضاً غير ذات جدوى لأن الأزمة عميقة وتتعلق بالأساس الاقتصادي وتدهوره وبالموازين الاقتصادية واختلالها وبالثقة وانعدامها, فيما تتخذون من سياسات تقليدية ثبت فشلها مراراً وتكراراً ناهيك عن استمرار دعمكم لسياسات اقتصاد السوق الحر المنفلت من الضوابط ومنع مظاهر الفساد والاحتكار في ظل دولة أقل ما يقال عنها: إنها دولة ضعيفة استشرى فيها الفساد أوصلتنا الى الحالة التي نحن عليها الآن, نندب حظ عملتنا العاثر ونحن نراها تترنح يوماً بعد يوم لتفقد جزءاً من قيمتها وقوتها الشرائية مع استمرار تنامي ظاهرتي التضخم والركود الاقتصادي وما يصاحبهما من شر مستطير معبر عنه بتصاعد نسبة العاطلين عن العمل.

والحل

أن يتدارك الجميع وفي المقدمة من كانوا سبباً في إنتاج الأزمة لطرح سياسات بديلة تمنع المزيد من التدهور الاقتصادي وتحول دون الوصول الى حافة الهاوية. المطلوب مجلس اقتصادي وطني مستقل فعال يتولى مهمة تاريخية تكفل إعادة التوازن الاقتصادي وتكبح عوامل عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي للحيلولة عن المزيد من تعميق التناقضات الفاحشة المتأتية من فجاجة ورعونة سوء توزيع الثروة واستئثار قلة قليلة بثروات البلاد ودفع البقية الى الهاوية عبر التفريط بكثير من المعادلات الوطنية التي لا يستقيم عودها ما لم ترتكز على تفاعل سياسي حقيقي عنوانه الأبرز المساهمة الفاعلة والمشاركة الحقيقية في توزيع الثروة ومفاصل السلطة عبر توجه حقيقي لإحداث تغيرات جذرية في المجالين السياسي والاقتصادي وبآفاق زمنية موضوعية نابعة من إرادة سياسية لا تماطل ولكن تفكر ملياً في عواقب اللعب على كل الحبال.

وأخيراً تقول ونحن نقف إلى جوار أصحاب المعاشات وأصحاب الدخول الضئيلة الذين ستتأثر مداخيلهم الحقيقية جراء هذه العاصفة الهوجاء وهذه الغفوة الحكومية المعتادة نقول: إن على الحكومة وبنكها المركزي أن يضعا نصب عينهما القيمة المتمثلة في احترام وقيمة ورمزية ما تمثله العملة الوطنية من سيادة وطنية انتهكت جراء الدفع بها نحو مسارب الدولرة من أوسخ أبوابها وعليهم أكثر إدراك أن الساحة الاقتصادية المضطربة والساحة السياسية الأكثر اضطراباً والعملة الوطنية المستباحة إنما هي تعبير عن ثلاثة مرتكزات أساسية لأزمة عميقة لا تجدي معها نفعاً إجراءات ومراوغات وسياسات تقليدية ثبت بالملموس من الأزمات المماثلة السابقة فشلها, فالأمر بات يتطلب الاعتراف بخطورة الأزمة ومن الدخول في حوارات سياسية جادة فيها من التنازلات المؤلمة لصالح البلاد كما فيها من التوافقات لصالح المستقبل ولا سبيل أمامنا سوى الحوار الشامل والجاد بعيداً عن التمترس وراء أغلبية برلمانية هنا لم تُجدِ نفعاً عند المنحنيات الخطرة ولكنها عمقت الأزمة, مثلما لم يجد نفعاً اللهث وراء مستنقع الزعامات.

عن صحيفة التجمع..

عضو الامانة العامة للجنة التحضيرية للحوار الوطني..