Home Articles Orbits معركتنا الاستثنائية ضد الكائنات الأكثر عداوة !
معركتنا الاستثنائية ضد الكائنات الأكثر عداوة !
فتحي أبو النصر
فتحي أبو النصر

كل حماقات وجرائم التحالف الخارجي لا تبرر حماقات وجرائم التحالف الداخلي ، و كل جرائم وحماقات التحالف الداخلي لا تبرر جرائم وحماقات التحالف الخارجي . لكن (شقات ) اللامبدأية -اللاوطنية، ليست غايتهم الفهم والتعقلن والاتعاظ والمراجعات ، قدر ما يتلذذون أكثر من أي شيء آخر بـ (التطنيش) و (الدعممة)؛ ذلك ان غايتهم الحقيقية هي التأزيم والظفر بما تيسر من امتيازات ضحلة وآثمة وعابرة ، تفضي إليها كل هذه التداعيات المجنونة والمؤسفة التي انتجها الصراع الرديء كحصيلة طبيعية ووحيدة .

و الحال انها الكائنات المهووسة بمصالحها الذاتية والأنانية المشتشرسة صارت تبرز اليوم بصفتها الأكثر عداوة لحاضر ومستقبل اليمن السوي الذي يفترض ان ينبثق من مصلحة اليمنيين العليا ذات الاجماع لا الاستفراد ، ما يفترض بنا الدفع باتجاه هذا المسعى الانقاذي وتعزيزه ، فضلاً عن مواجهة تلك الكائنات المهووسة في دأبها الممنهج على عرقلة كل المساعي السياسية الممكنة ، من خلال تعزيزها لأوهام الحسم العسكري ، ليستمر الصراع وتستمر الفوضى في صالحها فقط

ولعل الاجماع الوحيد الآن هو ان أشد ما تحتاجه اليمن يتكثف في استعادة مسعى الانقاذ قبل فوات الفرصة الاخيرة، لأن مسعى الكائنات الفهلوية والبهلوانية و الانتهازية والذرائعية والتناقضية والديماغوجية إياها : يقودنا جميعاً كأسرى حرب إلى مهب التفتت الشعبي والتناثر الوطني ، ثم انها الكائنات التي لا تأبه على الاطلاق بمآلات الشعب الشقي والبلد المنكوب وقد تعلق مصيرهما بين جحيمين ، بينما ليس من علاقة موضوعية بين الجحيم الداخلي والجحيم الخارجي سوى الفتك النهائي بكيان اليمن ووجدان اليمنيين عبر مداومة الهزء والتنكيل بما تبقى من قيمتي الدولة والمجتمع معاً ، وبالتالي التكريس المخيف للطابع العنفي والتطييفي في الخلاف السياسي بكل السبل الضارية والمهندسة والخادعة ، ما يعني مفاقمة الاستبدادين الديني والسياسي، والوصاية على الشعب، وتشظي البنى الوطنية وتجريدها كلياً من حلم تحقق الدولة الضامنة التي وحدها لا غيرها ستظل تمثل الهوية الوطنية الأسمى والعابرة لكل المشاريع الصغيرة، إضافة إلى كونها الحاضنة المثالية للمشروع الوطني الذي تاق اليه اليمنيون وضحوا من أجله مراراً ومايزالون .

واما في مواجهة المسعى التدميري لذات الكائنات المشوهة والمكشوفة والأكثر قرفاً وصخباً وتبريراً وشراً واستغلالاً وسعاراً: يبقى علينا ان نعي جيداً بأن الذي اوصلنا الى هذا الوضع المهين هي الدولة الهشة التي لم تكن تبدع في شيء مثل تسليم مقاليدها برضوخ فادح لإرادة مراكز الهيمنة والغلبة وكائناتها التي استمرت تعمل ضد الدولة وضد المجتمع في آن واحد ، وبالمقابل استمرأت كعادتها التاريخية في التنصل عن التزاماتها التي من ابرزها اثخان المجتمع المكابد والمخذول وعدم التخفيف عن اثقاله المتراكمة

لكن بالرغم من كل ذلك الإرث الذي لا اقسى منه ، لم يكن امام المجتمع من خيار –مثلما لم يعد امامه من سبيل آخر- إلا التعويل على استعادة الدولة باعتبارها آخر قشة بإمكانها بماتيسر من التنازلات ان تنجيه من الغرق الأكيد 

و الأسوأ ان تلك الكائنات المتهافتة وراء منطق جماعات وميليشيات العنف والافساد ، وتجار الحروب والأزمات ، سرعان ما حولت اليمن أيضاً إلى ساحة اقتتال وصراع إقليمي لا يعني اليمنيين ، الذين صاروا أكثر ترنحاً في مسيرة العاصفة المتدافعة والهوجاء التي يراد لها عدم التوقف عند حد معقول ، بينما يزداد الأمر خطورة في ظل التدهورات الامنية والاقتصادية والإنسانية غير المسبوقة .

إلا اننا بنظرة موضوعية بسيطة سنجد ان المجتمع لم ييأس بعد من إمكانية استعادة وإصلاح الدولة وصولاً لتفعيل مسؤوليتها التاريخية والوطنية لصون المجتمع ، بل ان ما ينقصنا كيمنيين هو توطيد الانتماء الثقافي والسياسي والاجتماعي الواسع من أجل غاية الدولة المنشودة لأنها المعادل الفذ لنجاة المجتمع ، فاضحين في السياق كل الكائنات التي تعمق الهوة بين المجتمع و الدولة، بحيث لا تأمل بنهوض الدولة والمجتمع أبداً- ما بالكم بالمصالحة الوطنية اللازمة - كما يبدو واضحاً انها لن تتوقف عن تسويغ فاعلية رهانها اللئيم على مزاج مراكز الهيمنة الاستفرادية والتأجيجة ذاتها ، إلا بتدشين معركتنا الفذة ضدها كمجتمع .

تلك المعركة بالتأكيد هي معركتنا المباركة التي لا تتوقعها، وتتطلب ترك انتماءاتنا المناطقية والمذهبية والحزبية خلفنا ، في مواجهتها ومواجهة ما تخلفه المعركة المشؤمة للتحالفين الداخلي والخارجي من تدهورات وأهوال على جذوة اليمن وأفئدة اليمنيين.

إنها معركتنا الاستثنائية على المستويات القيمية والاخلاقية والحضارية والمعنوية، المعركة المناهضة للحرب والتائقة للسلام ، المعركة التي مركزها الإنسان اليمني كضحية لبؤس التخلف وينبغي العمل لصالح تحريره وتنويره واستعادة كرامته ، معركة المراهنة على تصويب ما أصاب النضال الوطني من خلل وانحرافات وتشوهات ، المعركة الصائبة لا شاعة روح المحبة والتعايش بين جميع شرائح وأطياف اليمنيين ، معركة الجهود المكثفة لإعلان مخاوفنا الوطنية المشروعة من الممارسات المنفلتة والمسخة التي تعمل على تنمية المسالخ الطائفية والجهوية والارهابية ، معركتنا الواثقة لنقد السياسات الفجة والطائشة والمقامرة غير محمودة العواقب التي تبنتها كائنات التحالف الداخلي والتحالف الخارجي حتى صارت تعمل على تغذية العديد من الاخطار التي يراد لها أن تتحول شيئاً فشيئاً الى أدوات دموية لاتهدأ للتفرقة بين فئات الشعب .

ومن هنا تحديداً ينبغي أن تكون كمعركة واعية وواقعية لابد منها ، تفرض على كل الاطراف حل الازمات الوطنية بالحوار والتوافق والالتزام دون اي غطرسة او مخاتلة من قبل اي طرف يفضل الاستقواء والانجراف وراء نزعات الهمجية والبربرية واللامبالاة.

انها معركتنا الخلاقة التي يجب ان نطالب فيها بالنحن الوطنية غير مستسيغين لكل أنا الجماعات المغلقة على نفسها ، معركتنا الفاضحة لوعي افساد الوطنية اليمنية التي لا مناص من الالتفاف حولها كخلاص معتبر لليمنيين ، معركة ماتبقى من الأمل الشاسع لمنح المشروعية للدولة التي تمنح المشروعية للشعب ، معركة تفعيل ثقة المجتمع بالدولة وثقة الدولة بالمجتمع كما ينبغي ، إذ ما دون ذلك يعني فناء الدولة والمجتمع ليس إلا .

المعركة التي يجب ان توحد ضمائرنا لإفشال مخططات خلط الحق بالباطل ، معركة التخلص من الاستلاب الفظيع الذي يقود الدولة ويقود المجتمع إلى الانهيار الكارثي ، معركة العمل الناضج للإفلات من النوايا السيئة للهيمنات الداخلية كما للتدخلات الاقليمية والدولية، معركة توحيد الصفوف ضد خطابات الكراهية والاقصاء والاستحواذ السابقة والقائمة والتي تلوح في الأفق ، معركة المواقف الواضحة ضد آفة التطرف -النابعة من التجيير السياسي للدين وتشويه قيمه الانسانية النبيلة -مهما كان نوعه أو شكله او كانت الجهة الذي تصدره أيضاً.

معركتنا الضرورية لإعلاء مطالبنا أكثر فأكثر بدولة المواطنة والكرامة والحريات والحقوق والواجبات المتساوية ورفض دولة الامتيازات اللامشروعة التي تقوم على الإكراه والقهر وإلغاء المجتمع واستباحة الدولة وعدم مغادرة معايير الولاء والمحسوبية التي أفسدت بناء الدولة واعاقت فرض الحلول العادلة التي تلبي حاجات ومظالم الشعب .

باختصار شديد: لا مفر من معركة مواجهة المجتمع لتحدي بناء الدولة الحديثة دولة الحق والقانون ، بما يساعد على عملية تشكل الدولة ويسهل حالة انصهار المجتمع .

لكنها المعركة التي تتطلب خوضها بكل شرف واقتدار كمعركة خصوصية وفارقة ،تلزمنا قبل أي شيء آخر مغادر ذهنية التحيزات الثنائية المسبقة وسوء الفهم بأسرع ما يمكن ونحن نستعد لها .

ومن هذا المنطلق بإمكاننا ان نقلب الموازين كيمنيين ، كما علينا أن نجرؤ فقط . !