من هم في جيلنا، والأجيال الأكبر بالطبع، بإمكانهم أن يقارنوا بين الطريقة التي انتهت بها ولايات ثلاث في مصر: من جمال عبدالناصر إلى أنور السادات إلى الرحيل الأخير الذي فرضه شعب مصر .
يُمكن القول إن جمال عبدالناصر استفتى على مكانته عند شعبه مرتين: الأولى عندما أعلن تنحيه عن السلطة بعد هزيمة الخامس من يونيو/ حزيران ،1967 حين اندفعت الجموع الغفيرة إلى الشوارع مطالبة إياه بالعودة عن قراره، وهاتفة: سوف نحارب، والثانية عند مماته، حيث شعرت الأمة باليُتم الكبير برحيله المبكر الفاجع، وخرج الناس في تشييعه في ما وصفت بأنها أكبر جنازة في التاريخ حتى حينه .
على النقيض من ذلك تماماً كانت جنازة خلفه أنور السادات، حيث أُعلنت حالة الطوارئ في مصر، وفرض حظر التجول، وشُيع السادات إلى قبره في حضور عدد محدود جداً من أفراد عائلته، وعدد من الرؤساء الأمريكان السابقين، وكذلك صديقه، كما كان يسميه، مناحم بيغن رئيس وزراء “إسرائيل”، الذي كان قد وقع معه اتفاقيات كامب ديفيد .
يومها عُقدت مقارنة بليغة بين جنازتي الرجلين، ففي حين خرجت الناس بحسها العفوي تودع قائدها وملهمها، في حال عبدالناصر، فإنها لزمت بيوتها وسط حالة من الذهول في حال السادات .
أما الأمر الأبلغ فهو الطريقة التي استقبل بها المصريون، وأشقاؤهم العرب، نجاح ثورة الشعب المصري، فمَن منا كان بوسعه تفادي انهمار الدموع من عينيه وهو يعيش تلك اللحظة التاريخية النادرة، حينما دخل ملايين المصريين في حالة من الفرح لا يمكن لأي كلمات أن تصفها، ابتهاجاً بالرضوخ للتغيير، بعد طول مكابرة، بطريقة تجعلنا نشكر الله الذي قدر لنا أن نتذوق طعم النصر، بعد علقم الهزائم، وأن نكون في عصر الفضائيات، لنتابع تلك اللحظة الوجدانية التي لا يمكن أن تُنسى أبداً .
عن الخليج