تحل على وطننا وشعبنا اليمني الذكرى السادسة والأربعين لانتفاضة الخامس عشر من أكتوبر 1978 الخالدة، والتي استهدفت استعادة مسار حركة الثالث عشر من يونيو المجيدة، التي تم الانقلاب عليها في 11 أكتوبر 1977 في أبشع جريمة تتنافى مع أخلاق وقيم وأعراف الشعب اليمني، والتي ترفض النيل من الضيف بالقتل تحت خشبة البيت.
هذا السقوط الأخلاقي والقيمي يحمل في طياته جسامة حجم التآمر وخسته وقذارته، والواقفين خلفه من أدوات محلية منفذة وإقليمية ممولة ومشرفة على التنفيذ، ممثلة في الجارة الشقيقة مخططة ومشرفة على التنفيذ.
هذه الجريمة التي يدفع الشعب اليمني تكاليفها وآثارها إلى اليوم في حياته وأمنه وتقدمه واستقراره، وكانت هي قتل للشعب اليمني وليس لشخص إبراهيم الحمدي وأخيه عبد الله وللمخفيين قسراً من قيادات تلك المرحلة، بل إنها شرعت لمرحلة السقوط الأخلاقي والقيمي في المجتمع اليمني ليصل بنا الحال إلى ما نحن فيه اليوم.
ولأن إخوتنا في قيادة تنظيم الطلائع الوحدوية اليمنية في حينه كانوا يدركون ما سوف تؤول إليه نتائج وتبعات جريمة 11 أكتوبر، بادروا منذ ديسمبر 1977 للإعداد والترتيب لاستعادة المسار لحركة يونيو التصحيحية ووقف مشروع الانقلاب من خلال تنفيذ الانتفاضة الشعبية السلمية، والتي حدد لها موعد الخامس عشر من أكتوبر 1978 تحت راية "إحدى الحسنيين: النصر أو الشهادة"، مدركين أن ما تم في 11 أكتوبر هو استهداف لمشروع بناء الدولة اليمنية المدنية الحديثة، دولة الأمن والاستقرار والتقدم والازدهار وسيادة واستقلال القرار اليمني ووحدة اليمن وكرامة أبنائه، والتجسيد لأهداف ثورته السبتمبرية الأكتوبرية.
وجاء واضحاً وجلياً حقد القتلة والمأجورين ممن نفذوا جريمة 11 أكتوبر، حيث تصدوا للانتفاضة بكل حقد ووحشية، حيث طالت اعتقالاتهم لعشرات الآلاف من المواطنين في كل محافظات الجمهورية، وباشروا بالتصفية الجسدية للقيادات العسكرية والمحاكمات الصورية للقيادات المدنية. أظهرت حقدها من خلال تلك المحاكمة الصورية التي جعل منها المناضلون محاكمة للسلطة الحاكمة حينها، واستكملت تلك السلطة تعرية نفسها وكشف وجهها التآمري والمعادي لثورة سبتمبر باختيار يوم 5 نوفمبر 1978 لتنفيذ الإعدام لتلك الكوكبة. هذا اليوم المشؤوم الذي تم فيه الانقلاب على ثورة 26 سبتمبر وقيادتها الثورية في 5 نوفمبر 1967.
وليس هذا وحسب، فإن ما تم من إعدام لم يقتصر على إخوتنا في قيادة التنظيم القائد عيسى محمد سيف ورفاقه من شهداء الدفعة الثانية، ولكن كان هناك إعدام لقيادات وطنية أخرى وبدون محاكمة أو إعلان لهم، ومنهم الأستاذ سلطان القرشي وعلي خان وعبد العزيز عون وآخرين.
ولم يتوقف الأمر عند هذا، لكنه تجاوزه إلى عدم تسليم جثامينهم حتى اليوم ولا يعرف أين تم إعدامهم ودفنهم، وهو ما يكشف عن حقارة هذه القوى وسقوطها القيمي والأخلاقي، وليتواصل تنفيذ جرائمها بحق الشعب اليمني بإفراغ أهداف ثورته الخالدة، بل والإساءة للهدف العظيم والأمل الكبير لكل أبناء الشعب اليمني وهو الوحدة اليمنية، حيث تم تحقيقها لكن مفرغة من المضمون والجوهر، وأدخل الشعب اليمني في حروب داخلية مدمرة، وتم تبديد ثرواته الطبيعية من نفط وغاز ومعادن، وتعمم الفساد والإفساد وجعل منه حاكماً، وليصل بالوطن إلى ما هو عليه من تمزق النسيج الاجتماعي وضرب للوحدة الوطنية وجوع وإفقار السواد الأعظم من أبناء الشعب وفقدان للسيادة الوطنية واستقلال القرار.
وعلى شعبنا أن يدرك ما استهدفته انتفاضة 15 أكتوبر 1978 وما كانت تهدف له من استعادة لمسار حركة 13 يونيو، ومن استعادة للسيادة والقرار اليمني، ومن استهداف لكشف المتآمرين ومن وراءهم من الدول الإقليمية والدولية، والتي أصبحت أكثر وضوحاً بعد سقوط وانكشاف الأقنعة من أعداء الأمة العربية.
فالرحمة لشهداء انتفاضة 15 أكتوبر 1978 ولكل شهداء الوطن وشهداء الأمة العربية من المحيط إلى الخليج وشهداء طوفان الأقصى.