Home Articles Orbits إعاقة هيكلة الجيش.. محاولة لإشاعة الفوضى
إعاقة هيكلة الجيش.. محاولة لإشاعة الفوضى
عادل عبدالمغني
عادل عبدالمغني
 

وفق المعطيات على الأرض لا يزال الاستقرار بعيدا عن اليمن الذي يحتاج لخطوات هامة وعديدة لتجاوز حافة الهاوية التي يسير عليها البلد منذ أمد بعيد. وعلى الرغم من اختيار رئيس توافقي جديد خلفا لصالح الذي أطاحت به الثورة الشعبية المستمرة منذ أكثر من عام، إلا أن البلد لا يزال يعيش حالة من الانقسام السياسي التي تتسع فجوتها يوما بعد آخر، بالتزامن مع انقسام آخر داخل المؤسسة العسكرية والأمنية.

وفضلا عن ملفات اقتصادية واجتماعية شائكة يعيش اليمن وسط حالة من الانفلات الأمني المخيف والفوضى العارمة التي استغلت من قبل عديد أطراف بتشجيع وتعاون من قبل بقايا النظام السابق لممارسة العبث بمقدرات ومكتسبات البلد المادية والبشرية، ووصل الأمر حد احتلال ألوية عسكرية بكامل عتادها وتنفيذ مذابح بشعة بحق الجنود هي الأسوأ في تاريخ اليمن الحديث، وهي الحادثة التي شهدتها محافظة أبين الجنوبية حين تمكن مسلحون يزعمون انتمائهم لتنظيم القاعدة من قتل نحو 185 جنديا وجرح أكثر من مائة آخرين فضلا عن اختطاف العشرات والسيطرة على عتاد عسكري ثقيل بينها دبابات وراجمات صواريخ، في حادثة لا تزال تثير الكثير من علامات الاستفهام حول الملابسات ودلالات التوقيت مثلما تثير المخاوف من تكرار مثل هذه السيناريوهات المفجعة التي يسعى من يقفون وراءها إلى انهيار القدرات العسكرية لليمن وتحول المؤسسة العسكرية من جيش نظامي إلى عصابات مسلحة تنتهي بالبلد إلى حرب أهلية وهو السيناريو ذاته الذي شهده الصومال عقب رحيل نظام محمد زياد بري.

وأمام كل ذلك يعلق اليمنيون آمالهم للخروج باليمن من نفقه المظلم على الحوار الوطني المرتقب كنتيجة طبيعية عقب اندلاع الثورة شعبية وذلك للاتفاق من قبل كافة القوى على الملامح المستقبلية للدولة وشكل النظام السياسي وصياغة دستور جديد، إلا أن مؤتمر الحوار الوطني الذي لم يحدد موعد انعقاده بعد، لا يزال يصطدم بعديد ملفات شائكة ومهام جسام تحول دون انعقاده على المستوى القريب، كما أن الشروع بحلحلة بعض القضايا التي من المفترض أن تسبق انعقاد مؤتمر الحوار ربما قد تجلب للبلد أزمات طارئة ومفتعلة وقد تفضي إلى إعلان بعض الأطراف والقوى مقاطعتها مائدة الحوار.

وبالنظر إلى ابرز اللاعبين السياسيين في البلد تبدو فرص نجاح الفرقاء في التوجه للحوار الوطني محدودة، في ظل العلاقة المتوترة بين المؤتمر الشعبي العام و أحزاب اللقاء المشترك التي رفضت بقاء صالح رئيسا لحزب المؤتمر واعتبرت ذلك خرقا للتسوية السياسية، مثلما رفضت الدخول في مؤتمر الحوار قبل الشروع بهيكلة الجيش على أسس وطنية وفق معايير الكفاءة والمهنية على اعتبار أن ذلك عامل مهم لتهيئة الظروف والمناخات لانعقاد الحوار الوطني، وهو الموقف ذاته الذي أعلنه شباب الثورة كشرط لمشاركتهم في جلسات الحوار.

ومن هنا يمكن القول أن هيكلة الجيش من ابرز القضايا الخلافية التي قد تؤخر انعقاد مؤتمر الحوار الوطني إلى اجل غير مسمى كما أنها قد تطيح بحالة التوافق الوطني القائمة – شكليا – بين المشترك والمؤتمر ، خاصة وان هذا الأخير يرى أن هيكلة الجيش ضمن القضايا التي يجب وضعها على طاولة الحوار والخروج برؤية واضحة إزاءها ومختلف القضايا الأخرى، وهو المنطق الذي يتنافى مع نصوص المبادرة الخليجية واليتها التنفيذية التي تقول أن هيكلة الجيش من أولويات المرحلة الانتقالية الثانية التي بدأت عقب انتخاب الرئيس الجديد.

والحقيقة انه لا معنى للحوار في ظل اختلال موازيين القوى الذي يحدثه استمرار خضوع الجيش لسيطرة أبناء صالح وأقربائه، الأمر الذي يفرغ الحوار الوطني من محتواه ويجعله حوارا تحت تهديد السلاح، كما يجعل القضايا والرؤى التي يخرج بها المتحاورون مرهونة بقدرة القيادة السياسية الجديدة على تنفيذها مسنودة بمؤسسات وطنية موحدة خاضعة لسيطرتها وهو ما لا يمكن تحقيقه دون هيكلة الجيش على أسس وطنية تحت قيادة موحدة.

كلفة باهظة

والمؤكد أن هيكلة الجيش قضية معقدة لكنها مهمة للغاية، والمخاوف من أن تكون هناك كلفة باهظة تصاحب عملية الهيكلة ما لم يتم التعامل مع هذا الملف بدرجة عالية من الحذر الذي قد يتطلب اللين أحيانا والشدة أحايين أخرى، وهو ما كشفته المجزرة البشعة التي ارتكبت داخل ألوية عسكرية في محافظة أبين والتي من الواضح أنها جاءت ردا على إبعاد هادي لقائد المنطقة الجنوبية العميد مهدي مقولة الذي يعد من ابرز القادة العسكريين الموالين لصالح، وهي الرسالة ذاتها التي تكررت عبر تفجير طائرة عسكرية داخل قاعدة الديلمي الجوية المجاورة لمطار صنعاء الدولي، وتحميل تنظيم القاعدة مسؤولية الحادثة بينما هي في الحقيقة ردا على احتجاجات ضباط وأفراد سلاح الجو المطالبين بإقالة قائد الدفاع الجوي محمد صالح الأحمر وهو الأخ غير الشقيق لصالح.

وهنا لا يمكن إنكار وجود تنظيم القاعدة في اليمن الذي من المؤكد انه استفاد من حالة الفوضى التي عاشها اليمن طوال العام الماضي ووجد في ذلك بيئة خصبة للنمو والتكاثر عبر الاستقطاب وجلب مزيد من الأعضاء الجدد، إلا أن ما لا يمكن إنكاره أيضا أن هناك تواطؤ أو تسهيل من أي نوع كان - وفق ما يؤكدوه مراقبون - بين محسوبين على النظام السابق وتنظيم القاعدة.

والمتابع للتفجيرات الأخيرة المنسوبة لتنظيم القاعدة سيلاحظ أنها تركزت في معسكرات الحرس الجمهوري التي يقودها النجل الأكبر لصالح العميد احمد علي عبدالله صالح والأمن المركزي بقيادة نجل شقيق صالح العميد يحيى محمد عبدالله صالح وكذا القاعدة الجوية التي يقودها الأخ غير الشقيق محمد صالح الأحمر، وهي بالمجمل تبعث رسائل عدة للداخل والخارج في آن. وعدا إرباك القيادة الجديدة في البلد وثنيها عن هيكلة الجيش و التحضير لمؤتمر الحوار الوطني وإشغالها بالقضية الأمنية عن ما سواها من القضايا، يسعى من يقفون وراء مثل هذه العمليات لإبقاء القوة الضاربة في البلد بيد أقرباء صالح كما يسعون إلى تحقيق نبوءة هذا الأخير التي تحدث عنها في الأشهر الأولى من عمر الثورة الشعبية حين حذر بأن سقوط نظامه سيمكن تنظيم القاعدة من فرض سيطرتها على مناطق مختلفة من البلاد وهو ما حاول تأكيده قيادي في حزب المؤتمر الذي قال الأسبوع الماضي أن سيطرة تنظيم القاعدة امتدت من محافظة أبين غربا حتى حضرموت شرقا.

وللخارج يحاول من يقفون وراء العمليات المنسوبة لتنظيم القاعدة إشعار المجتمع الدولي وتحديدا الولايات المتحدة الأمريكية أن الحرب على الإرهاب مستمرة في اليمن بل وفي اشد مراحلها على الإطلاق، لتكون الحاجة ماسة لبقاء قادة الوحدات المختصة لمكافحة الإرهاب في اليمن وهي الوحدات التي يقودها احمد صالح ويحيى صالح إلى جانب العميد عمار محمد عبدالله صالح الذي يقود جهاز الأمن القومي في البلد، غير أن كل ذلك حتما سيصطدم بعزم الثوار القادرون على إسقاط كل المشاريع العائلية والمحاولات المستميتة لإعادة إنتاج النظام السابق مثلما استطاعوا إسقاطه بإرادة لا تلين وعزم ابهر العالم اجمع.