Home Articles Reports اليمن .. مقدمات قتل بالهوية
اليمن .. مقدمات قتل بالهوية
عادل عبدالمغني
عادل عبدالمغني

يسير اليمن نحو المجهول ، وتتفاقم أزماته ككرة ثلج تتدحرج بشكل متسارع دون أن تجد من يوقفها.
هكذا تشير تداعيات الأحداث، وهكذا ينذر واقع الحال في البلد.
فالحراك الجنوبي اخذ في التصاعد بعد أن انحرف بالمطالب الحقوقية التي كان يرفعها في السابق إلى مطالب سياسية تجاهر علنا بانفصال الجنوب. فيما يفرض المتمردون الحوثيون في أقصى الشمال كامل سيطرتهم على مناطق شاسعة في محافظة صعدة وما جاورها.
هناك أيضا تنظيم القاعدة الذي يتوغل في البلد حتى بات ضمن نسيجه الاجتماعي، وهناك كذلك نفط ينضب واقتصاد يترنح ومجتمع لم يعد يحتمل المزيد، تقابله حكومة غير قادرة على مواجهة أي مما سبق بغير العنف الذي كلما ارتفعت حصيلته زادت الأوضاع صعوبة وتعقيدا.
ومؤخرا دخل اليمن مرحلة حرجة للغاية بعد مواجهات دامية اندلعت في مدينة أبين منتصف يوليو الماضي بين قوات الأمن ومتظاهرين من أتباع ما بات يعرف بـ(الحراك الجنوبي) خلفت عشرات القتلى والجرحى، واستخدم خلالها الجيش قذائف الهاون لقصف منزل حفيد أحد سلاطنة اليمن الجنوبي سابقا واحد قادة الحر اك الجنوبي الساعيين للانفصال الشيخ طارق الفضلي، فيما اشتعلت النيران في سيارات الشرطة، وأطلق منخرطون في الحراك قذائف (آر بي جي) على منزل محافظ محافظة أبين في اعنف مواجهة تشهدها محافظات الجنوب منذ انتهاء حرب صيف 94م. وهي المواجهة التي جعلت الأوضاع تخرج عن السيطرة ، لتأخذ الأزمة طابعا دمويا تمثل باستهداف جنود الأمن عبر كمائن نصبها مجهولون في مدينة زنجبار بابين قتلت أربعة وأصابت خامس في ال 28 من يوليو المنصرم.
كما فجر مجهولون صباح ذات اليوم عبوة ناسفة في هجوم نفذ على مقر المؤتمر الشعبي العام الحاكم بمحافظة أبين وألحق الانفجار أضراراً كبيرة بالمبنى وعدد من المباني المجاورة لـه.
وحيث تسللت الرغبة في الانفصال وتحولت إلى قناعات لدى المنخرطين في الحراك الجنوبي، وتحديدا في محافظات لحج والضالع وأبين، برز الخطر الحقيقي الذي حذر منه عديد مراقبون والمتمثل بتنامي مشاعر الكراهية بين أبناء الشعب الواحد في الشمال والجنوب، كوقود حرب أهلية طاحنة انطلقت شرارتها الأولى بقتل ثلاثة مواطنين من محافظة تعز الشمالية يعملون في صناعة الحلوى بمنطقة (حبيل جبر) بمحافظة لحج على يد منخرطون في الحراك في العاشر من يوليو دون ذنب اقترفوه سوى أنهم من محافظات شمالية. وتكررت العملية بعد اقل من أسبوع في محافظة الضالع حيث وجد احد مواطني الشمال مشنوقا في وادي زراعي بالقرب من إحدى قرى محافظة الضالع من قبل أتباع الحراك الجنوبي الذين قاموا أيضا بالاعتداء بالضرب على مواطنين من المحافظات الشمالية وتحطيم محالهم التجارية وسياراتهم التي تحمل أرقام محافظات الشمال.
وفيما لم تسجل أي حالة اعتداء على مواطنين جنوبيين في المحافظات الشمالية إلا أن مثل هذه التداعيات الخطيرة أثرت بشكل كبير على حركة مواطني الشمال في محافظات الجنوب، وعملت على تهجير واسع للمواطنين الشماليين المقيمين في الجنوب خوفا على حياتهم من القتل وممتلكاتهم من أعمال النهب والسلب. وهو ما احدث شرخا في نفوس المواطنين، وأعاد للأذهان جرائم التصفيات بالهوية التي شهدها العراق بعد الغزو الأمريكي.
وبالوتيرة ذاتها التي ترتفع فيها حدة الأصوات المطالبة بالانفصال، والتي باتت تخرج في مظاهرات شبه يومية في الجنوب، تزداد مشاعر استعداء أبناء الشمال الذين يقطن عدد كبير منهم في الجنوب منذ التوقيع على الوحدة العام 90م. ولعل ذلك إن استمر سيكون بمثابة مقدمة لاقتتال مناطقي، بشر به الرئيس علي عبدالله صالح في حديثه لليمنيين في ابريل الماضي حين قال لهم أن الوحدة إن انهارت فـ " ستتقاتلون من باب إلى باب ومن طاقة إلى طاقة ولن يكون اليمن شطرين فقط بل قرى ودويلات متناحرة، ولن يكون هناك طريق امن في اليمن أو طائرة تطير أو سفينة تبحر من والى اليمن.. ".
البيض ونداء استغاثة:
ولعل الظهور المفاجئ لرئيس دولة اليمن الجنوبي سابقا ونائب رئيس دولة الوحدة حتى العام 94 علي سالم البيض عشية الذكرى التاسعة عشرة للوحدة اليمنية في 22 مايو المنصرم ودعوته من ميونخ بألمانيا للانفصال وقيادة مساعي ما اسماه (فك الارتباط) هو من أعطى الحراك الجنوبي هذا الصمود الذي يشهده اليوم والذي زاد من وتيرة المظاهرات والفعاليات الاحتجاجية في مواجهة الرصاص الحي لجنود السلطة.
البيض أدرك ذلك ليظهر مرة أخرى في الـ 23 من يوليو في بيان حمل شعار دولة الجنوب سابقا – مكتب الرئاسة - وذيل بتوقيع (الرئيس) علي سالم البيض، وجه فيه نداء استغاثة للأمم المتحدة ومجلس الأمن والجامعة العربية ومجلس الخليج العربي (لإنقاذ الجنوب).
 وهو النداء الذي كان له أيضا أثره المعنوي بالنسبة لأتباع الحراك الجنوبي الذين خرجوا في مسيرات واسعة مجاهرين بالانفصال .. يرفعون أعلام شطرية ويهتفون بسقوط الوحدة ويدعون للقتال في سبيل فصل الجنوب.
حرب صعدة وفوضى الجنوب:
على الطرف الآخر هناك من يربط بين التمادي في الدعوة للانفصال في الجنوب وحرب الحكومة طويل الأمد مع الحوثيين في الشمال.
وبحسب هؤلاء فان سبب تجرؤ سياسيين في الجنوب على المطالبة علنا بالانفصال والسعي من اجله وتحدي القوة الأمنية، هو استمرار حرب السلطة المتقطع مع المتمردين الحوثيين في صعدة لمدة تزيد عن خمس سنوات، دون قدرة الجيش على قمع المتردين وحسم المعركة لصالحه. ما أعطي انطباعا لدى الراغبين في الانفصال بضعف قدرة الجيش، الأمر الذي دفعهم لإعلان نواياهم حسب عديد مراقبين ومهتمين.
و ما يلفت الانتباه هنا أن حروب السلطة مع الحوثيين كانت في السابق تهدأ وتتوقف عند مواجهات الدولة للحراك الجنوبي في المحافظات الجنوبية والعكس صحيح أيضا. وبدا الأمر كما لو أن السلطة تمتلك خيوط التحكم بأطراف الصراع في الداخل. غير أن الأحداث التي شهدتها الأسابيع الأخيرة أتت بغير ذلك، بعد أن وجدت السلطة نفسها في مواجها مع خطرين حقيقيين في الوقت ذاته، احدهما في الجنوب والآخر في أقصى الشمال . فبالتزامن مع مواجهات دامية للجيش مع الحراك الجنوبي في أبين، شهدت محافظة صعدة مواجهة أكثر شراسة بين قوات الجيش الحكومي والمتمردين الحوثيين تمكن الأخيرين من قتل ثمانية جنود واسر آخرين كمقدمة لحرب سادسة بين الطرفين إن لم تكن قد بدأت فعليا فهي في طريقها إلى ذلك، وهو ما زاد من حساسية الوضع في اليمن.
ومع اتساع رقعة العنف وتفاقم حدة التوترات والمواجهات الدامية تزداد المخاوف على مستقبل اليمن الذي تنتظره سيناريوهات كارثية إن استمر الوضع على ما هو عليه اليوم .
وما لم تتعامل المنظومة السياسية في اليمن (سلطة ومعارضة) مع ما يحدث في البلد بعمق وجدية، فان البلد سائرة على الطريق الذي سارت عليه الصومال في حال استمر الوضع على تفلتاته. خاصة وان الدول العربية ودول الخليج تحديدا لا تزال تنظر لما يدور في اليمن من موقف المتفرج، مع أن انفجار الأوضاع في البلد سيصيب المحيط الإقليمي ككل وليس اليمن وحده..
وان كان ما يحدث حاليا هو تطور طبيعي ونتيجة عكسية لممارسات خاطئة انتهجها النظام الحاكم في اليمن منذ قيام الوحدة ، إلا أننا لا نستطيع إغفال العامل الاقتصادي الذي يقف بقوة وراء تداعيات الأحداث في البلد، والذي يمكن أن تلعب فيه دول الجوار دورا ايجابيا.
ما هو مؤكد أن النظام الحاكم في اليمن لم يكن موفقا حين ترك الأوضاع تتفاقم في الجنوب إلى حد المجاهرة بالانفصال، مثلما انه ليس موفقا الآن وهو يحاول إعلاء لغة العنف على لغة الحوار ، ولن يكون موفقا مستقبلا أبدا إن ركن إلى الوقت وحده لمعالجة الأزمات القائمة دون التحرك العاجل وبإشراك كافة الأطراف السياسية لإنقاذ البلد وإعادته من على حافة الانهيار الذي بات وشيكا.