Home Articles Orbits عقول الماضي تصنع المستقبل
عقول الماضي تصنع المستقبل
محمد شمسان
محمد شمسان

مشكلة اليمنيين اختصرها المفكر العربي الكبير الاستاذ / محمد حسنين هيكل في عبارة قالها لقناة – s b s - ( ان اليمن يعاني من امرين - ماضي يرفض المغادرة ومستقبل يرفض المجيء ) وهو ادق واجمل توصيف للمشهد السياسي اليمني من وجهة نظري الشخصية , كونه لخص الحالة السياسية اليمنية وتداعياتها منذ عشرات السنين وليس فقط لهذه الفترة .

فالأحداث والتداعيات والمستجدات المتتالية على الساحة الوطنية - بمختلف مجرياتها تؤكد على ان الاطراف والمكونات والنخب السياسية في هذا البلد - تريد ان تذهب الى المستقبل من بوابة الماضي وليس من بوابة الحاضر , وتريد ان تتحكم بمفاصل وزمام امور المستقبل بعقلية الماضي الممتلئة بالأحقاد والأمراض والكراهية والتشوهات التي تعيق مسألة التعايش والانسجام والاستقرار .

وعلى العكس مما كان متوقعا - بأن تأتي القيادات والنخب السياسية وهي تحمل هم المستقبل وتتطلع اليه من نوافذ جديدة تتوافق مع الاحتياجات والمتطلبات العصرية التي تحتاج اليها اليمن لتكون دولة قوية ومتقدمة , ويحتاج اليها ايضا المجتمع اليمني ليكون اكثر امنا وانسجاما واستقرار , فأن تلك القيادات والرموز والنخب السياسية تتعاطى مع العملية السياسية وما فيها من احداث ومجريات بنوع من الاستخفاف والاستهتار والسخرية , وتسعى الى فرض خياراتها وشروطها ومشاريعها بقوة السلاح او بالحيلة والمكيدة والخداع .

توافق اليمنيين خلال مرحلة الحوار الوطني على مشروع وطني حقيقي يمكنهم من تجاوز كافة الازمات والمشاكل والتحديات التي تعترض طريقهم , وكان المؤمل بأن يذهب الجميع الى تنفيذ وتطبيق ذلك المشروع المتمثل بوثيقة مخرجات الحوار الوطني الشامل , الا ان بعض المكونات السياسية تعاملت مع الامر بنوع من التطنيش والاستخفاف وماطلت كثيرا واختلقت العديد من المبررات والصعوبات في سبيل عدم تنفيذ مخرجات الحوار , فيما ذهب البعض الاخر الى افتعال الازمات والحروب والمشاكل واستخدام السلاح  بهدف التنصل من التزاماتها ووعودها ورفض المشروع الوطني الداعم لبناء دولة مدنية حديثة ديمقراطية ومتقدمة .

وهكذا تمر الأيام والساعات والفرص من امامنا , ومع كل يوم تمر علينا - تغلق في وجوهنا ابواب جديدة للحلول والخروج من اوضاعنا وازماتنا ومشاكلنا بشكل امن , وليت الامر يتوقف عند هذا الحد , بل ان تسارع الاحداث وتتابع الازمات المتلاحقة على الساحة الوطنية تحاصرنا اكثر فأكثر , وتدفعنا الى مربعات خطيرة جدا قد لا نكون قادرين على دفع تكاليفها نحن ولا حتى الاجيال القادمة بعدنا .

العديد من الوثائق والمبادئ والاتفاقيات والمعاهدات والالتزامات التي تم التوصل اليها والتوافق حولها والتوقيع عليها بين مختلف اطراف ومكونات المعادلة السياسية وعلى الساحة الوطنية , الا ان جميعها لم تجد طريقها للتنفيذ ولم يتم الالتفات اليها بعد ام يجف حبر التوقيع عليها , وهذا الامر يجعل كافة الاطراف الموقعة عليها خارج اطار القيم الاخلاقية الضامنة للمسئولية الوطنية , ويضعف الهوية الوطنية والانتماء الوطني داخل هذه المكونات وبين افرادها .

في الكثير من الاحيان اشك ان العمل السياسي والمدني في هذا البلد - سيوفر طريقا امنا امام اليمنيين لبناء دولة مدنية حديثة , وللوصول الى المستقبل الافضل الذي ينشدونه ويسعون الى تحقيقه رغم كل التضحيات التي قدمت خلال المراحل الماضية .

ويبقى السؤال الاهم في ذهني هو : اذا كانت وسيلة الحوار الوطني بين مختلف مكونات وشرائح واطراف واطياف المجتمع اليمني التي استمرت ما يقارب العام , لم تمكن اليمنيين بناء دولة مدنية جديدة قوية ومتطورة , وتنقلهم الى المستقبل الافضل وتخلق امامهم واقعا جديدا يسوده الامن والاستقرار والتعايش والانسجام فيما بينهم البين – فماهي الوسيلة التي ستكون قادرة على تحقيق ذلك ؟