Home Articles Orbits هذيان آخر العام!
هذيان آخر العام!
علي الظفيري
علي الظفيري

ليس علينا التفكير بالخروج من هذا السجن العربي الكبير، الأفضل هو محاولة التحسين من شروط البقاء فيه!

ليس لدي أدنى شك بوجود أجهزة عربية متخصصة في الأمنيات، وهي منتشرة في كل بلد عربي، تُحصي أمنياتنا أمنيةً أمنية، وترفع تقريراً بها لأجهزة أعلى، مهمتها الوحيدة، إجهاضها بشكل عاجل!

قيل إن نصف المعونة الأميركية لمصر والأردن يذهب لجهاز إحصاء الأمنيات في البلدين، ونظرا لبعض الصعوبات، هناك أفكار بزيادة معقولة في المعونة السنوية، تتواءم وتفشّي الأمنيات لدى المواطنين بشكل غريب ولافت في السنوات الأخيرة!

في السعودية، هناك أمنيتان تلقيان رواجا كبيرا هذه الأيام، أن يؤمن بعض المتدينين بإسلام المجتمع، وأن يُسمح لنا مرة أخرى بانتخاب نصف المجلس البلدي، ليس لقيمة المجلس وأهميته وفاعليته ودوره التنموي وصلاحياته الفريدة، لكن لأن البعض منا لم يذق طعم التصويت والاختيار في المرة الماضية!

القارئ العربي يتمنى أيضاً، وإذا أعجبه مقال لكاتب ما، تمنى له أن يُزجّ به في السجن بأقرب فرصة مواتية، عبر مقترحات يبعثها له برسالة لا تكلفه سوى دقيقة واحدة. في الأسابيع الماضية، تلقيت بعض المقترحات الطريفة، معظمها تودي بالإنسان سريعا إلى حبل المشنقة، أحيانا، ومن الحب ما قتل!

 

دعونا نتفق على أمر، إن أسهل ما يقوم المرء به في عالمنا العربي، هو الشتم الجماعي، قلْ كل شيء: الأنظمة العربية دكتاتورية وجائرة وغير شرعية ولا تستحي على وجهها، وسيبتسم المشتومون جميعا إذا قرؤوا كلامك هذا، الشتيمة الجماعية رحمة كبيرة، لنا ولهم أيضا!

 

هناك أماني رجعية، بمعنى الرجوع وليس التخلف، في الكويت مثلا، لا يتمنى المرء سوى أن تعود الأمور لما كانت عليه قبل ثلاثين عاما!، أما في السودان، فيتمنى الناس لو أن الله أنقذهم من حكم الإنقاذ، ولو كان سبتمبر في ليبيا بلا فاتح أبدا، فليس بالضرورة أن تتطلع الأمنيات العربية إلى المستقبل، في كثير من الدول العربية، الأوضاع قبل عقود أفضل بمراحل مما هي عليه الآن!

 

أموالنا والأسلحة الأميركية، حققت أمنيات النظام الحاكم في اليمن بالبقاء، المشهد في اليمن على النحو التالي، قصر رئاسي يتربع على جبل من الخراب، وتحت الخراب أمنيات كثيرة، جنوبية وشمالية ووطنية وحوثية وإنسانية، بابا نويل في البيت الأبيض قال: العام الجديد لا يحتمل سوى أمنية يمنية واحدة، صنعاء حجزت بطاقتها باكرا!

هناك أمنيات تتحقق بشكل معاكس، كنا نتمنى أن يُحسن الإعلام من أداء السياسة، لكن السياسة لوثت من فكرة الإعلام وعمل الإعلاميين، هناك إعلاميون -في الخليج- يرتدون البشت أكثر مما يفعل الشيوخ، ويتواجدون في القصور أكثر من زوجات أصحابها!

أسعار بعض الإعلاميين في العالم العربي تتراوح بين دعوة عشاء ودعوة سفر، لم يقل لنا هؤلاء إنهم مشروع سياحي، كنا بحثنا لهم عن خيارات أفضل، وكنا وفّرنا على أنفسنا هذا الابتذال الباهظ الثمن، أدعو الجمعيات الخيرية للتدخل وبقوة، وأن تحمي ضعاف النفوس، وتحمينا، من نفوسهم الضعيفة.

الأمنيات التي تدفع الإنسان للظهور، هي ذاتها التي تدفعه للاختباء، الإطلالة تكشف حجم السجن الذي تحيا فيه، وتحدد لك بوضوح حجم المساحة التي تتحرك بها، كما أنها تكشف لك عن حقيقة مرة، الصورة البشعة لكثير من زملائك في هذا السجن الزاهي!

يحلم الإنسان بوطن حقيقي في المرة الأولى، فينضج بعد ذلك، هذا أكبر من طاقتنا، يبدأ التفكير بمدينة نظيفة، لكنه يضطر للنضج أكثر، يفكر بقطعة أرض في أي مكان، تحتمل فكرة أن تكون مأوى له ولأولاده يوما ما، فيفاجأ بأن الأرض قد تم اقتسامها بين ملاكها، ومُنح البعض الآخر منها لأتباع ملاكها وخدّامهم وإعلامييهم، وبقي تراب متناثر في الأرض الواسعة، قيمة المتر الواحد منه، تعدل كرامة عشرين أسرة، ودخلها لأعوام كثيرة!، الأفضل أن يحجز الإنسان لنفسه أرضا في موقع تويتر، طالما هي بالمجان حتى اللحظة!

 

عن العرب القطرية