Home Articles Orbits فك الارتباط مع البنادق
فك الارتباط مع البنادق
محمد شمسان
محمد شمسان
 

لا يحتاج اليمنيون خلال هذه المرحلة الى شيء , اكثر من حاجتهم الى فك الارتباط مع الاسلحة والبنادق وادوات الموت المنتشرة في كل مكان , انها الحقيقة التي نحاول تجاهلها منذ عشرات السنين في هذا البلد - حقيقة الارتباط بالبنادق والاسلحة الخفيفة والثقيلة والمتوسطة وثقافة الاستقواء والتسلط على الاخرين بقوة السلاح , الى درجة انها اصبحت جزء اصيل من شخصية المواطن اليمني , وتساهم في تركيبته وتؤثر على سلوكياته ونفسيته وتعاملاته مع الاخرين .

لقد تعززت وترسخت ثقافة التسلح والاستقواء بالسلاح في اوساط المجتمع اليمني على مدى القرون الماضية , وذلك لأسباب عدة منها : غياب الدولة القوية التي توفر عوامل الامن والاستقرار داخل المجتمع , توسع دائرة الجهل وغياب الوعي المجتمعي بأهمية الاحتكام للأنظمة والقوانين النافذة , استمرار الحروب والصراعات والنزاعات المسلحة بين مكونات وافراد المجتمع طوال القرون الماضية , وما نعانيه اليوم من حروب واقتتال واعمال عنف يعد امتداد لتلك الحالة التي تجذرت في واقع المجتمع وعشعشت في عقول ورؤوس اليمنيين على مدى المراحل المتعاقبة .

من المهم جدا ان يدرك ابناء اليمن عموما بمختلف توجهاتهم وشرائحهم وانتماءاتهم ومكوناتهم , ان معركتهم الحقيقة والمقدسة خلال هذه المرحلة والمراحل المقبلة يجب ان تكون مع البنادق وثقافة التسلح والاحتكام للسلاح وكيفية التحرر من هذه العقدة النفسية التي تسيطر علينا وعلى واقعنا وتدمر مستقبلنا ومستقبل وطننا وتسلب حياة الكثيرين منا دون توقف او رحمة , مع ضرورة الوعي والادراك بأنها لن تكون معركة سهلة كونها قد ارتبطت بحياتنا وشخصياتنا وسلوكياتنا وتجذرت في واقعنا ومجتمعنا كجزء من الثقافة السائدة داخل المجتمع وفي هذا البلد.

يجب ان نعمل اولا على تحرير افكارنا وعقولنا المبندقة وفك الارتباط بينها وبين البنادق والقنابل والمدافع والدبابات والالغام والعبوات الناسفة - كخطوة اولى في طريق التحرر والتخلص من ثقافة البندقة والتسلح , يجب ان نعمل على فك الارتباط بين ابنائنا واجيالنا القادمة وبين ثقافة البندقة والتسلح - من خلال تحويل دائرة افكارنا واهتماماتنا نحو القضايا المعرفية والمعاصرة والعلوم المختلفة والمتعددة المرتبطة بحياتنا واحتياجاتنا ومستقبلنا .

ان مسئولية الحد من انتشار السلاح ربما تقع بدرجة اساسية على الدولة واجهزتها الامنية , لكن مسئولية التخلص من ثقافة البندقة والتسلح تقع على عاتقنا نحن المواطنين , كونها مسئولية مجتمعية تتطلب اعادة النظر في ثقافتنا اليومية بدءا من ثقافة الاسرة داخل البيت وفي الشارع ووصولا الى مناهجنا التعليمية والتربوية والثقافية وحتى التأريخية , وهو الامر الذي يتطلب تضافر الجهود بين كافة افراد المجتمع القبلي والمدني .

لست هنا في صدد التحذير من خطورة استخدام السلاح او التعريف بمدى تأثيراته السلبية على المستوى الامني للبلد , فهذا الامر لم يعد يخفى على احد وقد تحدث فيه الكثير من السياسيين والمثقفين ورجال الامن , ولعل الاحداث التي نعيشها ونشهدها الان في بلد الايمان والحكمة هي خير من تصيغ العبارات وتعزز الاشارات وتقدم الدلالات لهذا المعني , لكنني هنا اود الاشارة الى الثقافة المجتمعية التي تٌأصل العلاقة بين الفرد والسلاح والتسلح وهو الامر الذي ينعكس على شخصية المواطن اليمني وتركيبته وحياته ومستقبله الذي لا يراه الا من خلال حمل السلاح وفوهات البنادق والدبابات واصوات القنابل والقذائف المتفجرة .

من المؤكد وجود قيادات وزعامات قبلية وعسكرية ودينية وسياسية داخل المجتمع تعمل على حماية هذه الثقافة واستثمارها لصالح مشاريعها الخاصة , كونها تجد في الحروب والصراعات المسلحة فرصة مناسبة لتحقيق الكثير من المكاسب والارباح المادية والمعنوية , غير انهم قليلون جدا ولا تتحقق مع وجودهم المصلحة الوطنية العليا ولا عوامل الامن والاستقرار للمجتمع ولا اسباب التطور والتقدم والبناء , لذا من المهم ان يدرك المواطن اليمني ان مصلحته الخاصة والعامة وعوامل امنه وسلامته وفرص النهضة والازدهار والتقدم والرخاء في هذا البلد بعيدة كل البعد عن فوهات البنادق والمدافع واصوات الرصاص والقنابل , من المهم ان يدرك ابناء اليمن ان ثقافة السلاح والاستقواء بالسلاح تتعارض مع بناء الدولة المدنية الحديثة والقوية والمتقدمة والمتطورة , وتتعارض مع قواعد الامن والسلام والعدالة والنظام والقانون