Home Articles Orbits تهدئة وتفاوض، إلى متى؟!
تهدئة وتفاوض، إلى متى؟!
عبد الباري طاهر
عبد الباري طاهر

هدت اليمن منذ ٢ أبريل ٢٠٢٢، هدنة تكررت ثلاث مرات. استبشر اليمنيون خيرًا بعد أن أهلكتهم حربٌ أهلية وإقليمية ودولية لثمانية أعوام متواصلة. 

والمفاوضات منذ انتهاء موعد الهدنة الثالثة في بداية هذا الشهر، متعسرة. ويقينًا فإنّ جلّ القضايا المتعلقة بحياة الناس لم تعالج، واقتصرت الهدنات الثلاث على وقف إطلاق النار الذي لم يسلم من الخروقات المتكررة. الحصار البري، والبحري، والجوي ما زال قائمًا. الحصار الداخلي، على حاله. المرتبات والمعاشات لم تصرف، وتبادل الأسرى وإطلاق المعتقلين السياسيين والمختفِين قسريًّا، وعودة المشردين إلى مناطقهم، وفتح الطرقات ورفع الحصار عن تعز لم يتحقق منه شيء. فضلًا عن وقف خطاب الكراهية، والتحريض وتتبادل الاتهامات، والحملات الإعلامية المستمرة، والتشارك في التنكيل بالمواطنين. 

الإشكالية القائمة أنّ الحل لم يعد بيد اليمنيين، وهيمن الصراع الإقليمي والرباعية الدولية على امتلاك قرارات السلام والحرب. 

إصرار ونجاح أنصار الله (الحوثيين) في التفاوض مع العربية السعودية -قائد تحالف الحرب- مهم وصائب؛ فالعربية السعودية ومعها الإمارات، طرف أساسي في المواجهة العسكرية، وفرض الحصار. 

خطيئة أنصار الله (الحوثيين) الذين يشكلون الطرف الأقوى على الأرض، أنّهم وإن تبنوا مطالب شعبية كفك الحصار الخارجي على اليمن، وصرف المرتبات، واحترام السيادة والاستقلال، وعدم نهب الثروات- إلّا أنّهم لم يقدموا أنموذج الحكم القائم على احترام الإرادة اليمنية الشاملة، مكتَفِين بفرض الأمر الواقع، عبر ميليشياتهم، ومشاركين في حصار الداخل.

رهان إنصار الله على حل يأتي عبر التفاوض مع السعودية، ومباركة الرباعية الدولية، والمجتمع الدولي ينطوي على رغبة تجاهل الطرف أو الأطراف اليمنية التي بدون اشتراكها كطرف أساسي، لن يكون هناك حل حقيقي. 

في العام ١٩٦٧، وقّع الزعيم العربي جمال عبدالناصر، تحت وطأة هزيمة ١٩٦٧، مع الملك فيصل، اتفاقيةَ الخرطوم، إلَّا أنّ الحرب استمرت، بل تصاعدت. فالحل لن يكون بالأساس إلا يمنيًّا يمنيًّا، يأخذ بالاعتبار أمرين أساسيين؛ الأول: عدم تغييب أي طرف يمني من التفاوض، واشتراك الشرعية في الاتفاق على وقف شامل ومستدام لإطلاق النار. وتنفيذ كل ما من شأنه تحويل الهدنة إلى وقف دائم للحرب. 

في المستوى الثاني: وبعد رفع الحصار الخارجي والداخلي، وصرف المرتبات والمعاشات، وعودة المهجرين، وتبادل الأسرى، وإطلاق كل المعتقلين السياسيين، والمغيبين قسريًّا لدى كل الأطراف وفتح الطرقات ورفع الحصار عن تعز، ووقف الحملات الإعلامية، وخطاب الكراهية والتحريض- يفتح الباب واسعًا أمام تحاور أوسع وأشمل. 

أطراف الحرب -كل الأطراف- هم كل المأساة، وهم أساس الحل في المستوى الأول، أما في المستوى الثاني، فهم كل المشكلة، وجزء من الحل؛ فلا بد من اشتراك كل الأحزاب السياسية وألوان الطيف المجتمعي المدني والأهلي، وبالأخص المرأة والشباب، وأن يدرك الجميع استحالة أن يتفرد بحكم اليمن حزب أو أحزاب، قبيلة أو قبائل، طائفة أو طوائف، أو جهة واحدة، أو أسرة أو أسر، ولا يمكن أيضًا أن تحكم اليمن بالغلبة والقوة، أو دعوات "الحق" بشريًّا كان أو إلهيًّا. 

العقدة في التفاوض على تمديد الهدنة، أو التوصل إلى حل سياسي، أنّ كل طرف من أطراف الحرب يريد أن يحصل عبر التفاوض، على ما عجز عن تحقيقه بالحرب.

السعودية والإمارات، وهما رأسا التحالف العربي، وطرفا الرباعية الدولية يريدان استمرار الهيمنة على الجنوب، والاستيلاء على الجزر والموانئ والثروة النفطية، والاحتفاظ بالوجود في الجوف ومأرب وتعز والمخا. 

بينما يريد أنصار الله (الحوثيين) أن يكون الحل بالتفاوض مع السعودية، وعدم الاعتراف بـ"الغريم" اليمني؛ ما يعني الرغبة بالتفرد بالحكم، وعدم القبول بالأطراف اليمنية الأساسية في الصراع، وبالتالي إما حل بدون الأطراف الأخرى، أو استمرار الصراع على الثروة والحكم. 

المأساة أنّ الشرعية سلّمت أوراقها بالكامل للسعودية والإمارات، وأصبحت ظلًّا باهتًا لصراع تشترك في صنعه، وليس لها شأن بحله. 

ضحايا الحرب، وهم غالبية الشعب اليمني، مقصَون من الحل السياسي، وتتشارك كل الأطراف في التنكيل بالشعب، فهم شركاء في الحصار الداخلي والخارجي، ومستفيدون منه، ومتفقون على تهميش الإرادة اليمنية، ونهب الثروات على تفاوتٍ في هذا النهب، وعلى حكم الفساد والاستبداد، وتوغل الميليشيات، وبمقدار ما يتوافقون على استبعاد الشعب وقواه المدنية والأهلية صاحبة المصلحة الحقيقية في الحل، وفي التصالح الوطني والمجتمعي، بمقدار ما يجدون أنفسهم عاجزين عن الخروج من كارثة يتشاركون في صنعها، ولا يمتلكون الحل. 

فالرباعية الدولية أمريكا وبريطانيا في جانب، وإيران في الجانب الآخر، هم الأطراف الأكثر فاعلية وتأثيرًا، والصراع الدولي المتصاعد هو ما يعيق التفاوض في الهدنة الجديدة. 

يستحيل حل الصراع في اليمن بدون انخراط وتشارك كل أبناء اليمن في تقرير مصيرهم، وصنع مستقبلهم، كما يصعب الخروج من الكارثة بدون تفاوض صناع الكارثة: المحليين والدوليين. 

تصاعد الصراع في اليمن مجدّدًا، عودته في جانب مهم، إلى ضعف الإرادة الوطنية اليمنية، والرهان على الحل الخارجي المهجوس بحرب أوكرانيا المتوعدة بحرب كونية ثالثة. 

عسر التوافق على حل، أنّ كل الأطراف تنظر إلى الحل من زاوية مصالحها التي لم تحققها في سنوات الحرب. 

مصدر الخلل الحقيقي ضعف أو غياب الإدارة الوطنية لدى النخب والأحزاب السياسية وقادة المجتمعين المدني والأهلي، وتوزع البعض من هذه القوى على خارطة الحرب، وتدثُّر البعض بجلباب السكينة والخوف. 

وبسبب هذا الضعف أو الغياب تغوّل الصراع الإقليمي والدولي، وتحوّل اليمنيون إلى أدوات قتال، واليمن إلى ميدان حرب. وبمقدار ضعف الإرادة الوطنية والارتهان للصراع الإقليمي والدولي يتزايد ويقوى استعصاء الحل، ويطول أمد الحرب، ويدمّر الوطن اليمني. 

لا مخرج غير نهوض شعبي لا يكتفي بتجريم الحرب وإدانة صنّاعها وأدواتها والمستفيدين منها، ومموليهم، على أهمية ذلك، وإنما يتجلى في حراك شعبي شامل تلتقي فيه القرية بالقرية والمدينة بالمدينة والشمال بالجنوب والقبيلة بالأخرى، وكسر الحصار الداخلي وحاجز الخوف، وتحقيق مصالحة وطنية ومجتمعية شاملة.