Home Articles Orbits السفر على الهوية المتشظية
السفر على الهوية المتشظية
أشرف الريفي
أشرف الريفي

على طول الطريق من صنعاء وحتى مأرب يفقد المواطن يمنيته على يد مبندقين حلوا أنفسهم بدلا عن السلطة المغتصبة ويتعاملون مع اليمنيين كمشتبهين بتهم الهويات الجغرافية والانتماءات المناطقية واقع مبكي صار المواطن فيه محط شك لدى المبندقين وخطر على الامن بسبب هويته وهو الحال نفسه ايضا في الطريق إلى عدن.

يشكو اليمنيون دائما من التعامل السيء في كل مطارات وبلدان العالم لكن التعامل الأسوء والمهين لليمنيين صار من قبل النقاط المسلحة المنتشرة على طول الطرق الرئيسية في البلد.

في كل نقطة يصعد مسلح للباص الناقل للركاب ويطلب منهم هوياتهم لينتقى ضحاياه حسب انتماءتهم المناطقية.. ليتم منعهم من السفر لمجرد أن يكون احدهم من تعز أو عمران أو المحويت أو غيرها من المحافظات .

في هذه النقاط يبقى الباص متوقفا بين الساعة والساعتين لاشباع رغبات مسلحين يتعاملون مع اليمنيين كمجرمين في اعتداء صارخ على حق التنقل ،وهو حق اصيل مكفول لاي انسان وتنظيمه يحتاج لاجراءات سلسة ومسئولة لا فصول من العذاب للمرضى وكبار السن والنساء والاطفال.

قبل ان نطلب من الاخرين احترام حقوقنا وهويتنا علينا أن نحترمها نحن..لا ان نبقى دواعش ومرتزقة في نظر المسلحين من صنعاء إلى رداع أو الضالع وقناديل وحوثة لدى نقاط البيضاء ومأرب ونقاط المحافظات الجنوبية ايضا من الضالع الى عدن.

رحلة التفتيش والمعاناة بدأت من نقطة مستحدثة خارج صنعاء مرورا بنقطة خارج مدينة ذمار وصولا إلى مأرب جميعها تحاكم الركاب على انتماءاتهم الجغرافية.

في نقطة أبو هاشم برداع اعتلى مسلح الباص وطلب الهويات لينزل اثنين من الركاب بسبب انتماءاتهم الجغرافية ، وما هي الا دقائق وآتى مسلحا آخر ليمارس نفس الدور.. رد عليه السائق ان شخصا سبقه في التفتيش ليغادر ، وما هي الا دقائق من الانتظار ليأتي مسلح آخر يستهوي اللذة في التفتيش ايضا .. ابلغناه ان هناك من سبقه إلى هذه المهمة وتم انزال اثنين من الركاب ونحن الآن في انتظارهما.. فرد بعنجهية:" أثنين فقط هذا لا يصح" وبدأ في التفتيش في الهويات مرة اخرى.

بعد انتظار طويل وتعنت النقطة في موقفها الرافض لسفر اثنين من الركاب اضطر السائق لتركهما هناك مع مواساتهما بأنه يمكنهما اللحاق بنا مع اي باص بواسطة التذاكر التي معهما.

في البيضاء كان الباص يشق الظلام والطريق معا .. وفي أحدى نقاط الشرعية اعتلى مسلح بزي عسكري يبحث عن القناديل والسادة حد تعبيره بين الركاب المنهكين والنائم اغلبهم بفعل ويلات الطريق وقساوة اجراءتها.

كان سؤالا صادما ايضا .. قابله الصمت من الجميع الذين يحرصون على تحمل كل هذا النزق الذابح للهوية اليمنية.

في النقطة المتاخمة لمدخل مأرب انزل احد الجنود أشخاص بالهوية ايضا مشككا بالتقارير الطبية التي يحملونها للعلاج في الخارج ، متعاملا معهم كحوثة يريدون الهرب خارج اليمن حد وصفه طالبا منهم معرفا لهم في بلادهم التي لم تعد البطاقة الشخصية فيها كافية لاثبات يمنيتك ... لكنه وبعد أكثر من نصف ساعة انتظار اعاد لهم بطائقهم..

يمشي اليمني كغريب في بلاده يحتاج لاخفاء موطن مولده أو مكان اقامته لا لجرم ارتكبه سوى ان هذه الحرب اللعينة مزقت النسيج الاجتماعي وعادت بين اليمنيين واشعلت ثأرات لن تتعافى البلاد منها على مدى عقود قادمة.

من بعد مأرب يتنفس المسافر الصعداء ويتجاوز حالة التوتر والقلق من أن يكون بين لحظة وآخرى متهم بدون جرم ارتكبه سوى ان ويلات الحرب أجبرته على السفر بحثا للعلاج او الامان او طلب الرزق.

23 ساعة قطعناها من صنعاء إلى سيئون كانت جرعة عناء ومشقة لا تحتمل خاصة للمرضى وكبار السن والنساء والاطفال .. معاناة طويلة للوصول إلى منفذ جوي تطير منه اوجاعنا ومآسينا بحثا عن تطبيب او متنفس ولو لبعض الوقت.

هنا لابد من دعوة لكافة الاطراف لتسهيل حق التنقل واتخاذ الاجرءات السلسة وفتح الطرق التي تحولت الى متارس وساحة موت بدلا من ان تكون منافذ نجاة .