Home Articles Reports مجزرة السبعين.. الرسائل والدلالات
مجزرة السبعين.. الرسائل والدلالات
عادل عبدالمغني
عادل عبدالمغني

بوجه شاحب وملامح حزينة ومنهكة حلت الذكرى الـ22 للوحدة اليمنية التي يأبى البعض إلا أن يربط ذكراها بمزيد من الدم اليمني المراق. 

الوحدوي نت

وكما لو أن السكون الذي عاشته صنعاء خلال الأشهر القليلة الماضية كان بمثابة ذاك الذي يسبق العاصفة، صحت العاصمة الاثنين الفائت على وقع انفجار مهول هز أرجائها وذكر ساكنيها بأعمال العنف والدمار التي شهدتها المدينة طيلة أشهر العام الماضي. وسرعان ما اكتشف الجميع فداحة الكارثة وبشاعة التفجير الانتحاري الذي شتت أشلاء نحو 100 جندي وأصاب 300 آخرين أثناء تأديتهم للبروفات الأخيرة للعرض العسكري الاحتفائي بعيد الوحدة صبيحة اليوم التالي الذي كانت فيه صنعاء على موعد آخر مع جريمة لا تقل بشاعة عن الأولى حين استعد انتحاريان لتفجير نفسيهما أثناء مرور حافلات تقل طلاب الكليات العسكرية للمشاركة في العرض العسكري، لولا أن أجهزة الأمن تمكنت من إحباط الجريمة قبل وقوعها بدقائق معدودة.

ولا تؤكد هذه التطورات اللافتة ارتفاع منسوب الإرهاب الموجه وحسب، بل تكشف عن مدى الانهيار الأمني في البلد الذي يتزامن مع انهيار اقتصادي وآخر سياسي وجميعها تقلل من فرص نجاح النظام الجديد المثقل بتحديات نقل السلطة.

وعلى المستويين الزماني والمكاني يحمل التفجير الانتحاري الذي وقع بميدان السبعين المحاذي لدار الرئاسة رسائل عدة لأطراف عدة ربما في مقدمتهم الرئيس التوافقي عبدربه منصور هادي الذي على ما يبدو فهم الرسالة لكنه لم يستجيب أو يستسلم لها، وعلى العكس من ذلك أصر هادي على إقامة الاحتفال في موعده مع تغيير المكان وتقليص عدد المشاركين.

وكرد عملي على من حاولوا إعاقة احتفال اليمنيين بعيد الوحدة مع رئيس جديد لأول مرة منذ التئام وحدتهم العام 1990م، اصدر هادي قرارات عدة بعد ساعات قليلة من وقوع التفجير، قضت بإقالة ثلاثة من أهم القيادات الأمنية الموالية للرئيس المخلوع من بينهم نجل شقيقه عمار محمد عبدالله صالح الذي يقود جهاز الأمن القومي، إلى جانب قائد قوات الأمن المركزي الذي كان أشبه بالقائد الصوري لقوات الأمن المركزي التي يديرها فعليا أركان حرب الأمن يحيى محمد عبدالله صالح وهو أيضا نجل شقيق صالح، فضلا عن إقالة قائد قوات النجدة واستبداله بأحد القادة المؤيدين للثورة الشبابية. كما أن هادي أوكل مهمة تأمين احتفال العيد الوطني الذي حضره مع عدد من قيادات الدولة والأحزاب إلى جهاز الأمن السياسي خلافا للمعتاد في إيكال مثل هذه المهام لجهاز الأمن القومي.

وحملت هذه القرارات اتهامات مباشرة وجهها هادي لصالح وقيادات أمنية موالية له بالوقوف أو التواطؤ والتسهيل لوقوع المذبحة العسكرية التي أثارت حزن وسخط اليمنيين كافة، وكادت أن تعيد بالأزمة اليمنية إلى مربعها الأول، الأمر الذي دفع بمبعوث الأمين العام للأمم المتحدة جمال بن عمر إلى زيارة صنعاء دون ترتيبات مسبقة في محاولة منه لاحتواء تداعيات الأزمة السياسية والأمنية المتفاقمة جراء العملية الانتحارية التي أصابت جهود التسوية السياسية بتصدعات كبيرة، غير أن المبعوث الاممي غادر صنعاء الأحد منزعجا بعد أن فشلت جهوده في إقناع صالح وعائلته ومقربيه من إنهاء التمرد العسكري على قرارات الرئيس هادي واستمرار السيطرة على احد ألوية الحرس الجمهوري وعدم السماح للقائد الجديد الذي عين قبل أسابيع بالدخول لاستلام مهامه وفق القرار الجمهوري الصادر بهذا الخصوص. ورغم المرونة وطول البال التي اتسم بها السيد جمال بن عمر منذ تسلمه للملف اليمني إلا أن صبر الرجل وصل إلى منتهاه على ما يبدو في التعامل مع صالح وعائلته الذين منحهم بن عمر فرص عدة لإنهاء حالة التمرد والعودة إلى حظيرة الشرعية الدستورية التي يتمثلها الرئيس هادي. وهي الفرص التي لم يلتقطها بعض أقرباء صالح ما دفع مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى التوجه مباشرة من صنعاء إلى نيويورك وتقديم تقريره إلى مجلس الأمن الدولي لاتخاذ قرارات رادعة وحاسمة تجاه المتمردين خلال الجلسة التي عقدت في التاسع والعشرين من الشهر الحالي لمناقشة تداعيات الملف اليمني والتي ارتفع فيها حدة الخطاب الدولي تجاه المتمردين بشكل لافت.

تمدد جغرافي للإرهاب

لم تهدأ دوي الانفجارات الانتحارية بعد، كما لم يجف شلال الدم اليمني المسكوب في أكثر من منطقة. ومثلما انتقلت العمليات الانتحارية من الجنوب إلى العاصمة صنعاء، وصلت إلى أقصى الشمال وشهدت محافظة صعدة الجمعة الماضية تفجير انتحاري بالقرب من تجمع للحوثيين الذين نجوا من الحادثة لكنهم لم ينجو من حادثة أخرى وقعت في نفس اليوم عندما اقتحمت سيارة مفخخة يقودها انتحاري إحدى المدارس بمحافظة الجوف كانوا يتواجدون فيها وانفجرت مخلفة نحو 18 قتيلا بينهم طفل وامرأة وعدد آخر من الجرحى.

وفيما اتهم الحوثيون أجهزة الاستخبارات الأمريكية بالوقوف وراء الحادث، اعتبرت وسائل إعلام أمريكية وخبراء عسكريين التفجيرات التي شهدتها العاصمة صنعاء وعدد من محافظات الشمال تحمل بصمات تنظيم القاعدة في اليمن الذي اثبت قدرته على التمدد جغرافيا ونقل المعركة من الجنوب إلى الشمال واختراق المرافق الأمنية والعسكرية الأكثر تحصينا، بل والوصول إلى فناء القصر الجمهوري، بينما ذهب آخرون للقول إن التفجيرات الأخيرة تدشين لبدأ مرحلة جديدة من الانتقام والتصفيات بين المتصارعين السياسيين خاصة في ظل بقاء أجهزة أمنية وعسكرية خارج سيطرة رئيس الدولة وتدين بولائها للرئيس المخلوع.

الدعم المطلوب

المؤكد أن هناك محاولات مستمرة ومستميتة لجر اليمن نحو الاقتتال والفوضى والحيلولة دون نجاح المرحلة الانتقالية، يقابلها على الطرف الآخر إرادة سياسية وشعبية للوصول بالبلد إلى بر الأمان، وهو التوجه المعزز بالدعم الإقليمي والدولي الذي يمني اليمنيون النفس بان يتجاوز هذا الدعم حالة التنظير والكلام إلى التنفيذ والفعل، وهو ما لم يلمسوه في مؤتمر أصدقاء اليمن الذي عقد مؤخرا بالعاصمة السعودية الرياض الذي لم يكن أكثر سخاء من مؤتمر المانحين بلندن 2006.

ومن جملة 10 مليار دولار تطلعت إليها الحكومة اليمنية من مؤتمر الأصدقاء انفض هذا الأخير عن أربعة مليارات دولار ثلاثة أرباعها قدمتها السعودية فيما لم يتجاوز دعم دول كبرى عشرات الملايين من الدولارات كما هو الحال ببريطانيا التي اعلنت عن دعمها لليمن بمبلغ 44 مليون دولار فقط ربما لن تصل بفعل الإجراءات التكنوقراطية المعقدة.

وباستثناء وعد الأصدقاء بمؤتمر جديد للمانحين تستضيفه الرياض نهاية الشهر المقبل فان فرص انتشال اليمن من شبح الانهيار الشامل ضئيلة ومحدودة.