Home Articles Orbits ويبقى 22 مايو فخر قصتنا الوطنية
ويبقى 22 مايو فخر قصتنا الوطنية
موسى مجرد
موسى مجرد

لا يستطيع أحد أن ينكر بأن هناك الكثير من الانحرافات والتشوهات التي أصابت الشخصية اليمنية بصفة عامة سواءً كانت شمالية أو جنوبية بسبب إهمال الدولة والمجتمع لتلك الأختلالات التي أدت إلى تكريس مفهوم المناطقية السياسية والجغرافية بمفاهيمها السلبية حيث بدأت تظهر ملامحها جلياً بين أوساط المجتمع وبالتحديد ما بعد حرب صيف 94 م المشؤمة من خلال تغيرات ثقافية غير مألوفة بدأت تطرأ وتمارس بسلوكيات خاطئة من قبل الجميع !! ..

فزهو المنتصر وخيلاء المستبد اللذان أصابا الرئيس المخلوع / علي عبدالله صالح ونظامه جعلتهُ يرتكب العديد من الأخطاء التاريخية جلها مهين وقاتل في حق شعبه فقد أعتمد نظامه سياسة الأبعاد والأقصاء لشريحة واسعة في المجتمع اليمني وهم شريحة واسعة من أخواننا أبناء المحافظات الجنوبية وقساوة باهته أعتمدها نظامه في التعامل معهم سواء كانوا جماعات وأفراد أو مجتمع ودولة ....  

فالإمعــان في تلك النظرة الدونية التي ظل يعامل بها أخواننا أبناء المحافظات الجنوبية في ظل دولة الوحدة كمواطن رقم 2 هُزم في حرب قاتلة وخاسرة " بمجملها أدت إلى تفريط باهت في حقوقهم المدنية المشروعة كمواطنين يمنيين وكشركاء حقيقيين في صنع وتحقيق الوحدة .

 فقد ظل نظام / المخلوع يستظل بعباءة الاستبداد وبشرعية السماء !! حتى أفسد الحياة السياسية والأجتماعية بكل معانيها الجميلة حتى فشل فشلاً ذريعاً في إقناع المواطن الجنوبي بقيمة وبمزايا حلم تاريخي عظيم تحقق بعد عناء طويل لكنه بدلاً من ذلك نزع المعاني السامية والنبيلة التي قامت من أجلها الوحدة اليمنية من قلوب وعقول الأباء الكبار وصولاً إلى إجهاضها إن أستمر بقاءهُ في عيون جيل من الأبناء الصغار الذين تآكل نموهم في حضرة طغيانه وإستبداده .  

يقابله في الطرف الأخر أيضاً !! الشرور لتلك الأيديولوجيات والعصبيات المناطقية التي لا زالت راسخة في أذهان البعض من تقدميي الأمس وحراكيي اليوم ؟؟ يضاف إلى ذلك الأختلاف القائم بين النخب السياسية العتيقة والحديثة في قيادات الحراك فلم يحسموا تناحراتهم وأنتحاراتهم حتى يتجنبوا تكرار أخطائهم البلهاء تلك فلا زالوا يلوكون شعاراتهم الصفراء بعيداً عن الواقع ومتغيراته المتشابكة الداخلية والأقليمية والدولية !!

ولكن رغم كل ما ذُكر آنفاً يظل يوم 22 من مايو 1990 م ليس بالمناسبة الرسمية أو الوطنية فحسب رغم أنه كان يمكن أن يكون يوماً عادياً من أيام حياتنا كيمنيين سواء في الداخل أو في الخارج ولكن الحقيقة التي لا مراء فيها أن هذا اليوم كان محطة تحول هامه في التاريخ اليمني المعاصر على خلاف ما كان يظن كل الذين عاشوه وعاصروه وساهموا في صناعته

فهذا اليوم الذي لم ولن ينسى في الذاكرة اليمنية والعربية الحديثة الذي ناضل من أجل صنعه جميع أبناء الشعب اليمني حتى أحتفوا به قاطبة شمالاً وجنوباً كان الفجر الذي حلم بأشراقته كل يمني في أصقاع الوطن بأن تفتح أمامهُ صفحات مضيئة بمستقبل واعد بالرخاء وبالحرية والعدالة والمساواة لبناء الدولة اليمنية المدنية الموحدة لكن قوى التخلف والتآمر دآبت وما زالت تعمل على إجهاض ذلك الحلم في قلوب وعقول الأباء والأمهات بعد أن سلبته من عيون الشباب فما فتئت تروج في الداخل والخارج بأن الشعب اليمني ليس إلا مجموعة من الشحاتين ومن الأرهابيين عشاق العنف والموت والدمار , تعمل على ذلك وفق إستراتيجية لوآد عظمة هذا الشعب الذي قرر أن يعيد الأعتبار لنفسه ولوحدته من خلال ثورة سلمية تغييرية عظيمة في العام 2011 م أدهشت العالم وحيرت الطغاة والمستبدين .

إن قراءتنا الأمينة لمسار التاريخ منذ أربعة وعشرون عاماً من عمر وحدة وطننا المجيدة التي تم إعادة تحقيقها في يوم الثاني والعشرون من مايو 1990م سنجد أن وطننا اليمني مر بكثير من التقلبات السياسية والأجتماعية منها ما كان إيجابياً وهو بقاء الوحدة اليمنية وصمودها أمام كل المؤامرات التي أحيكت ضدها من الداخل والخارج حتى عمدت بسيول من الدماء ومنها ما كان سلبياً بل أن بعض السلبيات التي رافقت مسيرة الوحدة نتيجة الأزمات المتكررة والأخفاقات المتتالية والتي بمجملها أدت الى إنهيارات في هيبة سلطة الدولة ففي شماله ( صعدة ) ظهر التمرد الحوثي الذي تجاوز حدود المنطق كما تجاوز حدود الجغرافيا وفي جنوبه حراك دق ولا زال يدق نذر التمزق والأنفصال وفي وسطه وشرقه وعلى أمتداد ترابه ومدنه وقراه تفشى السلاح الفردي والقبلي تماماً كما عم الفقر والعوز وأدران الأمية شرائح المجتمع .

إلا أن حلول الذكرى الـ 24 لأعادة تحقيق الوحدة اليمنية يجب الا تعني لنا التوقف عند الأبتهاج من عدمه بقدر ما تعني لنا البحث للخروج من تلك الصراعات والحروب المتعددة نتيجة الأحتقانات السياسية المتتالية والمتراكمة التي كانت نتيجة للرواسب التي طفت على المشهد اليمني العام منذ أن جير وحَيد نظام المخلوع / علي عبدالله صالح مكتسبات الوحدة عن مسارها الصحيح حتى أنهُ لم يعد هناك من المستفيدين من خيرات الوحدة ومكاسبها اليوم سوى فئة قليلة هم أولئك من أستأثروا بالوطن وخيراته ومكتسباته الأمر الذي يتناقض كلية مع أهداف الوحدة ومع ما جأت من أجله ! كما يستحق مننا الوقوف عندها بوعي مطلق وبمصداقية كامله بعيداً عن النرجسية السياسية والنظرة الحزبية الضيقة التي أصيبت بها النخبة السياسية لمراجعة ما يمكن عملهُ لأجترار مواجع الماضي وجراحاته من أجل المستقبل ..

لذا إن إعادة اللحمة والثقة والمحبة بين أبناء الوطن الواحد لن تأتي عن طريق الأماني والوعود الكاذبة وإنما بالعمل وبالوفاء للوعود والصدق في التعامل ونشر العدل والمحبة بين أبناء الوطن الواحد عن طريق تطبيق سلطة القانون على الجميع دون تمييز أو أستثناء .

فوحدة التراب اليمني قد حرسها اليمنيون أنفسهم، وأمتزجت دماؤهم في حومة الدفاع عنها سيان كان الغازي شرقياً أو غربياً فتاريخهم مفعم بقصص البطولة والفداء من أجل وحدة هذا الوطن الذي أستعصى تمزيقهُ ولا يزال على كل من أستهدفهُ من غادين أو قادمين ...

يظل الحديث عن الوحدة اليمنية حديث طويل وذو شجون كثيره تحمل في طياتها الكثير من ألأحداث المرتبطة بحياة المواطن والوطن فرغم إن ذكر أسم الوحدة والأحتفال بذكرى تحقيقها اليوم أصبح مثار آلم لدى البعض ومثار أشمئزاز وسخط لدى البعض الأخر إلا أنها تبقى لدينا (الأغلبية ) حكاية يمنية تستحق أن تروى بفخر وأعتزاز لكل الأجيال وهى تمضي واثقة تتجاوز المخاطر المحدقة والتحديات العسيرة والخطوب الجسام فالوحدة قفزت بوطنينا المنهكان والمجهولان من مآسي التشطير وأهوال التسلط وأحزان الصراعات الدامية إلى مكانة إقليمية ودولية أسمها الجمهورية اليمنية أنتزعت إحترام الأخرين .

خلاصة القول :

ليعلم كل من يسعى إلى تبديل خارطة اليمن تحت أي تسمية كانت إنما هو كالحارث في الماء فاليمن ملك نفسه وجماجم اليمنيين مزروعةٍ في كل حفنة تراب من أرضه وأن أشجار بُنه وجوزه ولوزه وغابات الموز والنخيل والأثل جميعها قد سقيت عبر التاريخ بدماء أبناءه فسيظل يمن واحد موحد بأبناءه عزيز بأسمه فخور بتاريخه وأمجاده .

 

كاتب يمني / أمريكا

[email protected]