Home Articles Orbits الحمدي.. ذكريات من الزمن الجميل
الحمدي.. ذكريات من الزمن الجميل
علي عبدالملك الشيباني
علي عبدالملك الشيباني

قرأت ما سطره الاخ والكاتب الجميل "سليمان السقاف" عن المهندس والديبلوماسي عبد الرحمن محمد الحمدي , بخصوص ما سربته بعض وسائل الاعلام من أروقة لقاء كيري بالوفد الحوثي في مسقط  والقاضي في جزء منه باختيار الحمدي رئيسا توافقيا للوزراء.

هل يعلم صديقي السقاف انه وبمقالته نقلني الى ذكريات مضى عليها 41 عاما , وتحديدا العامين 75 - 76 م وما ارتبط بها مما ظل عالقا في ذاكرتي ابرزها زمالتي الدراسية بطيب الذكر الاخ عبد الرحمن الحمدي.

حينها كان عمري 15 عاما وطالبا في الصف الاول اعدادي بمدرسة بغداد الواقعة في شارع الزبيري والذي كان ينتهي وقتها عند جولة حدة, ومن ثم طريق ترابي الى المدرسة كنت اصلها متسلقا على سيارة نوع " راندروفر " تعود ملكيتها لمخبز " سنجم " الواقع في شارع السلام عند قيامهم صباحا بتوزيع الروتي على المطاعم والبقالات.

لم يكن يحيط بالمدرسة سوى المزارع وصوت " البومبات" , فلم يكن هناك بعد عالم الحي السياسي وعصر وهائل وغيرها من الاحياء الواقعة في نطاقها الجغرافي, سوى المدينة الصناعية المشيدة من هناجر حديدية وتقع حاليا خلف وزارة الشباب, لدرجة اننا كنا نقضي فترة الراحة في مطاردة وقتل " العرادن " نتيجة الفراغ عدا المساكن المتباعدة للمزارعين.

اعاني من ضعف شديد في الذاكرة , بحيث لم يعد عالق فيها سوى القليل من الذكريات المرتبطة بتلك المرحلة يأتي في مقدمتها كما اشرت زمالتي بالأخ العزيز المهندس عبد الرحمن محمد الحمدي في الصفين الاول والثاني من المرحلة الاعدادية.

اتذكره شابا وسيما ومتواضعا لا تفارق وجهه الابتسامة, ويشبه الى حد كبير شقيقه الرئيس ابراهيم الحمدي.

كان يحضر وحيدا الى المدرسة على ظهر دراجته النارية ذات اللون الاحمر ( 70) , يركنها خارج حوش المدرسة ليحضر الطابور الصباحي ثم يصعد ضمن طابور منتظم الى فصله الدراسي كأي طالب لتلقي دروس اليوم , واسماع واجباته المنزلية ويعاقب على اي تقصير في تحضيرها , ليحصل في نهاية العام الدراسي على الدرجات والتقدير العام الذي يستحقه  , اذ لم يكن يذكرنا والمدرسين بعلاقته الاسرية بالرئيس سوى شكله ولقبه العائلي.

لا غرابة في الامر فقد عرف عن الرئيس الحمدي نفسه تنقلاته وزياراته بما في ذلك زياراته التفتيشية الليلية لأقسام الشرطة وحيدا على ظهر سيارته الشهيرة "الفولكسواجن ".

لن تكون ذاكرتي بالطبع ضعيفة الى الحد الذي ينسيني ما ارتبط بأهم مراحل حياتي التي عشتها في باب اليمن. حيث كان والدي يتشارك مع احدهم محلا صغيرا لبيع الفول ملاصقا لمبنى مكتب النقل البري من الجهة الغربية , يليه مطعم فول اخر عرف لاحقا بمطعم " الدب " , اما من الجهة الشمالية فيلاصقه مطعم عمي "احمد علي" ويعتبر ثاني اقدم مطعمين في صنعاء الى جانب مطعم فلسطين الواقع بشارع التحرير. يليه مباشرة مبنى متعدد الادوار مازال قائما حتى اليوم تعود ملكيته ل " البهلولي " كان ابنه احد زملاء الدراسة , وحيث كنا نلتقي والاخ عبد الرحمن معظم ايام الاسبوع للمذاكرة الجماعية , بعدها يقع مخبز عمي " قاسم القدسي" شقيق والد الاستاذ والصحفي القدير " عبد الرحمن بجاش " والذي تمتد معرفتي به الى تلك الفترة من العمر وما قبلها حينها كان يعيش عند عمه ويدرس في المرحلة الثانوية , ولا انسى انه كان يساعدني بشرح مادة الحساب في المرحلة الابتدائية.

كعادته كان يصل على ظهر دراجته النارية وقد اشتهر بها على مستوى العاصمة, وفي الساعة الخامسة تحديدا كان يغادر المكان محاطا بنظرات وابتسامات المتواجدين من كان بعضهم يجلس هناك انتظارا لحين خروجه.

غالبا كنت اتعمد وداعه الى موقع دراجته النارية وانا اتلفت بتباه لا يضاهى يمينا ويسارا مستعرضا امام ابنا قريتي من العمال والجيران والعابرين معرفتي وعلاقتي بأخ الرئيس الحمدي( صدقوني لا ابالغ فانا اتحدث هنا عن عبد الرحمن الحمدي ولا اتحدث عن محمد صالح الاحمر .... لا تخلطوا ).

سنتان ثم غادرت الى الحديدة لإكمال ثالث اعدادي , هناك حيث استقبلت أسوة بكل اليمنيين أسوأ خبر واحط نبأ تمثل باغتيال الشهيد الرئيس ابراهيم الحمدي وعلى ذلكم النحو القذر الذي لا يليق سوى بمن تجرأوا على ارتكاب تلك الجريمة البشعة واللا اخلاقية , واغتيال حلم شعب بأكمله كان يمكن له ان يعيش على نحو مغاير تماما لما يعيشه منذ العام 77 م وحتى اليوم من سياسات الفساد والقهر والفقر والحروب والمشاريع الصغيرة وغياب الدولة عموما.

مرت سنوات طويله قبل ان التقي به مرة اخرى قبل عامين حين تجمعنا وذهبنا لوضع اكاليل الزهور في الذكرى السنوية لاغتيال الرئيس ابراهيم الحمدي واخيه عبد الله , ومن ثم في عرس ابن الشهيد القائد " عبد الله الرازقي" احد شهداء 15 اكتوبر 78 م , حيث وجدته مازال محتفظا ببساطته وابتسامته وخلقه المعهود.

وبالعودة الى تسريب خبر اقتراح اسمه رئيسا توافقيا للوزراء , اضم صوتي الى جانب صوت الاخ سليمان السقاف متسائلا : ترى هل اليمنيين على موعد مع أمل "حمدي " جديد , خاصة والرجل ينتمي لتجربة وطنية كبيرة ومدرسة اخلاقية وانسانية ومدنية نفتقدها كثير؟!!