ماجد المذحجي
حتى الان لم تنجح السعودية في القضاء على ميليشيا الحوثي المتسللة إلى داخل حدودها كما تردد الحكومة ووسائل الإعلام السعودية، ولكنها نجحت في شأن آخر على الأغلب: تحويله من قائد ميلشيا إلى ما يشبه حارس للكرامة اليمنية على الحدود الشمالية، خصوصاً حين تصبح السيادة أمراً ساقطاً من الحسابات الرسمية اليمنية في مواجهة الشقيقة الكبرى كما يبدو عليه الأمر!
يثير هكذا تقدير قدراً كبيراً من الحساسية الرسمية حين يضعها في موقف المتخلي عن اعتبارات الكرامة والسيادة الوطنية، ولكنه ضمنياً ينسحب على إحساس الكثير من اليمنيين مازالت السعودية تحضر بالنسبة لهم كطرف غير نزيه فيما يتعلق باليمن، وحيث هي المتصرف السري السيء بمصير هذه البلاد لفترات طويلة كان فيها طموح اليمنيين ببلد محترم وذو استقلالية في قرارها ومصيره يجابه بالنفوذ السعودي المسكون بوصية مؤسسها عبدالعزيز لأولاده "خيركم من اليمن وشركم من اليمن".
لم توفر السعودية أسباباً لغير هكذا تقدير في إدارتها على معركتها على الحدود اليمنية وداخلها، حيث يصبح الحق السعودي في التصرف لحماية نفسها متعدياً أي اعتبارات، وبسهولة يصبح من حق قواتها أن تقصف دون تمييز، وبأكثر الأسلحة حداثةً وفتكاً ودماراً، القرى اليمنية متسببة بمقتل الكثيرين دون أي تمييز كانوا حوثيين أم مواطنين مغلوبين على أمرهم، وحين يصبح من حق القوات البحرية السعودية حصار ميناء ميدي اليمني، ضمن المياه الإقليمية اليمنية، لاعتبارات أمنية تتعدى الحصار لاحقاً لتصل إلى قصف قوارب الصيادين ومؤخرة الميناء بالطائرات دون أدلة على أي تهريب للسلاح وفق التبرير الشائع، وهكذا فأن الحاصل في كل ذلك حين يخص السعودية آن لا كرامة لليمنيين حتى في أرضهم بمواجهتها!
تتحدث شكاوي كثيرة، وإشاعات غير مؤكدة حتى الان، عن نقل معتقلين يمنيين من الذين يدخلون تهريبا للعمل للسعودية إلى خطوط المعارك، وعن اعتقالات دون تمييز للاجئين اليمنيين في السعودية، حيث الضرورة كما يبدوا تقتضي وجود أسرى حوثيين يجب توفيرهم بأي طريقه أو ثمن حفاظاً على كرامة الجيش السعودي في معركته الظافرة ضد "المتسليين"، وهنا لا يصبح مهماً التمييز بين مواطنين منكوبين في هذه الحرب أو مقاتلين فعليين، ففي الأخير ينتمي الاثنين لبلد لا يستطيع حماية مواطنيه، بينما يجب حماية الكرامة السعودية بأي ثمن، وهي كرامة يبدو أن وقودها دماء اليمنيين فقط في هذه الحرب.
يزداد الوضع تدهوراً بالنسبة للمواطنين اليمنيين على الحدود مع السعودية، والتي تفاقمت مع دخول الأخيرة طرفاً في حرب صعدة، وعلى الرغم المناشدة المتكررة من منظمات الإغاثة الدولية، كان آخرها المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، فأن السعودية لا تلقي بالاً للأمر ولا تقدم أي مساعدات فعلية أو تسهل الأمر على قوافل الإغاثة الدولية التي تريد إذناً فقط بالدخول من جهة الأراضي السعودية للوصول للاجئين اليمنيين العالقين، حيث الأمر مرهون بموافقة أمنية من قبلها، وعلينا عقب ذلك أن نشاهد قناة الـmbc وقناة العربية، التي أصبحت أشبه بجهاز تعبوي للجيش السعودي، وهي تتحدث عن تحول مخيمات المواطنين السعوديين إلى أشبة بمدن بمكتملة الخدمات، بينما على الطرف الأخر من الحدود، حيث لا تتعدى المسافة عشرات الكيلومترات فقط، هناك أخريين متروكين في العراء دون حيله، وهم عرضه للموت إما بالقصف أو الجوع أو البرد.
اعتبارات السيادة حين تخص الدولة والكرامة حين تخص مواطنيها تتجاوز فكرة العصبية بمعناها البدائي لتصبح تعريفاً لحضورها بمقابل الآخرين ومدى استقلاليتها وحصانتها تجاه "تغولهم" عليها. والافتقاد للحساسية تجاه كل ذلك مؤشر مفزع على المسافة التي تفصل الناس عن انتمائهم الوطني. وبهكذا حساسية منخفضة حتى الان يُمكن إدراك الحضور الضعيف لهذه الاعتبارات في السياسة اليمنية، والإعلام اليمني، حيث يصبح ما يحدث لليمنيين في الحدود الشمالية شأن لا يخص اليمنيين! وتهيمن السعودية بسوطها الطويل في اليمن مانعة أي شخص من الاقتراب من هذا الشأن، حيث لا يجب التشويش على معركتها للقضاء على المتسللين حتى وان اقتضى الأمر قتل بعض اليمنيين أيضاً وأن بالخطأ.
عن نيوز يمن