Home Articles Orbits وسنمضي رافضين
وسنمضي رافضين
د. عبدالله فارع العزعزي
د. عبدالله فارع العزعزي

قبل 56 عاماً, وتحديداً في ليلة الأربعاء 26 سبتمبر 1962م, كان شعبنا العربي في اليمن على موعد مع القدر, بقيادة كوكبة من الفتية الذين أمنوا بربهم وبعدالة قضيتهم, وناضلوا بكافة السبل وصولاً لتحقيق الأهداف, والطموحات, والآمال التي كانوا يتطلعون إليها... تحددت ساعة الصفر لتتحرك القيادات الشابة في تمام الساعة 11 مساءً ليلة الأربعاء لتدك عروش الظلم, والطغيان والاستبداد الجاثم على صدر شعبنا اليمني في شطره الشمالي, الممتد لأكثر من ألف عام... والاستعار البريطاني الجاثم على عدن البطولة والمحبة والسلام, وبقية مناطق جنوب يمننا الغالي... حملوا أرواحهم على أكفهم عازمين على تحقيق النصر... وكانت الرصاصات التي أطلقها الفقيد اللواء عبد الله جزيلان هي تتويجاً لنضالات شعبنا في اليمن شماله وجنوبه منذ ثلاثينات وأربعينات وخمسينات القرن العشرين... وانتصاراً لدماء وقوافل الشهداء التي ضحى بها الشعب قرباناً لوطنه... وفي صباح خميس السابع والعشرين أعلنت إذاعة صنعاء "هنا إذاعة الجمهورية العربية اليمنية" لتطوي صفحة سوداء عاشها الشعب اليمني بدماء الشهيد الشراعي, والمحبشي, ورفاقهم... ويواصل الشهيد عبد المغني, والشهيد محمد مطهر, والشهيد الزبيري, والفقيد النعمان والارياني وأعضاء تنظيم الضباط الأحرار, والقيادات العسكرية الوطنية, والعلماء, والقضاة, والطلبة, والتجار, والمشايخ, وجميع فئات المجتمع مسيرة الثورة والجمهورية التي تصدر قيادتها الفقيد المشير عبد الله السلال... وبدعم من مصر عبد الناصر, والاتحاد السوفيتي الدولة الرائدة والقائدة لمسيرة التحرر العالمي, وقد استطاعت الثورة والجمهورية أن تتوج بالنصر رغم كل الخلافات والصراعات الداخلية -جمهورية - جمهورية- وجمهورية - ملكية, فقد واصل الشعب كفاحه وفي طليعته الجيش الوطني, والحرس الوطني, والمقاومة الشعبية, واندحرت مؤامرة الخارج بقيادة السعودية, والأردن, وإيران, والكيان الصهيوني, وبدعم غربي فاضح بقيادة بريطانية ... فكان درس حصار الـ70 يوماً قاسياً للملكية وأنصارها في الداخل والخارج والذي كان ملحمة وطنية بقيادات عسكرية ومدنية مخلصة وفي طليعتها عبد الرقيب عبد الوهاب, وحسن العمري ورفاقهم ... مما جعل السعودية وأدواتها في الداخل والخارج تبحث عن الصلح والسلام ... وهذا ما كان لها والذي للأسف لم تستطع القوى التي انتصرت في السبعين تعظيم النصر العسكري إلى عمل سياسي على الأرض ... فتم تصفية القيادات التي انتصرت للثورة والجمهورية في السبعين في أحداث أغسطس المشؤومة ...
وقد تزامن مع انتصارات شمال الوطن اندلاع ثورة الرابع عشر من أكتوبر 1963م من جبال ردفان بقيادة راجح غالب بن لبوزة, وكافة مكونات الحركة الوطنية ولتتوج التضحيات بطرد الاستعمار البريطاني في الـ 30 من نوفمبر 1967م من جنوب اليمن..
وفي هذه الذكرى العزيزة والغالية على شعبنا اليمني كانت للشهادة رسالة, ولصوت البندقية والمدافع وحفر الخنادق معنى... ودلالة... وكانت للأغنية الوطنية تأثيراً لا يقل عن أصوات البنادق ... وفوهة القلم تساوي فوهة البندقية ...
وبتضحيات شعبنا العظيم كان له بعض ما يريد ولكن ليس كل ما يريد...
فالثورات لا تنتصر من عواصم الخارج, وتثبيت الشرعية لا يتحقق بحكومات تعمل من المنفى ونخب تقيم في الفنادق, ولكن عن طريق بالالتحام بالجماهير وتقدم صفوفه, والعمل على رفع معاناته... فلا معنى للشرعية ولا أقاليم والشعب يموت كمداً وجوعاً... ومرضاً, ولا يوجد القائد الفادي والقدوة الحسنة... فهذا هو الفرق بين سبتمبر 1962م, وقياداته الذين كانوا يتسابقون لنيل الشهادة.
بينما سبتمبر 2018م الذي تهرول قياداته إلى البنوك لإيداع الأرصدة... فرصيد الشهادة مقدس وطاهر, ورصيد البنوك مدنس ... فهل نستطيع أن نجسد سلوك تضحيات قوافل الشهداء ... أم سنكتفي بالخطابات والشعارات كل سبتمبر والوطن منتصر وشعبنا بعزة وكرامة وجمهورية ومن قرح يقرح ..وسنمضي رافضين.

* أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة صنعاء