إذن طوى اليمنيون عهد صالح بويلاته وعذاباته، بنقله إلى المستشفى العسكري بالرياض جثة هدتها قذائف مجهول الجمعة الفائتة وعدد من أعوانه.
وفيما احتفلت الساحات والشعب اليمني بخروج صالح من اليمن عنوة إلى المملكة، صار واضحا أن بقاء صالح هناك صار ضرورة بالنسبة له وللشعب اليمني والمجتمع الدولي.
صالح الذي يخشى إن يظهر أمام كاميرات التصوير اليوم قال سابقا أنه يريد خروجا مشرفا، لكنه اليوم خرج مرغما بعد تلقيه ما لم يكن يخطر بحسبانه وفي يوم جمعة كثير ما أذاق الثوار في مثله الويلات والعذابات كما حدث مثلا في جمعة الكرامة التي أزهق فيها أرواح أكثر من خمسين ثائراً.
يحاول إعلام الحاكم إيهام الناس أن صالح سيعود خلال أيام وكأنه غادر البلد للنزهة أو إجراء فحوصات طبيعية، بعيدا عن الفعل الثوري الملتهب في الساحات والمواجهات المسلحة.
لم يعد بوسع صالح الذي سقط داخل قصر الرئاسة سوى البحث عن مخارج تقيه من الملاحقة والمحاكمة، وليس العودة لإدخال البلد في آتون حرب سيكون أول ضحاياها ايظا.
ولم يعد من المعقول العزف على عودة صالح الذي أصر على خروج غير مشرف ومذل له بعد إرتكابه جرائم حرب ومحارق ضد الإنسانية بحق شعب كل ذنبه أنه تحمله في سدة الحكم لأكثر من ثلاثة عقود.
الواضح أن "الرقص فوق رؤوس الثعابين" انتهى تأكيدا للمثل الشعبي القائل " نهاية المحنش للحنش" وهو من عرف نفسه بـ"المحنش" خلال حكمه القاسي لليمن.
مايريده صالح اليوم هو إجراء عملية تجميل وتجبير كسوره وجروحه التي أنهت جبروته وتعنته ومماطلاته لإطالة فترة تشبثه بكرسي خاصم بينه وبين الشعب اليمني المنتفض ضد الطغيان الأسري.
هو اليوم يعاني من إصابات في الصدر والرقبة واليد وحروق في وجهه ، هي جزء مما فعله بشعبه وشباب الثورة.
رقص اليمنيون وذبحوا وابتهجوا بإطاحتهم برئيس اغتصب السلطة واحتكرها وحول النظام الجمهوري إلى نظام أسري عائلي بغيض.
ما يخشاه اليمنيون هو الدور السعودي المعادي لتطلعاتهم والمتمترس ضد الثورة، إلا أن الواضح أن واشنطن والاتحاد الأوربي يسعيان لنقل سريع للسلطة، وخلق إجماع لدى الأطراف الفاعلة في الساحة على نقلها لنائب الرئيس عبدربه منصور هادي كرئيس انتقالي مؤقت.
صار صالح اليوم مطالب دوليا كمجرم حرب، بعد مطالبات لمنظمات حقوقية دولية بعدم تقديم ضمانات لصالح من المحاكمة على جرائمه بحق الشعب اليمني. خصوصا بعد إعلان شخصيات معارضة في الخارج تقديمها سبعة ملفات لجرائم حرب ارتكبها صالح بحق حقوق الإنسان في الجنوب وصعده وشباب التغيير في مختلف المحافظات.
وكذا إعلان منظمة العفو الدولية ان صالح لن يفلت “من المساءلة عن جرائم حقوق الإنسان الخطيرة التي ترتكبها قواته ضد معارضيه” الذين يصعدون من احتجاجاتهم منذ منتصف يناير الماضي.
فلم يعد الرجل المريض عدوا للشعب اليمني فحسب بل عدو للمجتمع الدولي الذي يضغط حاليا على المملكة السعودية لإقناع صالح بتقديم استقالته من الحكم.
يدفع الأوربيون والأمريكان تجاه المبادرة الخليجية التي توفر ضمانات لصالح وأقاربه من المحاكمة ، والواضح أنها تمارس ضغوطا بهذا الاتجاه.
وحسب دبلوماسيين غربيين فأن لندن وواشنطن تصران علي حث صالح علي تنفيذ اتفاق يتخلي بموجبه عن السلطة مقابل الحصول علي حصانة من الملاحقة القضائية وضمانات مالية حول مستقبله. إلا إن شباب الثورة وعبر اللجنة التنظيمية سارعوا إلى المطالبة بتشكيل مجلس رئاسي مؤقت يمثل كافة القوى الوطنية يكلف حكومة كفاءات لإدارة المرحلة الانتقالية وتشكيل مجلس وطني انتقالي يمثل الشباب وكافة القوى الوطنية ويعمل على صياغة دستور جديد يلبي تطلعات الشعب اليمني للحرية والكرامة والعيش الكريم.
ما يجب التركيز عليه اليوم هو كيف يصيغ اليمنيون مستقبلهم بعد صالح، وعليهم أيضا الإسراع بتشكيل مجلس انتقالي يضم شباب الثورة والمشترك والحراك الجنوبي، الحوثيين والشخصيات العسكرية وكافة القوى الفاعلة في المجتمع.
ما يهم الأمريكان هي التطمن على موقف البديل منهم وإمكانية التعامل معهم خصوصا في الحرب ضد القاعدة ومكافحة الإرهاب، وهو الوتر الذي يكرر صالح العزف عليه من أجل إخافتهم من البديل القادم.
البعض يقول أن بقاء نجل صالح الأكبر أحمد الذي يقود الحرس الجمهوري في القصر الرئاسي - كما نشرت وسائل إعلام – هو محاولة للضغط على الأطراف الفاعلة للقبول بالمبادرة الخليجية، لكن ما يجب وضعه بالاعتبار ما نسبه موقع التغيير لـمصادر خاصة أن صالح
استهدف بصاروخ عبر شريحة الكترونية من احد معسكرات القوات الخاصة
، وأن الاتهامات تشير لأحد أقاربه.
ما يعني أن القوات التي لايزال البعض يرى إنها عامل قوة بيد صالح وأقاربه قد تتفكك في فترة بسيطة وتنظم للثورة أو تساهم في حل تشبث صالح الجنوني بالسلطة.
وأمس الاثنين قالت الولايات المتحدة انه يتعين على الحكومة المدنية في اليمن المضي قدما في عملية انتقال ديمقراطي أثناء وجود صالح في السعودية للعلاج.
وقال مارك تونر المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية في مؤتمر صحفي إن صالح "في السعودية يتلقى علاجا طبيا. هناك حكومة مدنية مازالت موجودة في اليمن. نعتقد ان الوقت حان الآن للبدء في انتقال سلمي نحو عملية ديمقراطية."
كما نقلت وكالة رويترز عن هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية قولها إن من مصلحة اليمن سرعة نقل السلطة ورفضت التعقيب على ما إذا كان يتعين على صالح العودة من السعودية.
أحزاب المشترك وافقت على نقل السلطة إلى نائب الرئيس عبدربه منصور هادي ومن المتوقع أن يعقد لقاء خلال الأيام القادمة بين الطرفيين لمناقشة قضية انتقال السلطة سلميا.
المؤكد أن صالح هرب وان الخطوة القادمة هو البدء بالانتقال السلمي للسلطة و تشكيل حكومة كفاءات والإعداد لدستور جديد وانتخابات رئاسية خلال ستين يوما.
وما يجب أن نؤسسه للفترة القادمة هو إفشاء ثقافة التسامح وردم الشروخ التي حاول صالح ونظامه إحداثها في المجتمع اليمني.