يدعوت - 11- 2- 2011م:
أول أمس وصلت الدراما في قمة الحكم المصري الى ذروتها. مبارك انكسر. استدعى مقربيه، من رجال النخبة العسكرية نائبه عمر سليمان، وزير الدفاع الطنطاوي وآخرين وأبلغهم بان من ناحيته انتهى الامر. أي من المحيطين به لم يتجرأ على القول له ان يرحل. هو اختار التوقيت. في ختام ثلاثة اسابيع من العاصفة الرهيبة في مصر، ابو الهول من القاهرة بدأ يتفتت.
ليس فقط الشارع دفع مبارك الى الخارج. بقدر ما يبدو هذا مرفوضا: لقاء جرى قبل نحو اسبوع بينه وبين فرانك فيزنر، مبعوث الرئيس اوباما 'ساعده' على اتخاذ القرار بالاعتزال بصمت الى شرم الشيخ. فقد أوضح الامريكي له، بلغة لطيفة، بان انصرافه من الحكم هو شرط لاستمرار وجود المصالح الاستراتيجية الامريكية في مصر.
من تلك اللحظة في يوم الاربعاء، حين قرر مبارك الذهاب، وقع صراع عاصف بين رجال الجيش وعناصر اخرى في القيادة المصرية ممن طالبوا بان ينقل الحكم بشكل مؤقت الى المجلس الاعلى للقوات المصرية ليدار من قبل مجموعة الجنرالات الرائدة وبين عناصر اخرى، بمن فيهم في داخل الجيش، ممن اعتقدوا بان لا مجال لنظام عسكري وان المرحلة الانتقالية يجب أن تدار من قبل المدنيين، وعلى رأسهم عمر سليمان.
قبل ساعات من صدور النبأ عن خطاب الوداع المرتقب لمبارك وخروجه الى فيلته في شرم الشيخ، حسم الرئيس نفسه بين التيارات وقرر: الحكومة الانتقالية لن تنتقل الى المجلس العسكري المصري بل ستبقى حكومة مدنية برئاسة نائبه، عمر سليمان. وقد قبل الجيش القرار. صحيح أن الرئيس فقد احترامه في الشارع ولكن ليس في الجيش. فهناك يرون في مبارك احد الاباء المؤسسين للجيش المصري الحديث. وهو لحم من لحمهم. ولهذا فهم لا يزالون يقبلون إمرته. كان هذا على ما يبدو القرار الاخير الهام في حياة مبارك السياسية. في اسرائيل تنفسوا الصعداء. فعلى الاقل حتى ايلول (سبتمبر)، كما يقول تقويم الوضع في اسرائيل لن يطرأ تغيير جوهري على سياسة الخارجية والامن المصرية. تلقينا تمديدا. ما سيسمح لدولة اسرائيل بان تدرس التطورات جيدا وتحاول الاستعداد لاستقبالها.
عمر سليمان، سيظهر أمام الشعب المصري في موعد قريب من انصراف مبارك ليعرض عليه خطة الحكومة الانتقالية: اولا الغاء نظام الطوارىء؛ وفي السياق سلسلة من الاصلاحات السياسية العميقة التي تسمح لكل التيارات بما فيها الاخوان المسلمون المشاركة في الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في ايلول (سبتمبر).
على مدى سنوات طويلة درجت السلطات المصرية على التدرب ثلاث مرات في السنة على أوضاع من الانتفاضة الشعبية، الثورة المسلحة، المس بالزعماء، السيطرة على مؤسسات الحكم، ضعضعة اساسات الحكم وشل الدولة من خلال خروج الجماهير الى الشوارع. دروس هذه المناورات يطبقها النظام المصري في الثورة الحالية.
هكذا، مثلا، في اعقاب المناورات تقرر أنه في زمن الثورة الشعبية ينبغي توجيه السجانين الى ترك السجون والسماح للسجناء ولا سيما الجنائيين بالفرار. وذلك شريطة ان يستخدموا القوة ضد الثوار في الشوارع. بالمقابل، يحظى اولئك السجناء الفارون بحريتهم. وبالفعل، هذا الفصل في استخلاص الدروس رأيناه في ميدان التحرير.
كما أن ادخال الفرق العسكرية الى القاهرة هو أحد الدروس التي كتبت في كتب المناورات هذه، وكذا استيلاء الجيش على الحكم في اوضاع الطوارىء، مع غياب الرئيس. مشكوك أن يكون مبارك ورجال الامن الذين تدربوا على كل هذه السيناريوهات قد تصوروا سيناريو ثورة لا تديرها جهة مركزية، وفي نهايتها يطاح بمبارك ليس بالقوة بل بالاحتقار.
النظام العسكري المؤقت يتوقع انه بعد ان يطرح عمر سليمان الاصلاحات، فان قوة المظاهرات ستخبو بالتدريج والجماهير ستختفي من الشوارع. اذا ما نزل في الايام القريبة القادمة عدد المتظاهرين في ميدان التحرير الى نحو 10 الاف فسيكون احساس بان النظام في الاتجاه السليم. اذا استمر التسونامي وقيادة سليمان لم تقبل ولو للفترة الانتقالية فان خيار النظام العسكري الكامل يكون قائما دوما.
ترجمتها للعربية ونشرتها صحيفة القدس العربي