منذ نحو أربعة عقود قبض أنور السادات على رجال جمال عبدالناصر ووضعهم فى السجن، فيما عرف بانقلاب مايو ١٩٧١ أو بقضية مراكز القوى، وضمت القضية ٩١ متهماً، كانوا جميعاً من رموز الحكم السابقة عليه، والتى جاءت به إلى الحكم.. لا يهمنا فى تلك القضية تفاصيلها الجنائية والسياسية فهى شبه معروفة، لكن ما يهمنا هو الذمة المالية للمتهمين فيها من المسؤولين وكبار الشخصيات السياسية، ما الذى كانوا يمتلكونه ساعة القبض عليهم وتفتيش بيوتهم؟؟.. إن بعض الوقائع المذكورة فى «التحقيقات الرسمية» تنعش الذاكرة، وتمنح فرصة مغرية وخفية للمقارنة!!:
■ يقع بيت الوزير الفريق أول محمد فوزى فى شارع محمد حجاب بمصر الجديدة، وقد تولى تفتيشه الدكتور سعيد عبدالماجد رئيس النيابة.. جرى التفتيش بتاريخ ٢٤ مايو ١٩٧١ طرقوا الباب ففتحت حرم الفريق السيدة عفاف رياض البحيرى التى تولت إرشادهم إلى مكتب الفريق، وهناك وجدوا خطاباً من البنك الأهلى فرع مصر الجديدة بقيمة حساب جار لا يزيد ما فيه على ١٣٩ جنيهاً و٧٢٤ مليماً، وحساب آخر فى البنك الأهلى فرع محمد فريد بقيمة ٧٤ جنيهاً و٥٠٠ مليم، وعثر فى درج المكتب على ١١ جنيهاً و٣٠٠ مليم سلمت للسيدة حرمه.. أما المفاجأة الكبرى فكانت ما ادخره الوزير الشهير الذى أعاد بناء القوات المسلحة بعد الهزيمة لأولاده، شهادتى استثمار فئة كل منهما ٥٠٠ جنيه باسم ابنته سلوى، شهادة استثمار فئة ٥٠٠ جنيه باسم ابنه أشرف، شهادتى استثمار فئة ٥٠٠ جنيه باسم ابنته ماجدة.. وبتاريخ ٣١ مايو فتح محضر آخر لمصادرة النقد الأجنبى الذى ضبط فى بيت محمد فوزى وكان سبع ورقات من فئة العشرين دولاراً، سلمت لإضافتها إلى حساب النيابة العامة على ذمة القضية، لكن قبل إيداع المبلغ فى الحساب جرى تحويله إلى جنيهات مصرية فى البنك الأهلى المصرى بعد تسليمه لمندوب البنك محروس يعقوب إسحاق، أما قيمة التحويل فكانت ٥٩ جنيهاً و٥٠٠ مليم بسعر صرف ذلك الوقت وبإيصال استبدال رقم ٧٦٢٠٥، فقد كان سعر الدولار وقتها ٤٢ قرشاً ونصف القرش.
■ عندما هاجمت النيابة بيت وزير الداخلية وقتها شعراوى جمعة لم يجدوا فى حوزته سوى شهادات استثمار قيمتها ٥٠٠٠ جنيه لتعليم ابنته سلوى التى أكملت دراستها فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية حتى حصلت على الدكتوراه وأصبحت أستاذة علوم سياسية، وقد حاولت جهات معينة مصادرة الشهادات لكن مساعد المدعى الاشتراكى الدكتور إبراهيم صالح رفض تجويع عائلة لا ذنب لها، وأمر على مسؤوليته الشخصية بإعادة الشهادات لصاحبتها!!
■ انتقل طاقم من النيابة برئاسة أحمد نشأت المصرى لتفتيش بيت عبدالرؤوف سامى شرف وشهرته سامى شرف.. فتحت الخادمة الباب وجاءت فى إثرها السيدة تغريد مظهر زوجة سامى شرف، وكانت هناك أيضاً ابنتاه ليلى وهالة وشقيقته فايزة.. ووجدت فرقة التفتيش مسدساً ماركة أنفيلد بساقية، وبعض أشرطة التسجيل لأفلام سينمائية وأغان لأم كلثوم، ومظروفاً به كشف حساب من البنك الأهلى يثبت أن الرصيد هو ٣٤٤ جنيهاً و٨٥٨ مليماً، إضافة لإشعار آخر من نفس البنك يؤكد أن سامى شرف اقترض مبلغ ٣٦٠ جنيهاً و٣٠٠ مليم تضاعف بسبب الفوائد إلى ٧٢٣ جنيهاً و٥٥ مليماً!!
كما عثرت فرقة التفتيش على أوراق بنكية تفيد بأن سامى شرف استبدل مبلغ خمسمائة جنيه من معاشه، ووافق على الاستبدال ثروت عكاشة عندما كان رئيساً للبنك الأهلى، وكان الدكتور عبدالعزيز قد أخبر محمد حسنين هيكل باستبدال سامى شرف لهذا المبلغ من معاشه، وبدوره أبلغ هيكل جمال عبدالناصر الذى قال له: هوه مفيش حل تانى يا سامى غير استبدال معاشك؟ ثم استطرد: خلينا نشوفلك حل ولو شخصى!! وابتسم سامى شرف، فهو يعرف أن جمال عبدالناصر نفسه لا يملك سوى راتبه فكيف سيساعده؟، وفهم جمال عبدالناصر سر الابتسامة فقال له: طب روح اتصرف زى ما أنت عايز!!.. وعندما أشيع أن سامى شرف يمتلك أربع عمارات فى سويسرا!. علق سامى بسخرية على ذلك قائلاً: نعم لدى أربع عمارات ولكنها فى مصر وليست فى سويسرا!.. وهم ليلى وهالة وهشام ومحمد أولادى الأربعة!!
■ أما مفاجأة التحقيقات فهى ما عثروا عليه فى بيت ضياء الدين داوود من متاع وثروة فقد وجدوه يستخدم ٧ قلل قناوى لشرب المياه!!
ختاماً.. دعونا نتوقف برهة لنذرف دمعة - بعد أن وصلنا إلى ما نحن فيه الآن - عند المقارنة بالذى كان وما هو كائن!!
· (نجل الرئيس عبدالناصر)