(هذه القصيدة كتبها الشاعر اليمني الكبير عبدالله البردوني كحوارية بين الشهيد المغدور إبراهيم الحمدي بصفته ثائراً، وبين السلطان القاتل، حيث الأبيات من 1 إلى 33 على لسان السلطان القاتل، ومن البيت الـ34 على لسان الثائر الشهيد)
أسكن كالموتى يا أحمقْ/ نم.. هذا قبر لا خندقْ
لا فرق لديك؟ نجوت إذن/ واخترت المتراس الأوثقْ
تدري ما الموت؟ ألا تغفو؟/ أقلقت الرعب وما تقلقْ
هل تنسى قتلتك الأولى؟/ وإلى الأخرى تعدو أشوقْ
***
من ذا أحياك أعيدوه؟/ أعييت الشرطة والفيلقْ
هل كنت دفينا؟ لا سمة/ للقبر، ولا تبدو مرهقْ
دمك المهدور- على رغمي-/ أصبحت به، أزهى آنقْ
أملي بالعافية الجذلى/ ومن الرمح (الصعدي) أرشقْ
من أين طلعت أحر صباً/ وأكر من الفرس الأبلقْ؟
قالوا: أبحرت على نعش/ ويقال: رجعت على زورقْ!
أو ما دفنوك وأعلنا؟/ فلماذا تعلو، تتألقْ؟
أركبت المدفن أجنحة/ ونسجت من الكفن البيرقْ؟
***
ماذا يبدو، من يخدعني؟/ بصري أو أنت؟ من الأصدقْ؟
شيء كالحية يلبسني/ سيف بجفوني يتعلقْ
***
من أين تباغتني؟ أنأى/ تدنو، أستخفي، تتسلقْ
تشويني منك رؤى حمر/ يتهددني سيف أزرقْ
شبح حرباوي، يرنو/ يغضي، يتقزم، يتعملقْ
***
من أي حجيم تتبدى؟/ عن أي عيون تتفتقْ؟
الوادي باسمك يتحدى/ والتل بصوتك، يتشدقْ
الصخر ينث خطاك لظى/ الريح العجلى، تتبندقْ
أبكل عيون الشعب ترى؟/ أبكل جوانحه تعشقْ؟
تحمر هناك، تموج هنا/ من كل مكان تتدفقْ
***
قالوا: أخفي... أصبحت على/ سلطاني، تسليطاً مطلقْ
تحتل قرارة جمجمتي/ فأذوب، إلى نعلي أغرقْ
أردي، لا ألقى من يفنى/ أسطو، لا ألقى من يفرقْ
أسبقت إليك؟ فكنت إلى/ تقطيع شراييني أسبقْ؟
***
شككت الموت بمهنته/ لا يدري يبكي أو يعرقْ!
هل شل القتل لباقته/ أو أن فريسته ألبقْ!
هل من دمك اختضبت يده/ أو أن أنامله تحرقْ
***
أقتلت القتل ولم تقتل؟/ أوقعت الخطة في مأزقْ
القتل بصنعاء مقتول/ وروائحه فيها أعبقْ
***
الآن عرفت.. فما الجدوى؟/ سقط التنسيق، ومن نسقْ
أضحى القتال هم القتلى/ أرديت (القائد والملحقْ)
***
كالبذر دفنت، هنا جسدي/ والآن البذر هنا أورقْ
فلقلب التربة أشواق/ كالورد، وحلم كالزنبقْ
لأنوثتها - كالناس - هوى/ يتلظى، يخبو، يترقرقْ
بدماء الفادي تتحنى/ لزفاف مناه تتزرقْ
عمقت القبر فجذرني/ فبزغت من العمق المغلقْ
السطح إلى الماضي ينمو/ وإلى الآتي، يمنو الأعمقْ
من ظلمته، يأتي أبهى/ كي يبتكر الأبهى الأعرقْ
***
هل أهمس بوحي أو أعلي؟/ ما عاد الهمس، هو الأليقْ
يا من مزقني، جمعنا/ - في خط الثورة- من مزقْ
***
ماذا حققت؟ ألا تدري؟/ وطني يدري، ماذا حققْ
ويعي من أين أتى وإلى.../ وعلى آتيه يتفوقْ
عبدالله البردوني - 1977