تعود معرفتي بالأخ عسكر بن ناجي الضمين، إلى أوائل التسعينيات، وتحديدًا خريف العام 1992، لكنني سمعتُ عنه أخبارًا، وأحاديثَ عن بعض مواقفه الجريئة والطريفة في الوقت نفسه، من بعض أقاربي الذين عرفوه قبلي.
حينذاك، حصل الرجل الذي ينتمي إلى أشراف الجوف، على واحدٍ إضافي من أبناء محافظة تعز، الذين يحبهم بالمطلق؛ محبةً وإكرامًا لمعلمه وملهمه القيادي الناصري عبدالغني ثابت، وحصلتُ على حفاوته الجمة.
وتعز هي المحافظة التي هزم فيها، وعلى أيدي إخوةٍ له من أبنائها، أميته، وتفتح بينهم وعيه، وابتدأ خطواته الأولى في رحلة النضال والمواقف البطولية. الشيخ النبيل كان شديد الحماسة، كثير الود، صاحب نكتة، وسريع الغضب.
ليست تلك تناقضاتٍ في شخصيته، بقدر ما إنه يُظهر جانبًا منها عندما يستدعي الأمر ذلك.
فهو يسند المحق والمظلوم، ويدعمه حتى لو اضطر إلى العنف أو التهديد به، ويعطي أكثر ما يمكنه من العواطف الجياشة لرفاقه وأصدقائه، في حضورهم أو حين يغيبون، وهو الظريف الفكه وقت السلا، الغاضب الجامح عند اللزوم.
كان مؤمنًا بقناعاته، وفيًا لمبادئه، صلبًا في مواقفه، واثقًا في خياراته، وثابتًا على اختياراته.
وكان مثالًا للشرف والنزاهة، ومعروفًا بالشجاعة في مقارعة الباطل، أيًا كان مصدره.
لم تثنه الضغوط، ولم تنل منه المغريات التي انهالت عليه من حزبي السلطة، في التسعينيات، أو من مراكز القوى والنفوذ فيها، على امتداد مشواره النضالي، أكان في صفوف التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، الذي كان عضوًا في لجنته المركزية، أو في أوساط المجتمع المحلي الذي كان معبرًا بصدقٍ عن تطلعاته وأحلامه، أو بين إخوته ورفاقه الذين كان حاملًا لجانبٍ من أفكارهم وهمومهم.
شهدتُ الكثير من المواقف التي كان بطلها الرجل "العَسِر" صاحب "الرأس اليابس"، والتي غالبًا ما انتصر فيها، لأنه بغريزته وفطرته، وبنظرته الثاقبة وبصيرته النافذة، كان يعرف كيف يختار قضيةً، ويتمسك بموقفه إزاءها، حتى يصل بها إلى بر الإحقاق.
إنه رجلٌ شهمٌ وجوادٌ، يصدُق ويصادق، يحفظ العهد والود، ولا ينسى الفضل والمعروف، ولا يجعل الاختلافات أو الخلافات سبيلًا إلى الخصومة.
ذات مرةٍ، اختلفتُ معه بسبب موقفٍ بالغ في تصرفه بشأنه، ووصل الأمر حد القطيعة، لكنه سرعان ما عاد إلى سابق الود بيننا.
قبل عدة سنواتٍ، أصيب بحادثٍ مروري، نجا منه بأعجوبةٍ. ولقد رافقته إصابته تلك، ومعاناته جراءها، حتى وافاه الأجل، مساء أمس الخميس.
أما أنا، فمنذ ما قبل ذلك الحادث، لم أره؛ بسبب انهماكنا في مشاغل الحياة، ولم أتمكن من زيارته بعده. فقط كنت، بين فترةٍ وأخرى، أسأل عنه بعض أصدقاء مشتركين، وأحصل على طمأنةٍ اعتقدتُ أنها تشبع اشتياقي إليه، لكنني أدركتُ الآن أن ذلك لم يكن يكفي إلا لمزيدٍ من الألم والندم، وكثيرٍ من الحزن.
الصورة من صفحة الزميل أشرف الريفي على الفيسبوك، خلال مشاركة الفقيد، وهو مصابٌ، في فعاليات المؤتمر العام الـ11 للتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، منتصف العام 2014.