Home Articles Orbits من مآثر الرئيس الانسان إبراهيم الحمدي
من مآثر الرئيس الانسان إبراهيم الحمدي
سليمان السقاف
سليمان السقاف

-صاحب مأرب يروي قصته بحُرقة: إبراهيم كان أبي.

الوحدوي نت

هناك.. أمام بوابة جامعة صنعاء توقفت تلك السيارة الفولكسويجن قبالة طالبين لا يبدو عليهما شيئاً من التأنق، وكانا خرجا لتوهما من بوابة الجامعة، و........، ولكن.... المعذرة، فقد رأيت أن ندع الطالبين (أو أحدهما) يرويا بنفسيهما لنا ما حدث بالضبط، ولنستمع معاً للحوار كما ورد (بصيغة المتكلم أو المتكلمين) .

....... وبعد أن توقفت أمامنا أطلَّ منها سائقها يسألنا

: "على وين يا شباب؟ نوصلكم؟ اركبوا " ..

قلنا. : "أنت تبي حق المشوار، واحنا ما عندنا شي ندفع".

قال لنا : " لو سكنكم على طريقي ما أريد منكم شي، وين ساكنين؟".

قلنا: " قريب من باب اليمن".

رد علينا برزانة : "حظكم كويس، نفس الطريق اللي بامر فيها".

صعدنا، وتحركت السيارة، وشرع السائق يغير بدَّال السرعة هنا وهناك، ثم استأنف حديثه معنا.

: "من وين الشباب؟"

قلنا : " من مأرب" .

فرد علينا ببشاشة : " والله والنعم بمأرب واهلها، وكيف الدراسة معكم ؟" ..

قلنا : "ماشي الحال".

إلتفت إلينا ليستعرض وجهينا بلمحة سريعة وهو يكلمنا بجِدِّيَة : "شوفوا ياشباب ... إذا تحتاجوا شي أو في سوء معاملة قولوا، أنا أعرف مدير الجامعة، والرجل صديقي الروح بالروح، وما يرد لي أي طلب، أنا وهو جيران، وبصراحة أحب الشباب اللي يكافحوا على شأن يكملوا تعليمهم".

ثم أضاف ووجهه يشرق بابتسامة : " أقول لكم شي وما تضحكوا عليَّ ؟"

قلنا بصوت واحد : "قول" (قُلْ)..

فمضى وكأنه حقاً كان ينتظر سماحنا له بالكلام قائلاً : "بصراحة نفسي أشوف كل الماربيين يحملوا القلم مثلكم بدل البندقية، أصلاً عندي عقدة من البنادق لو واحد قَلَبْ بندقه أمامي يغمى علي" ..

وبعفوية لامحدودة ضحكنا عليه طبعا، (ونحن نفكر ببساطة هذا الرجل؛ ونتذكر كيف أن الواحد منا في مأرب يتأقلم مع السلاح قبل أن يعرف شيئاً عن منتج اسمه القلم)، وهنا وصلنا إلى قريب من السكن، فأشرنا له : "وقف عندك".. (قِفْ).

قال : "وين ساكنين ؟ "..

قلنا : "هنا... قريب "..

رد علينا بمرح وكأنه صديق قديم وجدنا فجأة أمامه بعد دهر من الفراق : "والله ﻻزم أوصلكم للباب احنا قبايل مثلكم يا رجال مأرب، وانتو ضيوف عندنا" ..

قلنا ونحن نشير للمدخل :"تسلم والنعم فيك .. لُف من هنا"، وقبل أن نصل للبيت، قلنا: "وصلنا .. مشكووور".

أوقف الرجل سيارته جانباً، وكتب لنا رقم تلفون، قائلاً لنا

: "لو احتجتم ﻷي مساعدة هذا رقم مدير التعليم اتصلوا عليه، وحددوا له حاجتكم، وهو ما يقصر معكم، صدقوني هذا الرجل بيعتبر كل الطلاب عياله" ..

أخذنا القصاصة التي دوَّن عليها الرقم ثم ترجلنا، وكان صاحب البيت -المؤجر- واقف بالباب ينظر إلينا أو للسيارة بتركيز شديد، وهو فاغر فاه (فاتح فمه) وكأنه يقف أمام طبيب أسنان، اقتربنا منه وألقينا عليه التحية :" السلام عليكم ياعم مرعي".

لكن العم مرعي لازال مشدوداً نحو السيارة ولم يسمعنا أو يلحظ تلويحنا له بالتحية مراراً، فدخلنا ونحن نتضاحك عليه، ونهمس لبعضنا : "العم مرعي ساااارح يعلم الله بأي فلك يسبح".

غابت السيارة وصاحبها عن اﻷنظار، وهنا يبدو أنه فطن لانصرافنا، فأخذ يصرخ وهو يلوح لنا بيده : " يييييييه .. وقفوووا.".

ومضى يهرول خلفنا، وهو مستمر بالصراخ، (وكأنه يريد تحذيرنا من لغم مغروس بالسلالم أو عبوة ناسفة داخل السكن)، فتوقفنا.

فأدركنا يلهث وبدأ يهتف بانفعال : "كيف وصلتم لا عنده؟ من متى وأنتم متعارفين؟ ليش ماقلتوا لي أنكم تعرفوه؟".

لكزت زميلي بمرفقي وأنا أقول له ساخراً : "قلت لك الرجال أكيد اليوم ما هو بِحِسُّه (غير واعٍ)" ..

لكنه لم يتوقف، (كان فاتح السريع مثل الكلاشنكوف، واستمر يصب علينا وابلاً من الاسئلة، ويمكن القول أنها كانت أكثر من نموذج أسئلة اختبار الثانوية العامة بقليل، كل هذا ونحن لم نجد سبباً واحداً يجعل صاحبنا المؤجر الطيب يتحول بلمح البصر إلى محقق أو وكيل نيابة، وكان كل ما فهمناه منه أنه يسأل عن صاحب السيارة، لكن لم يكن ثمة سبيل لايقافه) ..

صرخنا فيه بغضب : "إهدأ يا عم ..... مالك؟ " ويبدو أننا نجحنا، لذا فقد سارعنا إلى ايضاح موقفنا بعجلة قبل أن تتجدد موجة الأسئلة قائلين

: "والله أول مرة نشوفه ولا بيننا معرفة سابقة ولا شي، الرجال شكله ابن حلال وقف لنا ووصلنا لا هنا وﻻ أخذ مننا ربع ريال، ليش ياعم أنت تعرفه؟".

فتدلى فكه ببلاهة وبدا أنه لم يصدق حرفاً واحداً من كلامنا ليقول : "هااااه... أمانة عليكم ماتعرفووووه ؟"

أقسمنا له أننا لا نعرفه، وهنا كان قد تمكن من أن يصدر إلينا نزراً من قلقه، فسألناه : من هو هذا ؟ خوفتنا ياعم مرعي ..

رجع يسألنا : متأكدين ؟

أومانا له برؤوسنا بنفاذ صبر أننا متأكدون وواثقون أننا لم نره قبل اليوم.

: "هذا ابراهيم الحمدي .. اللي ركبتم معاه .. هو الرئيس" .. قالها بلهجة أستاذ أعياه غباء تلامذته.

فهتفنا بمزيج من الذهول والاستغراب : "أيش تقووول؟"

: "الحمدي؟ معقولة؟"

فرد علينا بثقة لا لبس فيها : "أيوه الرئيس ابراهيم الحمدي الذي وصلكم اﻻن للباب" .

قلنا له (ونحن نشعر أنه دلق على وجهينا ليترات إضافية من الدهشة) : "الآن أنت تتكلم جد وإﻻ تمزح، وإﻻ .... شارب شي يا عم مرعي .. ؟!!!! ".

فأجابنا بحماسة : "والله إن الذي وصلكم اﻵن هو الرئيس نفسه.. لما شفتكم نازلين من سيارته طننت (صُعقت)" ...

(حقيقة كانت المعلومة صادمة لهما، وكان ذكر العم مرعي لاسم ابراهيم الحمدي في هذا الموقف بالذات أشبه بساحرٍ ألقى عليهما إحدى تعويذاته، فقد شوهدا يحدقا في الفراغ وكأنهما واقعان تحت تأثير تنويم مغناطيسي)، على الأقل كان هذا حال محدثنا لحظتها، غير أن زميله أمسك بيده وشده بقوة خارجاً نحو الشارع، وهو يقول : " تعال نتأكد"، وخرج معه دون أن يدرك بعد كيف بمقدورهما التأكد، ومشى معه (وهو يتعثر بأفكاره الغريبة، متسائلاً هل يعقل أن يكون الرئيس حقاً، فحتى لو أطلق العنان لخياله فالأمر يفوق خيالاته نفسها)، ثم يستكمل آخر فصول شهادته.

ووجدتني وزميلي أمام الكشك (في باب اليمن)، ورأيته يطلب صورة للرئيس، وفور أن شاهدنا الصورة انهمرت الدموع من أعيننا بلا استئذان، فقد كانت صورة الرجل نفسه، ولم يكن العم مرعي واهما أبداًً كما تصورنا، ثم اشترينا تلك الصورة، وبدأنا نغمرها بقبلاتنا مرات ومرات، وعدنا لسكننا مبتهجان وكأننا قد امتلكنا هذه الدنيا بما فيها، أو كأننا صرنا ملوكاً على كل من عليها ..

بعدها اكتشفا أيضاً أن رقم الهاتف إياه لا يخص مدير التعليم أو أي مسؤول في الوزارة برمتها، وإنما هو رقم هاتف مكتب الرئيس نفسه، الرقم السحري الذي يفتح كل الشفرات المستعصية في حياتهما، وهنا فهما أن الرجل الذي أخبرهما عنه أنه يعتبر كل الطلاب -اليمنيين- بمثابة أولاده لم يكن غير ابراهيم ذاته، وباختصار لقد كان الانسان ابراهيم الحمدي شخصياً يحدثهما عن والدهما -بابا ابراهيم- الذي يحمل صفة رئيس الجمهورية ويُدعى المقدم ابراهيم محمد الحمدي ...

[ انتهت ]

- هذه الواقعة بتفاصيلها كما سمعها الأخ محمد علي سعيد الفخري (وهو الموثوق لدي شخصياً) نقلاً عن نجل عم أحد الطالبين، حين شاهد صورة الرئيس الشهيد في المحل، والأخ الفخري هو خياط من إب يعمل في مأرب منذ سنوات طويلة؛، وبدأ يروي له الحادثة كما سمعها من مصدرها وبكل دقة ...

- سوف أكون شاكرا لمن لديه أي معلومة تثري هذه الواقعة.

- كالعادة: فإن كل الحوارات -بلا استثناء- التي دارت أعلاه بين شخوص الواقعة جميعاً [وضعت داخل تنصيص "..."] نقلت نصاً وروحاً كما هي وكما وردت بالضبط.