الحزب الحاكم في اليمن : اختلاق معارك .. واصطناع أعداء
د. أحمد سعيد
هناك فارق كبير بين نقد السلطة -وفي ملفاتها مايستحق الكثير من النقد والمواجهة- وبين الاستغراق في إطلاق الاتهامات بالانفصال وشتم كل صاحب رأي مخالف ومعارض لسياسات الحزب الحاكم، ومحاولة تحميل الآخرين، سواء مؤسسات بحثية أو أكاديميين أو سياسيين، مسؤولية أخطاء السلطة وأدائها السيء.
الأسبوع الماضي، صدر تقرير حال الأمة، الذي يصدره سنوياً المؤتمر القومي العربي، وتناول فيه أوضاع كل ساحة عربية، منها الشأن اليمني، الذي تعرض له التقرير بطريقة أكثر وضوحاً وصدقية لكثير من القضايا التي يحاول الحزب الحاكم التعامي عليها وإدارة ظهره لها بل وإنكار وجودها تماماً.
ورصد التقرير مؤشرات لتلك القضايا منها «استمرار ظاهرة عدم الاستقرار السياسي وتزامن المتناقضات وتعايشها في اليمن وطرح مبادرات دون فاعلية والتأثر بالخارج»، إضافة الى اعتبار عام 2009م عاماً كاشفاً لأوجاع اليمن بسبب أحداث صعدة والحراك في الجنوب، وتزايد تنظيم القاعدة، وتمديد فترة مجلس النواب الى العام 2011م.
وفي ذلك وغيره من القضايا قدر كبير من التحليل وتشخيص الأزمة ومحاولة إيجاد معالجات للواقع الراهن الذي يصعب تجاوزه وإنكاره.
والثابت أن الحزب الحاكم استفزه تشخيص التقرير للحالة اليمنية، الذي لامس الحقيقة فقام بافتعال معركة لا أساس لها ضد المؤتمر القومي العربي وأمانته العامة وأعضاء المؤتمر القومي من المعارضة لم تنته عند تكليف المؤتمر الشعبي لأحد أمنائه المساعدين لحضور المؤتمر، رغم أنه ليس عضواً، بل وصلت حد إصدار توجيهات صارمة لكل أعضاء المؤتمر القومي المنضويين في حزب المؤتمر الشعبي بمقاطعة مؤتمر بيروت، احتجاجاً على الجزء الخاص باليمن في تقرير حال الأمة.
أيضاً لجأ المؤتمر الشعبي- في إطار معركته ضد المؤتمر القومي- إلى الاحتجاج على ترشيح أخرين من المعارضة لعضوية المؤتمر القومي واستثناء قياداته.
والذي لا يدركه المؤتمر الحاكم أنه لا يوجد أي احتكار للترشيح وكان بالإمكان ترشيحهم من قبل أعضائهم في المؤتمر القومي، إلا أنهم لم يقدموا ترشيحات لهم وربما اقتنعوا أن شروط الدخول في المؤتمر القومي لا تتوفر في بعض قيادتهم.
في بيروت كان الأمر عادياً - سوى بعض الكتبة العرب من عملاء السلطة الذين تم حشدهم ليفتعلوا معارك وهمية- وكلٌ أدلى بوجهة نظره حول التقرير في جلسات المؤتمر بما يعتقد أنه مقتنعاً به، لدرجة أن بعض القريبين من الحزب الحاكم كالأخت فاطمة محمد محمد، طالبت أن يتضمن البيان الختامي الإشارة الى «ضرورة حماية المواطنين المدنيين في المحافظات الجنوبية من هوس المؤسسة العسكرية والأمنية». كذلك عبدالواحد هواش لم يتردد في القول إن اليمن يفتقد لدولة النظام والقانون، وأن البلد عبارة عن معسكر يباع السلاح فيها بكل مكان.
كل المهتمين بالشأن اليمني من عرب ويمنيين عبروا عن وجهة نظرهم بكل القضايا التي شملها التقرير دون حاجة للمقاطعة كما فعل- المؤتمر الشعبي العام- لأن المؤتمر القومي ليس جزءاً من هيكلية أي حزب في الوطن العربي.
ويبدو أن المعركة المفتعلة في صنعاء، ألقت بظلالها على عضو المؤتمر خالد عمر، الذي حاول صياغة تقرير موجهٍ لجهةٍ مَّا، تحدث فيه عن «معركة يمنية في بيروت» لا وجود لها أصلاً.
ونسب التقرير عبارات لأشخاص لم يقولوها مثل ما أورده على لسان الدكتور خير الدين حسيب، لأن ذلك لا يتناسب مع مكانة الرجل، وفيه تخلٍ عن المسؤولية لا تتناسب مع تاريخ الرجل الذي لا يهمه أي سلطة ولا يهتم برضاها او زعلها حتى يتنصل من البيانات ويلقيها على غيره، اضافة الى ان في ذلك عدم احترام للأمانة العامة، كما أن ما نُسب ايضا لمعن بشور يتناقض مع أهداف المؤتمر.
وفات كاتب التقرير وهو يتحدث عن التشدد السياسي، أن يذكر أن المعارضة أكدت بأن التشطير غير وارد في بلادنا، لأن الجنوب والشمال عبارة عن مكونين تاريخيين ولا يوجد انقسام تاريخي في اليمن اسمه الشمال والجنوب، لكن هناك ماهو أخطر، وهو التشظي لأكثر من جنوب وشمال، اذا استمرت الحالة الراهنة.
وفي النهاية فإن مشكلة بعض قيادات المؤتمر الشعبي العام تكمن في انكارها لوجود مشاكل وأزمات في البلاد على الإطلاق، وأن أي تناول لها لابد وأن يكون وراءها معارضين للسلطة، بدليل أنهم أشاروا الى أن وراء بيان الأمانة العامة الأخ عبدالملك المخلافي عضو الأمانة العامة للمؤتمر القومي، علماً بأنه لم يكن موجوداً في اجتماع الأمانة العامة، والصحيح أن الاحداث المتسارعة في اليمن هي التي تحتم تناول فضائح السلطة وليس المعارضين للنظام.
والمطلوب من السلطة تحسين أحوال وأوضاع المجتمع وتحقيق إنفراج سياسي، وأرضية ملائمة لإجراء حوار، بين الفرقاء السياسيين، لأنه عندما تستبد بنظام مَّا العصبية فالمعنى أنه عاجز عن معالجة الملفات الحساسة فيندفع الى اختلاق معارك واصطناع أعداء.
*مدير تحرير الوحدوي -صنعاء