اقتلاع الأنظمة
د. أحمد سعيد
وحدها الشعوب تعرف إلى أين تمضي العاصفة،، مصير النظام الرسمي العربي, كله معلق على رياح خريفية منذ أن عصفت بنظامي تونس ومصر خلال شهري يناير وفبراير.
ولا زالت رياح التغيير تواصل هبوبها الى أن تقتلع بقية الأنظمة وفي أحسن الأحوال تجري تغييرات حقيقية -لمن يحترم شعبه ويصغي إليه- تستطيع أن تمكن الشعوب من المشاركة الحقيقية والفاعلة في صوغ مستقبل كل دولة, بعد عقود من الذل والمهانة.
وعلى عكس التغيرات المألوفة للأنظمة كالانقلابات أو ما أشبه ذلك- يتحمل اليوم شباب الأمة هذا الدور بطرق سلمية وحضارية بالتظاهر السلمي لإنجاز مطالبه في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.
وفي إعتقادي أي محاولة للوقوف أمام قطار التغيير فسيكون كمن يحاول أن يحسر ماء المحيط الهادر بمنخال أو يحرث في البحر.
ولا يستطيع حزب أو بلطجية أن يكون بوسعه التحريض ضد التطلعات الديمقراطية، أو مصادرة تفاعلاتها في الاحتجاجات الشعبية والمظاهرات السلمية ومحاولة إعادة الأحوال السياسية الى المربع الأول.
لقد حانت لحظة التغيير فكما أن الشهيد محمد البوعزيزي حرك الشعب التونسي, أيقض الأخير كل شعوب الأمة التي تتقاسم المعاناة من أنظمتها, وجاءت ثورة مصر لتعجل برياح التغيير الذي قد تشهدها المنطقة خلال العام الجاري 2011م.
وتتفاوت مسألة صمود هذا النظام أو ذاك أمام غضب الجماهير التواقة للتغيير لكنهم متوحدون في مواجهة الحركات الاحتجاجية السلمية بالبلطجية ووصم المتظاهرين بالعمالة للخارج.
في اليمن أطلق رئيس الجمهورية في الثاني من فبراير الجاري أمام مجلسي النواب والشورى خطاب أعلن فيه (لا تمديد، ولا توريث، ولا تأبيد) وهذا القول ما كان لينطق به لولا انتصار ثورة تونس وهروب بن علي، واتساع ثورة الغضب في مصر ضد نظام مبارك, خاصة وأن الحزب الحاكم شرع في وقت سابق بتقديم مشروع لتعديل الدستور تضمن إلغاء المادة 112 التي تحدد مدة الرئاسة.
وقام الحزب الحاكم بجملة من التصرفات بعد هذا الخطاب كاحتلال ميدان التحرير في العاصمة، ومواجهة المتظاهرين، وقمع المسيرات السلمية بالرصاص الحي من كل المحافظات، واستحضار كل المجاميع القبلية المحيطة بالعاصمة لعمل مسيرات في مواجهة المظاهرات الشعبية السلمية، واستخدام المال العام لتأجير بلاطجة لقمع المتظاهرين وتنظيم مهرجانات في معظم المحافظات تهتف بحياة الرئيس.
على أن الأهم من ذلك استخدام العنف المفرط في التعامل مع المتظاهرين العزَّل وسقوط قتلى وعشرات الجرحى وصل حد إطلاق قنابل على المتضاهرين كما حدث في اعتصام «جمعة البداية» في ساحة الحرية بتعز الجمعة الماضية.
هذه الأعمال وغيرها كعدم الجدية في إطلاق الحوار، وإلغاء الإجراءت التي قام بها الحزب الحاكم منفرداً أكدت أن الرئيس غير جاد بمغادرة السلطة بعد انتهاء ولايته في 2011م، وإلَّا ما الداعي للاستنفار في حشد الجماهير التي ترفع صوره وتهتف بحياته, وجلب المواطنين لحضور مهرجانات مؤيدة له؟!.
هذه مخاوف تضر حتماً بالتحول الديمقراطي وتعمق أزمة الثقة بين الشعب وسلطته، وهو ما دفع المعارضة للانحياز إلى الشارع.
إذن نحن أمام شعب عانى من الظلم والاستبداد، يتدافع الى الساحات العامة في شمال الوطن وجنوبه غير مبالٍ بجحيم نيران السلطة وبلاطجتها وقناصيها، مطالباً بإسقاط النظام, يقابله حزب حاكم يستخدم كل مقدرات الدولة لتنفيذ وقائع موت معلن لمشاريع التغيير الديمقراطي السلمي.
مطلوب من الأنظمة أن تستجيب لصيحات شعوبها.. فليس من الحكمة مواجهة الغضب الشعبي بفوهات البنادق.