Home Articles Orbits موسم رفع الأسعار
موسم رفع الأسعار
د. عبدالعزيز المقالح
د. عبدالعزيز المقالح
أجدني أزداد قناعة يوماً بعد يوم بغياب أية رقابة من أي نوع في موضوع الأسعار في بلادنا، وأن الأمر في هذا المجال متروك للتجار أنفسهم، ولتجار التجزئة بخاصة، هؤلاء الذين يستعجلون الثراء الفاحش ويحلمون بأن يتحولوا في بضعة أعوام إلى رجال أعمال من أصحاب المليارات على حساب فقراء الوطن الذين زاد عددهم وغدت معاناتهم بلا نهاية. والمثير للاستغراب أن أسعار المواد الغذائية في بلادنا، دون سائر أقطار العالم، لا ترتفع إلاَّ في مثل هذه الأيام، تمهيداً لدخول الشهر الكريم، وكأنما رفع الأسعار في هذه المناسبة نوع من التقرب إلى الله وإظهار التحدي السافر لأجهزة الحكومة، إن كان لها أجهزة تتابع ما يحدث في الأسواق، وما يلتهب في أوساطها من تصاعد مستمر في الأسعار، وأسعار الأغذية بخاصة، إذ لا أحد يهتم أو يتابع أو يرصد حالة المعاناة الشاملة، وما يتجرعه الفقراء في هذا البلد من آلام في البحث عن أبسط الضروريات.
وكعادة حكوماتنا المتعاقبة، فقد اختارت الحكومة الحالية موقف المتفرج مما يحدث في الأسواق وأثبتت قدرتها على الصمت وكأن الأمر لا يعنيها من قريب أو بعيد، لا إيماناً منها بالحرية الاقتصادية والانفتاح غير المحسوب، وإنما تحسباً لردود أفعال بعض المتنفذين الذين يرون في متابعة الوزراء المسؤولين عن قضايا المواطنين خروجاً على الميثاق غير المكتوب بين الدولة ورجال الأعمال المنخرطين في الاستيراد وملء الأسواق بما يحتاجه الناس وما لا يحتاجونه من سلع كمالية أرهقت كواهل الغالبية من عشاق المظاهر وأنصار المحاكاة والتقليد. وأشك في أن الحكومة أو الوزراء المختصين لا يعلمون شيئاً عن رفع سعر الحليب المجفف (النيدو) ألف ريال في ضربة واحدة، وبلا مبرر أو حيثيات داخلية أو خارجية، سوى الرغبة في فتح جبهات حرب من نوع خاص هي «حرب الموائد» التي سبق لحكيم اليمن علي بن زايد أن تحدث عنها بمرارة حين قال: «يقول علي ولد زايد، الحرب حرب الموائد» والإشارة السابقة إلى (النيدو) ليس لأنها السلعة الوحيدة التي تصاعد سعرها، وإنما لكونها النموذج الأقرب لما طرأ على أسعار بقية المواد الغذائية بصورة غير متوقعة في زمن الأزمة الاقتصادية التي هبطت بالأسعار إلى أدنى مستوياتها.
ومن المحزن، أنه حتى لو حاولت الحكومة تطبيق أحكام القانون وحاول الوزراء المختصون القيام بواجبهم، فإنهم لن يتمكنوا من فعل أي شيء لاعتبارات كثيرة منها، وفي مقدمتها، أن بلادنا ديمقراطية، والناس فيها أحرار في أن يثروا أو أن يجوعوا، وفي أن يعملوا ما يشاءون دونما حساب أو عقاب، وهم ينظرون إلى الديمقراطية من هذه الزاوية، وإلا فما قيمتها بالنسبة لهم إذا انتزعت الدولة من مواطنيها حريتهم في قطع الطرق واختطاف السياح ونهب السيارات.. إلخ.
إن الديمقراطية في البلدان المتخلفة تغدو ناقصة إذا لم يتمتع القادرون فيها بحرية أن يعمل كل واحد ما يحلو له، ولأن أنصارها والساهرين على حقوق الإنسان والاقتصاد الحر سوف يسارعون -بلا وعي- إلى شجب كل ما من شأنه تقويض حرية المواطن الديمقراطي ومنعه من ممارسة (أعماله) بحرية حتى لو تسببت في إيذاء الآخرين.
وإذا كان الأمر كذلك فإن موضوع رفع الأسعار يعد من الأمور التافهة التي لا ينبغي أن تشغل بال الحكومة، وربما شكلت الكتابة عنها في نظر البعض ضرباً من الترف الذهني وإثارة للقضايا الثانوية، وإن كانت تلامس الجانب الأهم في حياة المواطن الذي يختزن معاناته وغضبه لتتحول إلى ردود أفعال لا يُحمد عقباها على المدى القريب والبعيد، وفي مقدور الجهات المختصة الاحتكام إلى قوانين محددة تنطلق من القاعدة الشرعية المعروفة، والقائمة على منطق لا ضرر ولا ضرار، وما يحدث في الأسواق اليوم هو الضرر بعينه، ومن لم يهتم بأمور المواطنين فليس منهم.
***
القاضي العلامة حسين بن محمد المهدي، وحقوق المرأة في الشريعة الإسلامية:
يواصل القاضي العلامة حسين بن محمد المهدي، عضو المحكمة العليا، كتاباته التنويرية في قضايا الساعة، وأحدثها كتاب بعنوان «حقوق المرأة في الشريعة الإسلامية، دراسة مقارنة بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان والتشريعات الوطنية» وتؤكد فصول الكتاب السبعة مكانة المرأة في الإسلام وحقوقها الاجتماعية والاقتصادية والقضائية والسياسية وحقها في الصحة والتغذية والرياضة. إنه كتاب جدير بالقراءة. ويقع في 316 صفحة من القطع الكبير.
تأملات شعرية:
هو الشعب، كان فراغاً ينام على جوعهِ
ويصلي لجلادهِ،
بيد أن الفراغ الذي كان
صار امتلاءً
وعاد له صوته والكيانْ.
فاحذروه إذا ما اشتوى
غضباً
وأجاد اقتراف المعاصي
وأشعل نيرانه في جذور المكانْ.
*( يومية الثورة)