منذ وعيت في هذه الدنيا لم أشعر قط بذلك القدر من الزهو والأحساس بالفخر وأنا أستمع إلى صدى تلك الصيحات الغاضبة التي صارت تملاء الأفاق لتلك الملايين الغفيرة والمقهورة التي أنهكها ثراء الكبت ، القمع ، القهر ، الظلم وفساد أرباب الأموال الجاثمين على صدر مصر المحروسة منذ ثلاثة عقود ونيف وعلى رأسهم الرئيس / حسني مُبارك الذي أرضعهم الخوف والرعب من السياسة . لذا أراني أجد نفسي بين الحين والأخر مُتسمراً أمام التلفاز لأتابع على شاشات الفضائيات العالمية أخر التطورات حول مجريات الأحداث لثورة ال 25 من يناير ثورة الشباب على أرض الكنانة مصر العروبة وحينما أُشاهد ما يجري يستحضرني دوماً ما قاله أبو الفلاسفة سُقراط : ليست العظمة في ألا تسقط أبداً بل العظمة في أن تسقط ثم تنهض من جديد " وعندما أقارن بين ما قالهُ ذلك الفيلسوف وبين ما حدث في تونس وما يحدث اليوم على أرض مصر بت أكثر يقيناً بما يقولهُ ويعنية أولئك الفلاسفة ففي الخامس والعشرون من شهر يناير المنصرم هاج الطوفان الهادر وتحرك من على ضفتي نهر النيل الخالد ليغسل أرض مصر ويسقي زرعنا العربي الظامئ إلى رذاذ ثورةً ندية تغسل عن الأوطان أدران الحكام والأنظمة الموبوءة بالدكتاتورية والفساد نعم إنها ثورة عصرية بكل ما تعنية الكلمة ثورة أنتفض ونهض بها شعب هو للأمه العربية ساس عزها ومجدها التليد قام بها شباب مصر ممًن سطروا بدمائهم التي أريقت وأرواحهم التي أزهقت ملاحم لياليهم الأسطورية على وجه مصر الشامخ ضد الدكتاتورية والظلم والفساد بعد أن صار الوجع لديهم نار غاضبه لا تخمد فلا شئ يستطيع اليوم أن يثنيهم أو يغويهم أو حتى يتطابق لديهم مع الحلم بالوطن الجديد .
فلقد أبهروا العالم المتحضر بآسره بتلك الصيحات التي أنطلقت من حناجرهم , حين ألتقت وتعانقت في سماء ميدان التحرير وصرخت صرخة رجل واحد في وجه الطاغية وتقول لهُ أرحل .. أرحل .. فزمانك قد ولى وأدبر فالشعب يريد إسقاط النظام .. فتزلزلت الأرض تحت قدمي الطاغية وأعوانهُ وتجلجلت السماء فوق رؤوس الطغاة الذينهم على شاكلته وأرعدت سُحبُ الثوار في أرضنا برقاً وأملاً وسكبت البشائر في نفوسنا مطراً مدرارا مولدة رغبة معاكسة تتجسد في الدعوة إلى رحيل كل الدكتاتوريين والطغاة من على وطننا العربي الكبير وعلى رأسهم طاغيتهم الأكبر فرعون هذا الزمان / حسني مبارك ونظامه حينها سُررت من صميم قلبي وَسّرت قشعريرة الفرح في كل أوصال جسدي وبين ثنايا روحي المكلومة على هذه الأمة ولم أستطع أن أتمالك نفسي فأنخرطت مجهشاً في البكاء ليس خوفاً أو حزناً ولكنهُ الفرح من فرط الفخر والعزة والإباء بالشعب المصري العظيم الذي صبر وأنتظر تلك السنين العجاف وبشباب مصر النير والمتحضر الذي خطط وفكر وتدبر حين جعل من تكنولوجيا الفيسبوك والتويتر وسيلته والحرية والكرامة غايتهُ . فطوبى لكم يا شباب مصر .. فقد تجلت فيكم العظمة بكل معانيها وأبهرتم كل أحرار العالم على ظهر هذه البسيطة حين زحفتم وبأسلوب سلمي حضاري بالملايين في شوارع القاهرة والأسكندرية وباقي المدن والنجوع المصرية وملأتم الشوارع تبحثون عن العدالة والمساواة الأجتماعية ولتمسحون الندب من على جبين مصر الشامخ كشموخ إهراماتها فجُلكم ممن قد أكتوى بنار أصحاب السلطة وقُمع بفساد وجشع أصحاب الأموال والثروة لكنكم خرجتم لتمحوا كل صور القداسة عن الجدران بعيداً عن زيف الشعارات والأيديولوجيات ولأسترداد الكرامة من اللاكرامة ... والبقاء من اللابقاء ... بل إلى أبعد من ذلك الهوية من اللاهوية ... كما أنكم بثورتكم التي تجاوزات كل الحسابات والتوقعات الخاطئة قد مسحتم تحت أقدامكم ما كاد أن يعلق بالذاكرة العربية وما كان يرددهُ بعض الموهومين من أن الشعب المصري قد سقط وأصبح مستكين بالجبن والتخاذل والأنتكاس ولكن وكما قالت العرب قديماً : الأيام عوج رواجع فمن ميدان التحرير وعبدالمعم رياض ومن على جسر قصر النيل رجعتم وأعدتم للعزة نبضها ولأيام الكرامة سابق عهدها وأعدتم تدوين تاريخ مصر الحافل من جديد بعد أن كاد أن يشوبهُ بعض اللغط والأعوجاج حين سُرقهُ خلسةً منكم الأقزام والسماسرة والعملاء وهأنتم اليوم تعيدون تقويم أيام مصر القادمة من خلال أحدث وأعظم ثورة في تاريخ مصر الحديث وبماء الذهب بدأتم تسطرون وترسمون ملامح بزوغ فجر جديد تغيرت ألوانهُ حين كان البقية يعيشون خارج الزمن ويتوارون خلف الذكرى . يا شباب مصر .. يا أبناء الغد ، ويا صُناع المستقبل إنكم بثورتكم المتحضرة والسلمية قد أيقظتم الأمة العربية من سُبات متعمد من قبل الأنظمة حين كتبتم حروف البطولة بدمائكم القانية الزكية وأرجعتم لمصر عزتها ومكانتها في قيادة الأمة العربية من جديد بعد أن سُلبت وهدأت مع العدو عقوداً من الزمن فكونوا على يقين أن أهدافكم المنشودة سوف تتحقق عاجلاً أم أجلا فجدوا وثابروا في المسير نحو الثورة الكاملة وعين الله ترعاكم ولا تلتفتوا إلى الوراء فرفاقكم في سيناء ينتظرونكم وقد شدوا سروجهم فحذاري !! أن تقفز خيولكم فوق مطبات عمر سليمان الشائكة وتعلق حوافرها في رمال النظام المتحركة حذاري !! فقد منحتم الأمل لنا في المحيط الأكبر والأوسع من صنعاء حتى الرباط ومن بغداد حتى نواكشوط فدعوا ساقية من طوفان نهر النيل تفيض وتسقي وديان وسهول اليمن الأسيرة فما زالت أرضها جدباء خرساء وما زالت أعيننا تبكي وجع التاريخ في صنعاء التي تشكو وتنوح وتذر رمادها فوق رؤوسنا المنكسة والتي لم ترتفع بعد ؟؟ فصعاليك المصالح من الأقزام وبائعي الأوطان ظلمهم وبغيهم وَلّد لدينا شهوة الحرية فنحن على هداكم سائرون وعلى وقعْ خُطاكم قادمون لا محالة وسنظل لهم في المرصاد وإن طال الزمان فلا نامت أعين الجبناء وإن غداً لناظره قريب .