Home Articles Orbits بلورة موازين القوى في البحر الأحمر
بلورة موازين القوى في البحر الأحمر
فتحي أبو النصر
فتحي أبو النصر

الصراع الأكثر أهمية وخطورة في المنطقة يتمحور حول أمن البحر الأحمر. منذ فجر التاريخ وصراع القوى العظمى عليه لم يتوقف بل استمر يتكرر بأشكال مختلفة حتى العصر الحديث. إنه حلقة وصل آسيا وأفريقيا وأوروبا..تطل عليه اليمن، السعودية، جيبوتي، إرتريا، السودان، الأردن، مصر، وإسرائيل. هناك وجود عسكري مكثف في هذا الممر الاستراتيجي الذي ينبئ بثروات مختلفة كما بمخاطر محتملة كالتهريب والارهاب والقرصنة.

على أن السعودية ومصر وإسرائيل أقوى الدول المطلة عليه من الناحية العسكرية.

وطبعاً، فمن مصلحة إسرائيل أن يكون لها نفوذا متصاعدا في البحر الأحمر وهذا ماتفعله منذ عقود. أما البحريات الأمريكية والفرنسية والبريطانية فهي متواجدة بقوة أيضاً.

وللبحر الأحمر معادلاته الحاسمة في الأمن الاقليمي والدولي كما في التجارة الدولية تحديدا.

وبالتالي فإن تدويل أمن منطقة البحر الأحمر حقيقة ماثلة بين مضيق باب المندب وقناة السويس، ولو لم يتم الإعلان الصريح عنها.

 بالمقابل هناك مخاوف تسري في أوصال عدة دول عربية مطلة عليه خصوصا في حالة تضارب المصالح مع الأطراف الدولية أو تغير مراكز القوى.

والشاهد أن التهديد الأكبر كاد أن يأتي عبر عمليات القرصنة التي كانت قد ظهرت وتزايدت قبل أعوام ثم تضاءلت وخفتت ومنبعها السفن المنطلقة من السواحل الصومالية التي لا ترضخ للقوانين، فيما شملت تلك التهديدات أمن العالم أجمع وتجارته واستقراره.

وجراء ذلك كان أن تكرست أساطيل الدول الكبرى والإقليمية تحت دعاوى مكافحة أعمال القرصنة وتحت مظلة وشرعية الأمم المتحدة وفي إطار القانون الدولي.

إلا أن عدم وجود سلام في الصومال وحكومة قوية سيظل السبب الرئيسي لتأجج تلك التداعيات التي من المحتمل أن تتجدد في أي لحظة.

أما إيران فيهمها استنزاف عدة دول في منطقة البحر الأحمر من خلال إيجاد موضع قدم لها عبر دول صديقة في المنطقة ذاتها .

ومن دون شك فإن عدم استقرار اليمن في المستقبل سيؤدي الى اضطراب منطقة البحر الأحمر برمتها بالمقابل .

وللتذكير كانت إسرائيل اقترحت أكثر من مرة بتدويل مياه البحر الأحمر وقوبل الأمر برفض عربي.

لكن الأغرب في هذا كله هو اتفاق الأجندة الإيرانية والإسرائيلية على اقتسام النفوذ والعمل بكثافة في دول وشواطئ منطقة القرن الأفريقي خصوصاً إرتريا.

كذلك علينا عدم إسقاط أهمية التواجد التركي وانتشاره اقتصاديا في الصومال مؤخرا.

وبالمحصلة، فإن ما أثير بين مصر والسعودية بشأن جزيرتا صنافير وتيران يأتي كجزء محوري ومستقبلي في صراع البحر الأحمر بالنسبة لبلورة موازين القوى بين اللاعبين الإقليميين والدوليين.

حتى أنه من الممكن توقع حدوث عملية عسكرية بحرية مشتركة سعودية ومصرية مثلاً ضد جزر دولة صارت أكثر اقلاقاً لهما كونها تفاقم عبثها بأمن البحر الأحمر إلى حد الاستفزاز.. لكنها ليست إسرائيل بالتأكيد.!

وبإختصار يمكن الخلوص في السياق إلى أن القوى التي ستنجح في تفعيل استشعارات ادراك خطورة اللحظة ومتطلباتها آخذة زمام المبادرة والمواجهة بكامل التبعات هي فقط التي ستحمي أمن البحر الأحمر من الانهيار ما بالكم ونحن في خضم مرحلة مآزقية نشهد فيها تفكيكا ممنهجا للمنطقة بأكملها ولا تحتمل المزيد من الحسابات المترددة والمتراخية فضلا عن تلك الحسابات الواهمة أو التي بلاخيال.