Home Articles Orbits سؤال وإشكالية الدولة
سؤال وإشكالية الدولة
فتحي أبو النصر
فتحي أبو النصر

الدولة الوطنية المدنية خلاص اليمنيين.. لا يجب التعويل على من يريدون هندسة المجتمع والدولة طبقاً لأزماتهم الطائفية.. تشبثوا بحلمنا الجمعي اليمني ولا تتركواً مجالاً لذرائع ومبررات المهيجين لتطييف اليمن ودحر الدولة وإبقاء المجتمع تحت رحمة عصبوياتهم الظلامية ذات الأجندات الخارجية غير الجامعة.

كذلك ليس من حق أي جماعة الوصاية على المجتمع بالقوة مابالكم بالدولة أيضاً. ولذلك سنظل نتوق لدولة حقيقية تحمي المجتمع من بعضه، كما تحتكر السلاح ويسودها القانون، وتحمي مؤسساتية الدولة بالمقام الأول.

فالأسوأ هو الخلط بين مفهوم السلطة ومفهوم الدولة، بينما الدولة قيمة ثابتة، والسلطة قيمة متحركة. أما كل جماعة تصر فقط على ممارسة الوصاية القهرية على الدولة وعلى المجتمع، فهي بالسليقة عدوة لفكرة الدولة ولفكرة المجتمع معا.. عدوة لقيم التعدد والسلام والتعايش والمؤسساتية المصانة قانونيا ودستوريا كما وفق مختلف العقود الإجتماعية والسياسية والإقتصادية المتفق والمتعارف عليها داخل مؤسسات الدولة التي تحقق مصالح كافة مواطنيها وليس مصالح الجماعات المتسلطة طبعاً.

فحتى الديمقراطية بلاشك لا تمنح الحق لأي جماعة بالوصاية القسرية على المجتمع وعلى الدولة في حال صعودها للسلطة ديمقراطيا.. ذلك لأن جوهر الأسلوب الديمقراطي هو الحفاظ على المشتركات الوطنية العليا - في ظل إستمرار التداول السلمي للحكم - وإنفاذ العدالة الإجتماعية، وتكريس شفافية الأداء السلطوي عبر أطره المحددة داخل مؤسسات الدولة، مع تكريس حق الشعب في حرية مراقبة هذا الأداء، وكذا الإحتجاج السياسي والمدني على ما قد يتم من انحرافات إفسادية وإفقارية وشمولية باسم الديمقراطية أيضاً.

لكن تاريخياً كان المذهب لا شيء بدون القبيلة في شمال الشمال.. لذلك حين تتحرر القبيلة من سلطة المشايخ وسلطة السادة، يمكن للجمهورية أن تقيم دولة المؤسسات المدنية والمواطنة المتساوية التي ترفضها طبقتا المشايخ والسادة هناك، والذين غايتهم فقط، تحقق دولة القبيلة أو دولة المذهب- أو دولة القبيلة والمذهب معاً - وبالتالي إفراغ الجمهورية والوحدة من المضامين السياسية والإجتماعية للديمقراطية والعدالة، وكذا عدم تحقق دولة الشعب التي ينشدها السواد الأعظم من الشعب في عموم اليمن، شرقاً وجنوباً ووسطاً وغرباً وشمالاً أيضاً.

أما في السياق نفسه ففي الجنوب ستكون أبين أكثر سعادة جراء التعصب اليافعي الضالعي ضد حضرموت والتعصب المضاد أيضاً. ولقد كان يفترض أن القضية الجنوبية تطرح اليمنيين في محك عميق فاصل لارجعة عنه: إما القبيلة وإما الدولة. لكن التعصب المناطقي أفسد وشوه القضية الجنوبية. ولهذا فإن الذين يريدون فرض الأقاليم بالقوة، هم مثل الذين يريدون فرض الإنفصال بالقوة، ومثل الذين يريدون فرض الوحدة بالقوة، ومثل الذين اجتاحوا صنعاء ثم يريدون فرض سلطتهم على اليمن واليمنيين بالقوة أيضاً.. يتوحدون في إذكاء عصبوياتهم اللاوطنية، فلا يحترمون صناديق الرأي، ويصرون على مساراتهم الاستغلالية الخاطئة، كما يستمرون في رفض السلام والديمقراطية والقانون والعدالة، وبالتالي لا يهمهم جبر ضرر الشعب، بقدر ما يعززون المظالم والإشكاليات المعقدة والمتراكمة التي سببتها انحرافاتهم العنجهية.

من هنا يطرح السؤال اليمني الكبير نفسه.. هل الشعور بالانتماء إلى فكرة الدولة مجرد عاطفة عابرة أو أنها عاطفة وعقل معاً يترسخان كلما عرف الفرد أهمية فكرة الدولة وضرورتها ؟

بالتأكيد نحتاج إلى بناء مجتمع المواطنة والعدل والمدنية والشراكة رافضين أن نكون مواطنين من الدرجة الثانية، وما يهم في المقام الأول من أجل ذلك هو دعم اتجاه المحاسبة والمساءلة والنقد والكشف والشفافية.

ثم لن تتجلى سعادتنا الوطنية إلا عبر تحقق المشروع الوطني.. المشروع الذي بإمكانه وحده أن يجابه كل أصناف الإعاقات وينقذ الدولة والمجتمع من متواليات الانهيارات القيمية الرهيبة جراء تفاقم هشاشة الدولة وخواء المجتمع على كل المستويات.. المشروع الذي يحتاج إلى إرادة وقدرة من أجل استعادة الدولة قبل أي شيء وثقة المجتمع بالدولة التي ستحقق الأمان والديمقراطية والمدنية والمواطنة.

أخشى فقط أن نلف وندور ونجد أنفسنا في ذات مشكلة الاستغلال والصراع وعدم إنفاذ القانون في ظل تغول أو نشوء طبقة هيمنة جديدة كما يقول التاريخ مع كل زوال لطبقة هيمنة قديمة. لكننا تعلمنا من ستيفان بيبو الفيلسوف والمنشق المجري المشهور عن نهج الاستبداد العام 1946م، بأنه في دولة يشملها الخوف وتؤكد أن تقدم الحرية يعرض مصالح الأمة للخطر، ليس في استطاعة المرء أن يستفيد على نحو كامل من المزايا التي تقدمها الديمقراطية.. فأن تكون ديمقراطياً يعني أساساً ألا تكون خائفاً، ألا تخشى أولئك الذين لديهم آراء مختلفة أو يتحدثون بطريقة مختلفة، أو ينتمون إلى أعراق مختلفة، لقد خافت بلدان شرق ووسط أوروبا لأنها لم تطور أنظمة ديمقراطية ناضجة بشكل كامل، ولم تستطع أن تطور أنظمة ديمقراطية ناضجة بشكل كامل لأنها خائفة..!

*نقلا عن المصدر اونلاين