Home Articles Orbits السيد المدير العام: إيران ليست العدو وأقلامنا ليست للبيع
السيد المدير العام: إيران ليست العدو وأقلامنا ليست للبيع
زياد ابوشاويش
زياد ابوشاويش
يبدو أن الهجوم على إيران بضاعة رائجة هذه الأيام ويتكسب منها بعض الكتاب من هذا الممول أو ذاك، ومن هذا النظام أو ذاك في ظل محاولات محموم ة لحرف المواجهة عن سكتها الصحيحة تحت دعاوي مختلفة من بلد إلى بلد ومن ذريعة هنا إلى توجيه حكومي هناك، وكله تحت إشراف وتوجيه السيد الأمريكي إن لم نقل الصهيوني.
من المفهوم أن المنطقة العربية تعيش أزمات عديدة تنقسم بين صراعات داخلية نتيجة مظالم تصنعها الأنظمة وبين تدخلات وحروب تشنها علينا الولايات المتحدة الأمريكية والعدو الصهيوني وتجد بين ظهرانينا من يساندها ويقدم لها أسباب النجاح والأمثلة كثيرة ولا حاجة لذكرها لأنها معروفة.
نجتهد كدول وقيادات وحتى الأفراد العاديين في طريقة معالجة هذه الأزمة أو تلك، ونختلف كأنظمة إلى حد التناقض في تشخيص معسكر الأعداء ومعسكر الحلفاء، لكننا نسوق آراءنا تحت دعاوى الحرص على المصلحة القومية والحفاظ على الأمن القومي العربي ويحرص الجميع على التنديد بإسرائيل وجرائمها ضدنا.
الجمهورية الاسلامية الإيرانية لها أيضاً مواقفها ورؤيتها لمعالجة أزمات المنطقة ولها تحالفاتها وصداقاتها في الوطن العربي، وهي دولة محورية ولها وزن ونفوذ لا يمكن إنكاره، وتقدم الدعم السياسي والمالي والعسكري لقوى المقاومة العربية ودول الممانعة على خلفية موقفها الأيديولوجي ومصالحها الواضحة في الإقليم وهي مصالح مشروعة لا تفرضها علينا بالقوة.
المشكلة التي يواجهها الكاتب أو المحلل السياسي أو المفكر العربي في موضوع العلاقة مع إيران تتلخص في مفهومي التطابق و التناقض المفروضين عليه قسراً وبهما تصبح إيران إما حليفاً استراتيجياً في كل شيء أو عدواً لا مناص من قتاله آجلاً أو عاجلاً وهذا لا يقدم أي خدمة للمصلحة العربية العليا بأي مقياس.
إن تناقضنا الرئيسي في المنطقة هو مع الوجود الاستعماري الذي تمثله الولايات المتحدة الأمريكية وحليفتها إسرائيل، وليس من مصلحتنا كأمة أن نحرف المعركة باتجاه إيران حتى لو كان بيننا وبينها تناقضاً في بعض القضايا لأن مثل هذا التناقض لا يعدو كونه ثانوياً ويخفف منه علاقات إيران الوثيقة مع المقاومة ودول الممانعة كما أسلفنا والدعم الذي تقدمه لها بما في ذلك موقفها من إسرائيل والوجود الأمريكي في المنطقة، وإيران دولة جارة تجمعنا بها قيم عديدة وثقافة وتاريخ يمتد لقرون منذ الفتح الإسلامي لبلاد فارس.
لا يعرف البعض منا أن العديد من القادة الإيرانيين هم من أصول عربية ويمتد نسبهم لآل البيت من بني هاشم وأنهم متعلقون بفلسطين والأقصى، وليس فقط ما يقال عن فارسية بعضهم وغلوائهم على هذا الصعيد.
كنت أعرف الضغوط التي يتعرض لها كتاب ومفكرون لتسخير أقلامهم باتجاه ما وفي خدمة سياسة معينة، لكني لم أتصور أبداً أنني يمكن أن أتعرض لمثل هذا الأمر وفي عنوان يرتبط بما تحدثنا به في التو حول إيران وموقعها في العقل العربي وكيف نشخص موقعها ودورها في المنطقة وتجاه بعض الأزمات.
منذ سنتين ونيف أكتب مقالاً أسبوعياً لصحيفة يمنية مقابل مبلغ بسيط يساعدنا في تسديد نصف أجرة البيت الذي نسكنه والأسرة، وغني عن القول أن الشأن اليمني مربك وفيه أزمات من طرازات نوعية وعلى كافة الصعد وهذا يلقي بحمل زائد على الكاتب وقد توخينا فيما نكتب وقبل كل شيء مصلحة اليمن ووحدة أرضه وشعبه وموقعه العربي وكنا ولا نزال ضد تشطيره وضد التمرد على العقد الاجتماعي والقانون وندعو للحوار بين فئاته المختلفة، ومحذرين من استشراء الفساد والمحسوبية والعقلية العشائرية لينتقل اليمن إلى الحداثة بعد عقود من التخلف والاستعمار ولم ترفض الصحيفة لنا أي مقال بالخصوص.
المعضلة التي قطعت حبل الود بيني وبين الصحيفة هو ما ذكرناه في مطلع المقال حول البضاعة الرائجة حيث طلب الأخ مدير عام وصاحب الصحيفة أن أكتب مقالاً تحليلياً بحجم صفحة كاملة أتناول فيه "المؤامرة" الإيرانية على الوطن العربي عبر تآمرهم على اليمن وكذلك أن أكشف التمدد الفارسي في المنطقة العربية وأخطار هذا على مستقبل المنطقة دون أن يزودني مدير التحرير الذي تكلم معي نيابة عن صاحب الصحيفة بأي وثيقة أو دليل يثبت ما يدعيه بهذا الخصوص. فقط كان هناك تصريح للرئيس اليمني علي عبد الله صالح يتهم فيه إيران بالتدخل في شؤون اليمن وبأنها تدعم الحوثيين، ومطلوب منا ككتاب أن نؤيد هذا ونروج له وإلا قطع عنا ما تعطيه لنا الصحيفة كأننا مرتزقة أو مستخدمين عندها، والحقيقة أنني شعرت بالغضب والاشمئزاز من ذلك ولا أزال رغم مضي ثلاثة أسابيع على هذا.
إن جرأة السيد المدير العام في طلب كهذا يمكن فهمها تجاه موظف برتبة كاتب لديه على مخالفتها لكل قواعد حرية الرأي والتفكير بل والأخلاق، لكنها جرأة خارج الأصول وتسمى وقاحة حين يكون هكذا طلب شرطاً لاستمرار الكتابة في الصحيفة لأن الجواب سيكون كما قلته لهذا المدير الذي يعتقد مخطئاً أن هكذا طلب يجعله أصدق في وطنيته وحبه لليمن مني أو من أي كاتب يحترم عقله ولا يبيع مواقفه بأي ثمن مهما بلغ هذا الثمن، وحتى نوضح الأمر بهذا الخصوص نقول أن أي كاتب أو محلل سياسي معرض لارتكاب خطأ في رؤيته لمشكلة ما أو أزمة ما نتيجة نقص في المعلومات أو عدم اتضاح الرؤية من زاوية محددة، لكن ذلك لا يبرر لأي إنسان كائناً من كان التعامل معه بخفة أو ازدراء أو استخدام المال في لي ذراعه.
لقد قلت في الرد على هذا الموقف الكريه كلاماً تم نقله للرجل وملخصه أنه لو كنا ممن يبيعون أقلامهم فربما حصلنا ممن تريدون الهجوم عليهم على أضعاف ما نأخذه منكم وبذات الأقلام التي نكتب بها عندكم.
متى نفهم أن التعبير عن حب الوطن والحرص على سلامته لا يأخذ أي شرعية من خلال الافتئات على حرية الناس وحقوقهم، أو كراماتهم، أو قمع الرأي الآخر والاستخفاف به.. والكتاب في طليعة الناس.
[email protected]
______________
نقلا عن دنيا الوطن