بعد أن استنزف الانقلابيون الاحتياطي النقدي للبنك المركزي والبالغ خمسة مليار دولار، والذي تراكم على سنوات بين فائض وعجز في ميزان المدفوعات إضافة الى الودائع التي كانت تضخها الدول الشقيقة وخاصة المملكة العربية السعودية، فإن العملة الوطنية الريال أصبحت بلا غطاء فاقدة الدفاع عن نفسها ومعرضة للانهيار في أي لحظة.
وقد اجتمعت العوامل الدافعة نحو الانهيار على نحو لا مثيل له في تاريخ أي بلد آخر: عملة من غير احتياطي نقدي، انهيار منظومة الاقتصاد بما في ذلك الصادرات وتحويلات المغتربين والدعم الخارجي والاقتراض، وانقسام السوق الاقتصادية والمالية ببقاء الجزء الأكبر من السوق الاقتصادية والمالية بيد الانقلابيين وخارج نطاق سياسة وأداء الحكومة الشرعية، والأخطر من هذا أن السوق المالية بكل أدواتها وآلياتها لا تخضع لسياسة موحدة وإجراءات إدارية موحدة.
أصبح الاقتصاد رغماً عن الجميع اقتصاد حرب، واقتصاديات الحرب تدار كما هو معروف بأدوات إضافية غير الأدوات المالية والاقتصادية والإدارية المعتادة لتجنب الانهيارات الكبرى. ما حدث للعملة هو نتاج لهذه العوامل وفي الظروف التي سادت وبالأدوات والسياسات التي أدير بها الاقتصاد والأسواق المالية والنقدية، لكنه كان بالإمكان تجنب الوصول إلى هذا المستوى من الكارثة باتخاذ عدد من الإجراءات التي لا زال بالإمكان اتخاذها الان لترافق وديعة المليارين السعودية حتى يتحقق الهدف الرئيسي من وراء ذلك وهو وقف تدهور العملة ومعها تدهور القيمة الحقيقية للأجور والدخول بصورة عامة وبالتالي الحياة المعيشية للناس.
من هذه الإجراءات: ١/ إعادة النظر في نظام تعويم العملة الذي اتخذ منذ سنة تقريباً، وكان لا بد من التفكير جيداً قبل اتخاذه، لأن التعويم يحتاج الى سوق مالية مستقرة وأدوات مصاحبة غير متوفرة في الظروف الحالية في الاقتصاد اليمني، ولذلك فإن التعويم لم يحفز المؤثرات التي تدفع بتنمية موارد الدخل الأجنبي بل ارتد عكسياً على سعر صرف الريال اليمني.
٢/ احتساب سعر صرف وسطي للعملة ما بين السعر القديم والسعر الذي استقرت عنده مؤخراً، ويكون ذلك مؤشراً على أهمية استقرار العملة عند هذا المستوى بتدخل قوي للدولة لضبط السعر عند هذا المستوى وبإجراءات ادارية حاكمة تعكس حاجة اقتصاد الحرب، لأن التدخل بواسطة أدوات مالية ونقدية في الوقت الحاضر لن يؤدي إلى النتائج التي تحافظ على قيمة العملة والقيمة الحقيقية للأجور والدخول بصورة عامة.
٣/ التفكير بجدية في إيجاد أدوات لحماية الإجراءات الاقتصادية والنقدية التي ستتخذها الحكومة بالضغط على الانقلابيين بواسطة الامم المتحدة بضرورة التقيد بهذه الإجراءات وتنسيقها عبر وسيط اقتصادي ومالي تعينه الامم المتحدة لهذا الغرض.
٤/ القطاع الخاص، وخاصة العامل في الميدان النقدي، لا بد أن يلعب دوراً إيجابياً في هذ الظرف لمنع الاخلال بالسياسة النقدية التي ستقوم بها الحكومة، ويتم عبر الغرفة الممثلة لهؤلاء انشاء فريق عمل مشترك يومي مع البنك المركزي وتشرك في المشاورات البنوك التجارية على نحو دوري.