هناك خشية واسعة من أن يضرب الإحباط فرص التغيير الديمقراطي الحقيقي في بلادنا الذي جاءت به ثورة فبراير، واقتصار الأمر على تسويات داخل التسوية السياسية التي قدمتها المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، مع استمرار انقسام الجيش, وتراجع مطالب هيكلته قبل الشروع في الحوار الوطني.
والحاصل اليوم, أن بدت رسائل مختلفة، تعبيراً عن شوق جارف في صوغ مستقبل البلاد وفق سياسات لا نزال نعيش آثارها الكارثية حتى اللحظة.
من تلك الرسائل أن البعض أخاط لنفسه ثياباً جديدة، وفق مقياس غير تصالحي مع ضحايا الصراعات السياسية بالإصرار على اقتصار القانون المسمى "بالعدالة الانتقالية" على الفترة من 90 وما بعدها حتى ثورة فبراير, أو حصرها بعام الثورة فقط, مع أن الحصانة منحت لـ( صالح) من بداية حكمه.
والسؤال لماذا تستثنى حادثة اغتيال رئيس دولة بحجم الشهيد إبراهيم الحمدي عام 1977م؟ ولماذا يتم تجاهل أحداث 13 يناير 1986م, والقفز على شهداء حركة 15 أكتوبر 1978م, وإغفال أعمال الاختفاء القسري لشخصيات وطنية كالرائد علي قناف زهرة؟ وماذا عن حادثة 73م في عدن, والأحداث المشابهة لها منذ 1962م؟
كل هؤلاء ضحايا صراع سياسي.. أليسوا بشراً ويمنيين أيضاً؟!
صحيح أن القانون لا يزال مشروعاً, لكن إصرار البعض على تسويق المقاس التسعيني للقانون, ووصفه العدالة الانتقالية وفقاً للمشروع بالعدالة (الاستثنائية) لا يخدم التوافق ولا أهداف الثورة في معالجة وإنهاء آثار الصراع السياسي.
ولذلك, من الطبيعي أن التنظيم الناصري, امتنع عن شكر أياً كان على الإجراء الذي حواه مرسوم لجنة الاتصال, وأصدره رئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي مطلع الجاري لأسباب ليس فيها, بالتأكيد تجاهل تمثيله في اللجنة كما يثير ذو الأهواء.
لسنا نريد التذكير بمآسي الوطن وكوارث الحكام طيلة أربعة عقود من حكم الشطرين سابقاً, والذي نال فيها الناصريون الحظ الأوفر من القتل والتنكيل والملاحقات والحرمان الوظيفي والإقصاء السياسي، ما نريد قوله، إن شهداء التنظيم الناصري ليسوا من شهداء المصادفة الذين فاجأهم الموت في قصف عشوائي, أو برصاصات طائشة، بل قدموا أرواحهم بجسارة من أجل عزة وكرامة ووحدة واستقلال هذا الوطن، سواء قبل الوحدة أو أثناء الثورة الشبابية الشعبية السلمية, وتنظيمهم جزء أصيل وأساس في الحركة الوطنية.
ولا يعني بأي حال من الأحوال الصمت عن إثارة موضوع الشهداء العظام, أنهم أصبحوا جزء من الماضي, بل لأن الوقت الآن لاستعادة الوطن المخطوف من قبل العائلة، ومسألة بناء مؤسساته مسؤوليتنا جميعاً.
تبقى الإشارة إلى أن الأحداث قست كثيراً على شعبنا, كما أن المستقبل ليس واعداً بفعل المحطات الرهيبة التي عاشها, وأقل ما تستحقه بلادنا المثقلة بالحكم التسلطي والاستبدادي الفردي جرعة ثقة بقدرة قوى التغيير وعلى رأسها المشترك المشارك في حكومة الوفاق الوطني على إنجاز أهداف الثورة الشبابية الشعبية السلمية, والشروع بصفة الجمع لإنجاز بقية المرحلة الانتقالية.
اللقاء المشترك يمثل بارقة أمل أنجز شيئاً ولا زال مطلوب منه الكثير في لملمة أشتات الوطن، وهو قبل ذلك تحالف قوى سياسية قائمة على أساس شراكة وندية, ليس جمعية خيرية، بل هو أيضاً كيان سياسي مكون من مجموعة أحزاب بمجموعها ليس فيه صغير أو كبير, أو أقليِّة وأغلبية, ولا يجوز الاستخفاف بهذا الكيان السياسي, متى ما تحققت أول مصلحة لطرف. فمثل هذا يضرب الوفاق!