أخيرا تنحى مبارك وبمعنى اصح أسقط مبارك ونظامه من قبل شعبه بعد مراوغته ومماطلته بثورة شباب مصر طيلة 18 يوما, ثورة شباب 25 يناير السلمية التاريخية التي شهد العالم اجمع بعدالتها ومشروعيتها.
حاول مبارك على مدى أسابيع استخدام أساليب شتى لإجهاض هذه الثورة, من استخدام عناصر البلطجة التابعين لجهازه المني فيما عرفت بواقعة الجمال والحمير, مرورا بتخويف الشعب المصري من الفوضى والتدخلات الأجنبية إن هو ترك الحكم وليس انتهاء" بدغدغة عواطف ومشاعر البسطاء للبسطاء من أبناء مصر, وما أكثر البسطاء في شعوبنا العربية ومنها اليمن الذين يتأثرون إلى اقصى حد بما بقوله الحكام.
مبارك كان على علم أنه العميل الأول في الشرق ألوسط لما وصفه بالأجندات الخارجية ومع ذلك حاول إسقاط هذه الصفة على أبناء شعبه الشرفاء, كان يعلم إن إسطونة (سا... وسوف.. و.. ) التي عزف عليها طيلة 30 عاما قد انتهى عمرها الافتراضي ولم تعد صالة الآن أمام هدير الملاين المنددين بظلمه واستبداده.
وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة, فتح مبارك الأبواب التي أوصدها على مدى 3 عقود في وجه الديمقراطية والحرية والتبادل السلمي للسلطة: دعا إلى حوار حقيقي مع المعارضة الحقيقية الفاعلة في الساحة وليس مع الأحزاب الشكلية التي جاء بها وأنتج مجلس تشريعي حكم القاصي والداني بتزوير انتخابه.
في خطابه الأخير قبل سقوطه حاول مبارك أن يظهر وكأنه لازال رئيسا لمصر , أخذ يأمر ويوجه ويكلف بتشكيل لجان لتعديل الدستور وأخر للتحقيق محاسبة المتسببين عمليات الاعتداء على المتصاهرين لكنه كان في الحقيقة خارج التغطية.
قبل سقوطه تحدث مبارك عن أشياء كثيرة من ضمنها محاسبة ومعاقبة الفاسدين من وزراءه وأركان نظامه الذين حولو ثروات مصر إلى ملكية خاصة لكنه لم يفكر مطلقا بإعادة جنيها واحدا من ثروته التي قالت تقرير دولية أنها ناهزت ال70 مليار دولار.
بسقوط مبارك, انتهت الفوضى وحلت بلا عنها زغاريد الفرح والابتهاج التي انطلقت من أفواه النساء ومن أبواق السيارات ومكبرات الصوت في الشوارع والبيوت والساحات, بما فيها أبواق الإعلام الرسمي والتي ظلت على مدى أيام الثورة تقزم وتستخف بثورة الشعب المصري.
وكم كانت سخافة وربما استخفاف التلفزيون المصري القائمين عليه بأبصار وأسماع أبناء مصر وهو ينقل على مدى أيام وليالي الثورة نهر النيل وجسر 6 أكتوبر على أنه ميدان التحرير فيما كانت قناة "الجزيرة" تنقل صورا لملايين المتظاهرين في شتى أنحاء مصر وليس ميدان التحرير.
لقد ظلت قناة " الجزيرة " والتي تعد شريكا فعليا في نجاح ثورتي تونس ومصر, العين الساهر والحارس الأمين لشباب مصر وثورتهم طيلت اعتصامهم في ميدان شهداء التحرير, وتمكنت قناة الجزيرة رغم إغلاق مكتبها والاعتداء على مراسليها, دحض الإدعاءات والأكاذيب التي كان يردده الإعلام المصري والذي لم يصدق بالثورة إلا عند محاصرة المتظاهرين لمبناه وسقوط مبارك. عند ذلك قال الإعلام المصري أن جهاز الإعلام يتبع الدولة وليس نظام أو حزب.
الآن أصبح تابعا للدولة لكنه ظل طيلة 30 عاما يروج الأكاذيب والوعود الفارغة لشخص واحد فقط.
إذا نجح أبناء مصر في إسقاط مبارك ونظامه مثلما نجح التونسيين في إسقاط بن علي, لكن كلا الشعبيين المصري والتونسي راهنا على امتلاكهما مؤسسة لجيش (وطني) بكل ما تحمله الكلمة من معنى, مؤسسة تضع مصلحة الوطن وأبناء الشعب فوق كل شيء, مؤسسة ولاؤها وانحيازها أولا وأخيرا للشعب الذي جاءت من بين أبناءه, مؤسسة تعمل على صون حقوق الشعب وحرياته لا أداة لترهيبهم وتخويفهم.
ما أحوجنا في اليمن الى مؤسسة لجيش وطني من هذا الطراز يتبع مصلحة الوطن وليس الرئيس وأفراد عائلته , ومؤسسة إعلام رسمي حر تتبع مؤسسات الدولة لا سلطة الحاكم الفرد.