Home Articles Orbits دمج اليمن اقتصاديا
دمج اليمن اقتصاديا
محمد العسومي
محمد العسومي
وما بعد يوم تزداد الأوضاع في اليمن تعقيداً، فالأوضاع الاقتصادية متدهورة، رغم أن عائدات النفط، تسببت في إفرازات اجتماعية وأمنية خطيرة، استغلتها الكثير من القوى الإقليمية والمتطرفة لزعزعة استقرار منطقة الخليج والجزيرة العربية.
ويبدو أن مشكلات اليمن الداخلية بدأت تنعكس على علاقاته الخارجية عموماً وعلى جيرانه خصوصاً من خلال تصدير العنف والتطرف الناجم عن بيئة الفقر التي يئن تحتها معظم أفراد المجتمع اليمني، حيث يعيش نصف السكان البالغ عددهم 24 مليون نسمة تحت خط الفقر، علماً أن نصف عدد السكان أيضاً تقل أعمارهم عن 14 سنة، مما يرشح الأزمة الاقتصادية للمزيد من التعقيد في السنوات المقبلة.
مثل هذه الأوضاع الخطيرة تتطلب معالجة لجذور الأزمة التي تعصف باليمن، وهي جذور اقتصادية تتمثل في تدني مستويات المعيشة، انتشار الفقر، ومعدل البطالة العالي والبالغ 35 بالمئة وانخفاض مستويات التعليم، الصحة، والخدمات الضرورية، إذ يعتبر اليمن واحدا من أكثر بلدان العالم تخلفاً في هذه الجوانب، كما تشير إلى ذلك بيانات الأمم المتحدة في تقاريرها الدورية، وخصوصاً تقرير التنمية البشرية.
لقد قدمت دول مجلس التعاون الكثير من المساعدات لليمن على مدى أكثر من أربعين عاماً، بما فيها مشروعات استراتيجية، كإعادة بناء سد مأرب، إلا أن الأوضاع الاقتصادية المتفاقمة في اليمن وسوء الإدارة الاقتصادية والزيادة الهائلة في أعداد السكان البالغة3.5 بالمئة سنوياً، والتي تعتبر واحدة من أعلى معدلات الزيادة السكانية في العالم ساهمت في تدني مستوى المعيشة، زيادة الطلب على السلع والخدمات، والارتفاع المخيف في أعداد البطالة.
من هنا، فإن أحداً لا يستطيع مساعدة اليمن، قبل أن يقوم هو بمساعدة نفسه، من خلال استغلال عائدات النفط والغاز المتنامية لنشر الوعي بخطورة النمو السكاني المنفلت وإصلاح الإدارة الاقتصادية وضبط الأوضاع الأمنية لتشجيع الاستثمارات الخارجية، وخصوصاً الخليجية التي تسعى إلى مساعدة اليمن للخروج من أزماته المزمنة.
لذلك، فإن تعافي اليمن يمكن أن يبدأ من الداخل من خلال سياسات اقتصادية جريئة وقادرة على اجتثاث بؤر الفقر، على أن تساهم دول مجلس التعاون الخليجي في هذا الاتجاه، باعتبار أن أوضاع اليمن تعنيها بصورة مباشرة وتؤثر في أوضاعها الداخلية، كما أثبتت التطورات الأخيرة في أكثر من بلد خليجي.
في هذا الصدد اتخذت في السنوات القليلة الماضية خطوات عملية، تمثلت في دمج اليمن في مؤسسات خليجية مهمة، كالتعليم، الصحة، الصناعة، والرياضة، والتي ستساعد اليمن على عملية إعادة البناء، فالقطاعات السابقة تطورت في دول المجلس لتصل إلى مستويات البلدان المتقدمـــــة، في حين لا زالت متدنية في اليمن لتضعـــه في آخــــر القائمـــة في التصنيفــات الدولية.
في المقابل، فإن اليمن يطمح للاندماج بصورة أكبر في المنظومة الخليجية، إلا أن ذلك بحاجة لعمل شاق ومضن لرفع مستويات المعيشة لتصل إلى مستويات قريبة من مستوياتها في دول المجلس الست، والتي هي متقاربة، حيث يصل متوسط دخل الفرد في دول المجلس إلى 23 ألف دولار سنوياً، في مقابل ألفي دولار فقط في اليمن.
مثل هذا التفاوت يشكل عقبة أمام الاندماج الكامل لليمن في المنظومة الاقتصادية الخليجية، إلا أن الشق الثاني من معالجة الأزمة اليمنية يتمثل في إمكانية توسيع مجالات الدعم الاقتصادي في المرحلة الحالية لمساعدته على تجاوز الأزمات التي تعصف به، كأن يخصص صندوق على سبيل المثال لتنمية اليمن يتم من خلاله ضخ استثمارات في القطاعات الاقتصادية اليمنية لتنفيذ مشروعات حيوية وتوفير فرص عمل وتطوير القطاعات الإنتاجية والخدمية التي يتمتع فيها اليمن بأفضليات إنتاجية.
مثل هذا التوجه يمثل مصلحة خليجية، مثلما هو مصلحة يمنية، كما أنه يشبه إلى حد كبير برنامج الاتحاد الأوروبي والرامي إلى مساعدة البلدان ''المصدرة'' للأيدي العاملة المهاجرة إلى أوروبا وتنفيذ مشروعات كبيرة في بلدانها الأصلية لتوفير فرص العمل هناك، وبالتالي الحد من الهجرة الباحثة عن فرص عمل في البلدان الأوروبية، وفي الوقت نفسه تنمية هذه الاقتصاديات وإبعادها قدر الإمكان عن بؤر العنف والتوترات الاجتماعية، حيث حقق الاتحاد الأوروبي بعض النجاح في هذه التوجهات التي بدأت حديثاً.
الخروج من أزمات اليمن اقتصادية الطابع بصورة أساسية أمر ممكن، إلا أنه بحاجة لجهود إضافية داخلية وإقليمية مكملة لبعضها بعضا، خصوصاً وأن أسعار النفط تتجه للارتفاع في السنوات المقبلة، كما تشير كافة التوقعات، مما يوفر فرصة نادرة لاستغلال ثروات النفط اليمنية والمساعدات الخليجية لانتشال اليمن من مستنقع العنف والتطرف ووضعه على طريق الازدهار والتقدم الاقتصادي والاجتماعي.

 الوقت البحرينية