Home Articles Orbits 13 مليار من أجل القضاء على الدولة!
13 مليار من أجل القضاء على الدولة!
أحمد شوقي أحمد
أحمد شوقي أحمد

بعد عدة أيام من المماطلة.. "الجمهورية" تنشر مقالتي "13 مليار للقضاء على الدولة" مبتورة ومشوهة بعد أن تم العبث بمحتواها وقص أجزاء منه.. دون الرجوع إلى الكاتب أو استشارته..

وها أنا أعيد نشر المقالة كاملةً مع ألمي الشديد لهذا التصرف المخالف لأعراف المهنة، والذي يحدُث بعد قيام "ثورة" وتغيُّر خطّ الصحيفة الذي يبدو أنه لصالح طرف واحد فحسب!

التوليفة التي تقوم عليها السلطة اليمنية بتصريفاتها الثلاثة التشريعية والتنفيذية والقضائية توليفة مُعقدة ومُبـَكترة.. وقد لا يكون المرء متجاوزاً للموضوعية لو قال متعفنة!

غير أنّ الأشد وجعاً هو ما يحدُث في مجلس النواب، الذي يفترض أن يُعبِّر عن صوت الشعب وأن يكون أداته لمتابعة ومراقبة عمل السلطتين الأخريتين.. هذا المجلس الذي قدم أقوى العروض المسرحيَّة الهُلامية على خشبة مسرح المُزايدات الرخيصة التي تمتلئ بها البلد، والذي أصبحَ فيه "المجلس الموقر" مدرسة يُعتدّ بها في تصدير هذا الجنس الرديء من السلوكيات السياسية اللاأخلاقية ليثبت سابقاً وتالياً أنهُ بالثورة أو من دونها فإنه سيؤدي رسالته بإخلاص في تدمير الدولة والمجتمع ككل..

فضيحة اعتماد البرلمان لـ 13 مليار ريال كمخصص لما يُسمى بـ "المشايخ" ضمن ميزانية الدولة لعام 2012م هو إعلان حربٍ واضح وصريح على "الدولة المدنية الحديثة" التي مثلت الشعار الأبرز والهدف الأول للثورة الشبابية الشعبية، وهو انكار مُعلن لوجود ثورة في طول هذا البلد وعَرضه، ومن يتبرع لتبرير جناية مجلس النواب في حق الشعب بهذا الإقرار هو يقول عملياً أنه ضد هذه الثورة، فمهما كانت المبررات المسنودة على فكرة "لا نريد صداماً مع النافذين والمشايخ" فإن قبول هذا التبرير ببساطة يعني أنّ الثورة لم تقم بعد لأن الثورة لا تُرائي ولا تنافق ولا تعرف المُجاملات..!

ويسحب اقرار مجلس النواب – الذي لا أفضل شتمه – نفسه على جملة من القضايا نُجملها كالتالي:

- أن هذا المجلس المقرون زوراً وبُهتاناً بالشعب والمُوصَّف كممثل له، لا يمثل الشعب تمثيلاً حقيقياً ولا نصف حقيقي حتى، ولا يعدو عن كونه بأغلبيته مجلس وجاهات ومشايخ ونافذين أكثرهم يمكن وضعهم في خانة المتمردين على سلطة الدولة والرافضين لها ومُمارسي الانتهاكات بحق المواطنين، وناهبي الأموال، والخارجين عن القانون! ويشبه الى حدٍّ بعيد مجالس الأعيان في الإمبراطوريات اليونانية القديمة، والتي تزعم تمثيلها للشعب كذباً..

- هذا المجلس بلا شرعيَّة أصلاً، ولا حاجة لتفنيد هذا الموضوع كونه أصبحَ مفروغاً منه، ودوره "الإطفائي" الذي تم التوافق عليه بين الأحزاب السياسية ودول الخليج لا ينبغي استثماره في إهانة اليمنيين الذين يتفق أغلبهم بغض النظر عن تأييدهم للثورة الشعبية من عدمه على ضرورة تحقق مطلب الدولة المدنية الحديثة وهو ما يتصادم شرطياً مع دعم سلطة المشيخ المناهضة لسلطة الدولة!

- القبيلة شكل من أشكال ما قبل الدولة، وخلال تجربة اليمن المُرَّة لقرونٍ مضت، دخلت الدولة في صراع وجودي مع القبيلة، لا كمكون اجتماعي فاليمنيين في شتى ربوع البلد ينتمون الى قبائل سكنت هذه المنطقة وأثرت في تاريخها، لكنّ تطور دور القبيلة من مكون اجتماعي الى مكون سياسي في ظل وجود حكومة مركزية خلال العقود الماضية جاء على أنقاض هذه الحكومة والبلد الذي تمثل فيه السلطة التنفيذية المخولة بإدارة موارده ومواطنيه، وهذا يعني أن أي نظام قادم يحمل مشروعاً وطنياً حقيقياً سيتحتم عليه أن يقلص من دور القبيلة السياسي ومن تأثيرها كسلطة ومن استخدامها لمقدرات الدولة في تعزيز الولاءات الصغيرة وغير العادلة، والخارجة على الدستور والقانون، وهذا يأخذ الى ضرورة تقليص نفوذ "الشيخ" الذي يمثل رأس الحربة في سلطة القبيلة المتعارضة مع سلطة الدولة، وعملياً يحدُث ذلك اما من خلال احتواء المشايخ "بشكل قانوني" كموظفين مع الدولة لا بصفتهم المشيخية وإنما بصفتهم الوظيفية المتناسبة مع تخصصاتهم العلمية، أو في حال كانوا غير مؤهلين للعمل الحكومي فعليهم أن يخضعوا لما يخضع له عامة الشعب، وبالإمكان أن يبدءوا مشاريعهم التجارية الخاصة والقانونية، فالعدالة يجب ان تسري على الجميع دون تمييز بأي صفة من الصفات..!

وفي حالة عدم تكيف هؤلاء المشايخ مع هذا فيجب اخضاعهم للقوانين الحاكمة وآلياتها النافذة.

- عدد كبير من مشايخ القبائل والمناطق والأعيان والوجاهات والنافذين المستفيدين من هذه المبالغ متهمون بممارسات خارجة عن القانون كامتلاكهم سجوناً خاصة بهم، ورفضهم لبسط سلطة الدولة في مناطقهم، وقيامهم بأعمال تعذيب وقتل ونهب لأملاك المواطنين، واستعبادهم، وسلب حريتهم، اضافة الى أدوارٍ سلبية من خلال تأثيرهم أو مواقعهم داخل بنية الدولة فبدءً من تدخلهم في تعيين كبار موظفي الدولة من الوزراء فأقل؛ عبر مُحاصصة مناطقية وقبلية مقيتة، الى نهب المال العام، والبسط غير القانوني على ممتلكات الدولة والمواطنين - بعضها كان بتوجيهات من رأس النظام السابق وأحياناً بدون توجيه – إضافة الى مصادرة مقدرات بعض المؤسسات والاستيلاء عليها، والمُحاصصة في الجيش؛ من خلال الدفع بعناصر ممن يدينون لهم بالولاء فوق القانوني للعمل داخل القوات المسلحة والأمن، ونهب عائدات النفط و... الخ، ورُغم ان الوثائق التي تثبت ذلك لم تظهر بعد، الا أن مثل هذا الكلام يتم تداوله على نطاق واسع لدى نخبة من الإعلاميين والسياسيين والقريبين من مصدر القرار، بل وحتى شعبياً وجماهيرياً..! وهذا بدوره يحمل حكومة الوفاق الوطني ومجلس النواب عاراً تاريخياً لن يُمحى؛ فحين كان مفترضاً على حُكومة صاعدة من ظهر الثورة ومحمولة على هودجها أن تقوم رفقة الأجهزة المختصة بعمل تحقيقات جادة وواسعة في هذه الاتهامات، وإحالة من يتم ادانتهم بأي قضية الى المحاكمات العادلة والسريعة لتُصدر الأحكام الناجزة والمنصفة بحقهم احقاقاً للحق ، لا أن تخصص كل هذه المليارات لمشايخ بعضهم خارجين عن القانون وآخرون يرفضون سلطة الدولة أويمالؤون في ذلك!

- تحت أي مبرر تدفع الحكومة للمشايخ كل هذه المبالغ في الوقت الذي تتملص من دفع رواتب موظفيها منذُ ما يقرب من سنة، وتتحايل على المطالبين بالتثبيت، وتتجاهل الاحتياجات التنموية الملحة للناس في عموم المناطق، ثم في نفس الوقت تجمع التبرعات لأسر الشهداء ولمعالجة الجرحى! وترفع الدعم عن بعض السلع، وتتلكأ في الإيفاء بالتزاماتها تجاه الناس الذين طفح كيلهم من الوضع الصعب والمأزوم الذي يعيشون فيه؛ حيثُ البطالة والفقر وغياب الخدمات والجهل وسوء الحالة التعليمية، والفساد وشح الإمكانات في الصحة وغياب المشاريع التنموية الملحة، وبدلاً من أن تقدم الحكومة وبمعاونة من البرلمان على اعتماد خطة تنموية استراتيجية وطموحة يتم تنفيذها باستنهاض الحركة الشعبية المؤازرة نحو عملية تنموية شاملة ومتصاعدة، تقوم بتبذير 13 مليار ريال كرواتب لأشخاص بعد كلّ ما قلناه فيهم، هُم عملياً ضمن فئة "العاطلين" الا عن أعمالهم الخاصة ومشاريعهم الغامضة!

اجمالاً: ينسى أعضاء حكومة الوفاق والبرلمان أنهم لولا الثورة الشبابية الشعبية العارمة لما كانوا في مواقعهم الحالية، وأن الثورة التي كان لها الفضل في تواجدهم هذا أولى بأن تُتبع وأن يُرد لها الجميل بأحسن منه، لا أن تُهان ويُلغى ما تبقى من شرعيتها عبر هذا الإقرار الجائر، والنهب المفضوح من أموال الشعب المسنود بخلفية تقليدية وربما قانونية مشوهة ومسيئة لأخلاقيات العمل الديمقراطي والسياسي والإداري والوطني والاجتماعي وحتى الإنساني..!

يجب أن يستعيد الشباب ثورتهم المنتهكة، أو أن يقيموا ثورةً أخرى، أكثر صراحة وجدية وقوة في التعبير عن نفسها، وأبنائها وأهدافها الإنسانية النبيلة..