Home Articles Orbits مابعد قابوس
مابعد قابوس
فتحي أبو النصر
فتحي أبو النصر

سلطنة عمان هي الصندوق الأسود الحقيقي لبريطانيا وأمريكا في المنطقة، ومنها يتفكك الخليج أو لا يتفكك.. وقابوس كان الوصي على كل شيء.. شخصية الدولة هي شخصية السلطان.. نظام عجيب، لكنه مكن السلطنة من أن تكون أكثر دولة مستقرة، وذات أمان على مستوى العالم.. وفيما شهدت تقدماً نوعياً وراقياً في غالبية المجالات التنموية والاستثمارية، إلا أنها تحتاج إلى وضع بدائل اقتصادية حثيثة عن النفط والغاز، وكذا إلى إصلاحات سياسية ودستورية شفافة بلا غموض، تؤدي فعلاً إلى التحول من الصلاحيات الإحتكارية في شخص الحاكم، وتقاسم مسؤوليات الحكم بشكل أوسع ومحدد دستورياً..

فبقدر ماكان لسياسة قابوس إيجابياتها، فإن لها سلبياتها أيضاً، وبالذات جراء عدم تفصيله لمحددات واضحة للإنتقال السياسي للسلطة، ولعدم تعيينه نائباً.. أما في حال رحيله، فينتظر الشعب ما سيؤول إليه اجتماع العائلة السلطانية، أو ما ستحدده وصية السلطان، وهي إجراءات محفوفة بالمخاطر، خصوصاً في سياق إقليمي مضطرب ومفعم بالتجاذبات كهذا، عوضاً عن أن قابوس نفسه كان يتفرد بكل المناصب الأعلى، عسكرياً وأمنياً وسياسياً ومالياً، فيما استمر على هذا الوضع أكثر من 45 عاما..

لذلك فإن سلاسة الإنتقال السياسي، هي التي ستنقذ عمان على أصعدة عدة، وحالياً يبدو أقوى المحتملين لخلافة قابوس، إبن عمه، أسعد بن طارق بن تيمور آل سعيد.. وهو ذو نفوذ في الجيش، لكن من سيضمن لخليفة قابوس أن الجيل العماني الشاب سيمنحه نفس السيطرة التي منحها آباؤهم لـ"والد الأمة "كمايصفونه.

ولقد نجت عمان من عدة انتفاضات سياسية واجتماعية في تاريخها الحديث، آخرها احتجاجات 2011 المتوافقة مع أحداث الربيع العربي.. كما أن المجتمع المدني يزداد تكرساً، ويتطلع أفراده إلى مزيد من الحريات والحقوق ومكافحة الفساد، فضلاً عن انحيازهم لتغيير الأسس المحافظة التي قامت عليها الدولة، نحو توسيع صلاحيات جهاز الرقابة المالية والإدارية من ناحية، وإزدهار سياسي ناضج، يعد بنظرهم أفضل بكثير من توسع المظالم السياسية، واستمرار نهج قمع الرأي والتعبير .
على أن التسامح القبلي والمذهبي في عمان، هو الثابت أكثر من غيره.. وأما موقعها الجغرافي حتم عليها اتباع سياسات متوازنة مع إيران، وبقية جيرانها في الخليج، وبالذات السعودية.. وعلى صعيد السياسات وانعكاسها على الشخصية العمانية ذات التاريخ الحضاري، نلاحظ المزج المتسق والملفت بين الحداثة والتقاليد. لكن إضافة إلى النفوذ البريطاني في الجيش، فإن هنالك النفوذ البلوشي والباكستاني.. ويمكن الخلوص عموماً، إلى أن أولوية عمان غير المعلنة، هي تفادي الخطر المحدق للقاعدة من ناحية اليمن، وهي الورقة التي قد تستخدم ضدها ويتم تسريب مقاتلين متطرفين، خصوصاً حال تفاقمت الإرتباكات الأمنية بعد وفاة قابوس مثلاً..كل ذلك مع علم العمانيين بالتطلعات الفارسية في المنطقة ومراميها التطييفية والتطويقية للسعودية خصوصاً..

والمعلوم أن جبهة ظفار كانت أيام الحرب الباردة، محور صراع سوفيتي أمريكي على أجزاء من عمان، فيما شاركت إيران في قمعها، وكانت مدعومة من اليمن الجنوبي الذي كان في الفلك السوفيتي حينها.. لذلك من المرجح أن يلقي الفلك الروسي الإيراني القائم حالياً على مستقبل الحكم في السلطنة، وبالتأكيد يبقى بنظر العمانيين أن الإيرانيين ليسوا بأغبياء، وانهم يدركون أن هناك خطوطاً لا يمكن تجاوزها في علاقات عمان المركزية بأمريكا وبريطانيا.

وإذا كان من الطبيعي أن علاقة عمان بإيران متوطدة لأسباب جيوسياسية وتشاطؤ مشترك إضافة إلى مصالح إقتصادية وأمنية إلا أن هذا ما تعتبره السعودية اختراقاً خليجيا.. وهناك حساسيات سعودية عمانية تضطرم وتتأجج تاريخياً خصوصاً في العلاقة الإيرانية العمانية ومع ما يحدث في اليمن والإتهامات الأخيرة بتهريب السلاح للحوثيين. السعوديون غاضبون عموماً. العمانيون هادئون بالمقابل وبوعي براجماتي كما يشعرون أنه ليس من حق السعودية تحديد مصالحهم.
العمانيون يرون أنهم بوابة سلام وينكرون تلك الاتهامات التلفيقية.. كذلك المذهب الإباضي يتحكم في وعيهم ويحدد شخصيتهم التي خارج التحيزات إذ يتقاطع مع الوهابية والاثناعشرية ويتسم بالرجاحة في الصراع السياسي المعروف بين السنة و الشيعة ولذلك تجد تشنيعات المتطرفين من الجانبين ضده مهولة جداً.
المهم: هل ستنفرط الأمور في خليج على صفيح ساخن إلى مواجهة خليجية خليجية.. بمعنى هل ستتم يوماً ما مواجهة سعودية ايرانية في سلطنة عمان؟!
كذلك يبقى السؤال الكبير مفتوحاً: هل الدور الإماراتي في اليمن الجنوبي معاد لسلطنة عمان!
طبعاً بحسب المصالح الجيوسياسية فإن عمان أيضاً تصارع في اليمن وتحديداً في المهرة الحدودية ولكن بوجه خفي. وبما أن الإمارات صار لها الدور الجوهري في جنوب اليمن فلا يخفى على أحد مقدار التوترات التاريخية بين عمان والإمارات.. وباختصار شديد: ثمة تحديات اجتماعية واقتصادية وسياسية هائلة، في انتظار خليفة السلطان قابوس. 

* نقلا عن المصدر أونلاين