Home Articles Orbits الصراع بين وعي الداخل والخارج
الصراع بين وعي الداخل والخارج
فتحي أبو النصر
فتحي أبو النصر

كأن كل شيء فقد جدواه في هذه البلاد، ليس الحوار الذي لا يفضي إلى السلام فقط، وإنما إستمرار الحرب أيضا. رغم ذلك يتلذذ كل طرف، وهو يلحق الأذى بالشعب على اعتباره الطرف الآخر.

يستخفون بالدم اليمني، وهنالك مصلحة لكل تجار الحرب في استمرارها، لكن مهما استمرت الحرب وشرورها وأوهامها، لا تستطيع أي قوى اجتثاث قوى أخرى بالحرب، وبالتالي فمن غير المعقول أن يكون السلام على حساب أي قوى أيضا بحسب ما يسوقه تجار الحرب الذين لا يكرهون شيئا مثل التحول للسلام العادل وتحمل تبعاته. هؤلاء أكثر من يستخفون ويزايدون بالوحدة الوطنية، وفي الوقت نفسه يبنون مشاريعهم ضدها أصلا.

وفي الحقيقة لا شيء يتجدد في هذه البلاد سوى ضغائنهم اللاوطنية فقط.. ضغائنهم التي لا يهمها على الإطلاق إنقاذ المجتمع والدولة، وإنما على العكس تماما.

لكن المشكلة الرئيسية تكمن في أن الأطراف الداخلية المتصارعة، معولة على الأطراف الخارجية ذات المصالح المتضاربة في ابدال وتشكيل موازين القوى لصالحها، فيما هؤلاء -وغالبيتهم بنظرة براغماتية بحتة- يدركون أن صعوبة حسم الصراع لصالح طرف معين هو ما يقود إلى ضرورة إنهاك أدوات الصراع الداخلية نفسها، ولذا لا يهمهم بالمقابل ما يترتب على اليمنيين جراء استمرار اليمن كساحة حرب مفتوحة -خصوصا إذا واصلت الأطراف الداخلية نفس مستوى الأنانية والجشاعة، متصلبة ومتاجرة بالحرب بلا مشروع وطني جامع، وهو ما يعني رفضها للمراجعات المؤدية لأن تتنازل لبعضها أفضل بكثير من ارتهانها للخارج-وهكذا للأسف: يستمر الإستنزاف للجميع، في حين تبقى البلاد معلقة إلى هاوية فقط، إلى أن يتم الاتفاق طبعا، فيما بين أطراف الخارج على شكل وكيفية إدارة مصالحها الكبرى والاستراتيجية في البلاد، ومن ثم منح وكلائهم الداخليين الفتات وفق شراكة في سلطة دولة منهارة ومجتمع مفكك، غير آبهين طبعا بالثمن الفادح الذي دفعته اليمن بسبب هذا الصراع المدمر والمأساوي.. أما أخطر ما في عدم إتفاق الأطراف الخارجية- خصوصا في ظل وجود أطراف خارجية بنظرة طائفية متعصبة - فيتمثل في ظهور أطراف داخلية أكثر وحشية من وحشية الأطراف الداخلية المضادة، ما يعني استمرار الصراع أيضا بين السلطة القادمة وهذه الأطراف التي معظمها كونتها الحرب وتكرست كنتيجة عكسية لتصالح الأطراف الرئيسية.. وهكذا.!

وأما في حال تنصل هذه الأطراف عن التزاماتها للأطراف الخارجية، فمن البديهي أن يتم إستخدام تلك الأطراف الجديدة ضدها.

لكن مع الأخذ في الإعتبار حدوث ضغوطات متزايدة على الجميع- وبالذات جراء طول الصراع وانحرافه عن المقاصد المرسومة سلفا أو ارتفاع كلفته أو تبدل أولويات المصالح الخارجية - لابد أن نشهد تحولات حادة في حسابات وتحالفات هذه الأطراف، ثم سرعان ما تتشكل اتجاهات أخرى للصراع، أو أن يتم ترجيح كفة طرف على الجميع.!

وأما مع تفضيل كل الأطراف الداخلية تغليب الإطار الخارجي للتدخل والضغط والحل، على الإطار الوطني، الذي ساهم الجميع في تهشيمه أصلا، وبالذات من لا يفهمون سوى لغة السلاح: من الطبيعي أن تتفاقم للأسف حالة تطبيع زوال الثقة فيما بين الجميع بلا إستثناء، ولا يستفيد من ذلك سوى الأطراف الخارجية.

وفيما إذا كان من الطبيعي أن يتدخل الخارج لحماية مصالحه في أي زمان ومكان، كما يحدث غالبا في كل التحولات الكبرى في تاريخ الشعوب، يبقى الأهم داخليا العمل الجاد- وبشتى الطرق- لاستيعاب وتأجيج الجذر الإجتماعي للصراع، والجذر الديمقراطي والجذر الإقتصادي،  فهذا هو- لاغيره- هو الذي سيصب لصالح اليمن مستقبلا كما سيحرر اليمنيين ولو ببطء.

المعنى أنه يتوجب على قوى المشروع الوطني انهاض هذا البعد للصراع بشكل عاجل، وفي نفس الوقت إدانة البعد الطائفي الذي يراد تكريسه، و لا ينعكس إيجابيا على مستقبل المجتمعات.. والعراق أنموذجا.

ثم إن المعركة حين تكون داخليا بهذا الوعي المفترض تراكمه أيضا، فإنها ستحفز وتجذر كيانية ويقينية اليمن، كما ستؤسس بالمقابل لخلق مصدات معتبرة ضد الوعي التجريفي الاستلابي بشتى تفرعاته وتصنيفاته الداخلية والخارجية.

وأما الذين لا يمتلكون سوى مشروع طائفي على أمل أن يقابله المشروع الطائفي المضاد، فهم ذاتهم تاريخيا الذين لايرتقون بالصراع، فضلا عن انحدارهم بأحلام الشعب فقط واهانة جذوة القيم الوطنية الجامعة جراء إحلال تشوهات القيم ما قبل الوطنية وترسيخ أحلام الجماعات الانعزالية بالمحصلة.!

والخلاصة أن كل يمني ليست غايته من الصراع دولة مواطنة وتحديث وتمدن ومؤسساتية وشراكة وسلام وإنتاج وحريات وحقوق وواجبات متساوية- بما يعني لافساد ولا افقار ولا تمييز ولا إرهاب ولا غلبة ولا عشائرية ولا فوضى ولا انحطاط ولا سلاح خارج القانون: سيصب فقط في صالح مراكز النفوذ والهيمنة الاستغلالية داخليا وخارجيا.!

عموما لعل أبلغ صرخة وأنبل وعي ضد حروب مشروع الشرق الأوسط الكبير ، هو ما احتوته قصيدة متهكمة وعميقة ومثخنة بالحزن والأسى للشاعر الأمريكي، بوب أكرمان، كانت قد نالت شهرة عولمية فائقة منذ الحرب على العراق، وما زالت كأيقونة إنسانية خالدة:

"الحرب جيدة لرفع معدلات المشاهدين

شبكات التلفزة تريد حربا

المشاهدون مشدودون والسلع تباع

الحرب فاتنة

انها العرض الحقيقي المفضل للأميركيين

شبكات التلفزة تريد حربا

وأولئك الليبراليون المهرجون يتشاورون مع سماسرتهم

ستنتعش حساباتهم البنكية أكثر إذا ما شرعت شبكات التلفزة في الحرب

الحرب مُسكِرة

وشبكات التلفزة ستصبح أغنى ويفيض الريع

انها العرض الحقيقي المفضل للأميركيين".!