Home Articles Orbits عن حاجتنا إلى الاختلاف الخلاّق
عن حاجتنا إلى الاختلاف الخلاّق
د. عبدالعزيز المقالح
د. عبدالعزيز المقالح

تكشف أوضاعنا العربية المتردية الآن أن حاجتنا إلى التضامن لا تقل عن حاجتنا إلى الاختلاف في مستواه الموضوعي القائم على الرؤية الإيجابية إزاء جميع الأحداث الجارية في الداخل العربي وتلك التي تجرى حولنا وما تتطلبه من مواقف واضحة تمكِّن لنا من الوئام والمحافظة على مقومات التعايش والشعور المشترك.

ولم يعد هناك أدنى شك في أن الخلافات، وليس الاختلاف قد صنعت كل هذا الركام المخيف من التناقضات والمفارقات في حياتنا الراهنة. وهي أي الخلافات مسؤولة عن إنهاك جسد الأمة وتبديد طاقاتها المادية والمعنوية. في حين أن الاختلاف والاختلاف الموضوعي يسعى دائماً إلى خلق مساحة واسعة للحوار وعرض وجهات النظر والاستفادة من كل رأي مخالف إن كان صائباًليساعدنا على تحديد معالم الموضوع المختلف عليه واختيار الموقف الأنسب والأفضل لإنجاحه.

ولعل التفرد في الرأي وتغييب الرأي الآخر هو ما أوصل شعوب العالم الثالث إلى ما وصلت إليه من تطاحن واحتراب. ومن هنا تأتي مهمة الرأي الآخر، الرأي الناقد المختلف لينبه إلى مواضع الخلل ويناقش بوضوح كل ما لا يخضع للمنطق ولا يتساوق مع ما تقتضيه المصلحة العامة وحاجة الشعوب والمجتمعات إلى إصلاحات سياسية واجتماعية فضلاً عن أهمية التطوير المتواصل في البنى الثقافية بوصفها أداة التحريك العقلي والأخلاقي. لقد مر على العرب حينٌ من الدهر كانوا خلاله يخافون من الرأي الآخر، وكان ذلك الخوف غير المبرر سبباً في التمكين للرأي الواحد من السيطرة ومنح القوى المتحكمة النافذة الفرصة لتكريس فكرها ودحر كل فكرة وليدة تسعى إلى نشر مفاهيم الحرية والعدالة الاجتماعية.

وكان من نتائج ذلك التحكم توسيع دائرة الاستياء وإشاعة التذمر وفتح الباب واسعاً للاستيلاء على السلطة بالقوة وما يتبع ذلك من الوقوف في وجه كل محاولة جادة لبناء النظام الرشيد العادل.

إن الإشكالية الناتجة عن غياب الاختلاف الموضوعي في الوطن العربي ليست إشكالية تاريخية كما يذهب إلى ذلك أكثر من كاتب عربي وإنما هي إشكالية معاصرة، تخصنا نحن أبناء هذه المرحلة من الزمن.

ويمكن لنا أن نتساءل: ما الذي يمنع الأحزاب والحركات السياسية في هذا الوطن الكبير من أن تقدم النموذج المبني على التضامن والتسامح؟ والإجابة التي يطرحها الواقع لا نحن، إن هذه القوى التي تصف نفسها بالتحديثية كانت منذ وقت مبكر تفتقد لمفهوم التعايش والاختلاف الخلاّق، وهي التي جعلت أبناء هذه الأمة في حيرة من أمرهم ومن أمرها. وصادقٌ هو ذلك المفكر الذي قال: إنَّ الصراع بين الأحزاب أقوى وأشد من صراعها مع الأنظمة الديكتاتورية، وهو ما يفضح القصور في الفكر وضعف الانتماء إلى الواقع وجهل مقوماته. كما أنها أي الأحزاب العربية لم تتخلص من السلبيات الموروثة والمستوردة والمعيقة لنمو المجتمعات فكانت بذلك جزءاً من الماضي لا جزءاً من الحاضر أو المستقبل.

وليس من التنبؤ القول بأن أوضاعنا العربية ستبقى على ما هي عليها حالياً إن لم تزدد سوءاً ما لم تخرج النخب الفكرية والسياسية من بَياتها الطويل وتعيد قراءة الواقع العربي كما هو من الواقع نفسه لا من الكتب والمسلَّمات الفكرية التي فقدت حيويتها ومفهوميتها وأصبحت جزءاً من التاريخ لا جزءاً فاعلاً فيه. ويكفي العرب ما ذهب من حياتهم وهم يساقون إلى الوراء بسياط مختلفة الألوان والأحجام، وأن يبدأوا رحلتهم الجديدة على ضوء من مقاومة الشمولي والأحادي والانتصار للتعدد والتنوع والحق في الاختلاف، والانتظار للحوار الجاد والاختلاف الموضوعي الخلاق وما يصدر عنه من تعددية في الآراء وتنوع في وجهات النظر واختيار الصالح منها للتطبيق.

 

نقلاً عن صحيفة الخليج الإماراتية