Home Articles Orbits نعم .. نحو مرحلة انتقالية لا مرحلة تثبيتية
نعم .. نحو مرحلة انتقالية لا مرحلة تثبيتية
فتحي أبو النصر
فتحي أبو النصر
تتضاعف المخاوف بعد انطواء ربع المرحلة الانتقالية من أن تفضي إلى مرحلة تثبيتية ليس إلا ، خصوصاً مع استمرار أهم الاوضاع المفصلية على ماكانت عليه .
القانوني والناشط الحقوقي المعروف الأستاذ نبيل المحمدي المحامي يخلص إلى أن عبد ربه منصور هادي يتحمل مسئوولية كبرى فيما يجري حالياً، إذ هو الرئيس صاحب الشرعية والصلاحيات غير المنقوصة كما يفترض، مايعني عدم تقبل الشعب للحد من اختصاصاته كرهاً أو حتى بإرادته على سبيل المثال
.
بل ان المطلوب العاجل منه -الآن برأيي- تفعيل اعتماده الحيوي على ثقته بالشعب ومصلحته العليا التي جاء من أجل تحقيقها أصلاً
.
فلقد أصبح عبد ربه منصور هادي ظاهرياً ورسمياً هو القائد لهذه المرحلة الحساسة المعول عليها صنع المفارقات المنتظرة عن إرث السائد البغيض . ذلك السائد السياسي الذي انهك أحلام اليمنيين طويلاً كما تجذرت بسبب انانيته كل حماقات وعي القبيلة فالعائلة في الاستئثار وتأزيم البلد والاستهتار بمصالح الشعب
.

والمعلوم ان الرئيس الجديد كان تقبل الخوض في منصب المهمة الجسيمة معززاً بمباركة الداخل والخارج معاً مالم يحصل مع رئيس غيره،فيما يقودنا هذا القبول المدرك لتطلعات الثورة
- وحساسية المرحلة التي جاءت على اثرها - إلى عدم التفاعل مع من يقولون برضوخه لسطوة عديد اسباب تعمل على اعاقته بشدة –بينما في يده زمام الأمور كلها وهو الوحيد القادر على تغيير ذهنية السلطة والخوض في مغامرة رد الاعتبار للوطن والمواطن - ومن أهم تلك الأسباب التي تتردد دائماً : اعتبارات الواقع المعقد بمراكز القوى التقليدية ومصالحها السيئة التي عرقلت كل الاحلام الجميلة عن التحقق هنا ، مروراً بالأسباب النفسية العميقة التي قد يعانيها هو مثلاً، وليس انتهاءاً باحتمالية امكانية اعاقته جراء رغبات خارجية مؤثرة تضغط بقوة من أجل مصالحها الاستراتيجية في اليمن أيضاً بحيث يمكننا الاستنتاج انها ترتكز على استمرار نفوذ جهات أو افراد تنفيذاً لهذه المصالح- وهي مصالح لايمكن ان تزدهر دونما استمرار بقاء الأوضاع هنا على ماهي عليه للأسف من الفوضى والفساد واستشراء كل مظاهر الانهيار- آخذين في الإعتبار طبعاً ان وضع الرئيس لايخرج عن الأطر السابقة كأقصى تقدير.
غير ان من البديهي لاشك ان الخيانة سوف لن يقبلها عبد ربه على نفسه بأي حال من الأحوال، مثلما التواطؤ أو الاستخذال كذلك، كما ان المفترض به في ظل اشتداد الازمات مؤخراً اتخاذ اجراءات صارمة للردع، إضافة إلى مصارحة الشعب تبرئة للذمة الوطنية وللضمير الوطني
.
فالمصارحة هنا تمثل المسعى الذي نعول عليه في استنقاذ السيادة بصفتها الضابطة لمستوى الرشد الوطني، ورجاحة الإرادة والإنتماء لأحلام الشعب، كما للبناء النموذجي للدولة بعد دحض وعي الفساد الفهلوي الذي كلل صيغة التعامل في المؤسسات الرسمية فترة علي عبد الله صالح ولايزال مستشرياً للاسف
.
ذلك ان الشعب الذي ثار ضد نظام مسعور لم يكن يحترم سوى أنيابه ومخالبه فقط إلى ان جاءت العملية السياسية بمنطق الكلفة الأقل في بلد يعاني انهيارات فضيعة على كل المستويات :صار يتملكه الأسى على نحو مضاعف الآن جراء رضوخ اطراف العملية السياسية لوعي المكايدات والاعاقات فيما بينها دون أية تقدم في نبذ هذا الوعي الذي لايزال يساهم في انهاك الشعب وعبد ربه معاً
.
ولنأخذ في الاعتبار ان هذه الاطراف كانت ارتكبت-وفق عديد مراقبين -خطأ فادحاً بحق الوطن والشعب حين وقعت منذ مابعد جمعة الكرامة في فخ الاستلاب العجيب لرغبات طرفي الانقسام العسكري في بنية الدولة، إذ تم هذا الانقسام على اثر ما احدثته الثورة من خلخلة رهيبة في منظومة من كانوا يستولون على الحكم ويتشاركون ببهجة سادية في صنع الغبن الوطني برعاية الزعيم الملهم، ومن حينها بالطبع تأرجحت الاطراف السياسية في البلد وفق الرغبات الثأرية أو الانتهازية للمنقسمين في الجيش والأمن، في حين انهم كتلة واحدة لا اختلاف فيها -حسب عديد مراقبين محايدين- إذ كان جوهرهم أولاً واخيراً يمثل وعي الرئيس السابق نفسهمن خلال تكريس بشاعة العمل كعصابة منظمة لاتبرع إلا في السيطرة على ثروات البلد وتعكير الأجواء الوطنية لتستمر في تجانسها بالتالي بحيث لم تتفوق تلك العصابة كقدر لافكاك منه دون تثبيت أحقيتها اللامعقولة في التوريث و الاستمرار حتى انها كانت تدأب فقط على تكليل حياة اليمنيين بمزيد من البؤس وبالمصير المرعب المنهوش ليس إلا ، كما تفاخر بالمزايدة المهووسة على اوجاع السواد الأعظم ببجاحة واستخفاف لانظير لهما بالتأكيد
.
والأنكى أن هذا الوضع الشائك لايزال مستمراً من خلال استمرار ذات الاطراف السياسية اشبه برهائن لدى أمزجة العسكر، ما اعاقها عن اتخاذ أية اجرءات جدية فاصلة كنا نتوقعها -نظراً للمسؤولية الطبيعية الملقاة عليها خصوصا بعد انفجار الثورة – بل لعل تلك الاجراءات التي تأخرت كثيراً كان من شأنها أن تمنح الثقة في أن الاطراف السياسية اصبحت فعلاً ذات صلة حقيقية بهموم انقاذ البلد من السيطرة العائلية للجيش والامن، مابالكم وان هذه السيطرة لاتزال قائمة إلى اليوم بما يسلب الدولة أهم ركن من أركانها ، كما ان هؤلاء
" الاخوة الاعداء " من عسكر"الهواء المزخرف" يستمرون في استحضار رغبات العنف المسلح فيما بينهم فيظهرون في كل منعطف يتطلب فيه فرض التغيير كما لو انهم بصدد استكمال مسرحيتهم التي لاتنتهي متعمدين أداء أدوار تخوف الداخل والخارج من ضريبة مواجهتهم بالتغيير، وهكذا : بدلاً من استعمال الساسة ضد هؤلاء المعتوهين المثل المعروف " خوفه بالموت يرضى بالحمى " اصبحوا هم من يستعملونه فقط ضد البلاد والعباد، لكأنهم ليسوا من أسباب قيام اليمنيين بالثورة ، أو ان ماسيظل ينقص الثورة حتى تكتمل فضيلتها لايزال يكمن في ضرورة اقرارها الشجاع باستمرار الإبقاء عليهم كمكافأة مثالية قليلة بحقهم طبعاً ، بينما يسعون حالياً-كما نتخيلهم وهم بمنتهى البلاهة - ليكون هذا التقدير على رأس مهام عبد ربه والاحزاب والشعب أيضاً ، نظير ماقاموا- ومايقومون به– نحو تحقيق النجاة لليمن ماضياً وحاضراً، أي تجنيب اليمن حرباً ضروساً على الجميع تجنب الوقوع فيها رغم كل شيء، مع ان هؤلاء يبقون هم الفتيل الرئيسي لإقلاقنا بإمكانية قيام تلك الحرب مجدداً كلما طالبنا بتغييرهم!

ولقد كان من المفترض ان يتم تجريدهم من هذه الامتيازات غير الشرعية بأسرع وقت تجنباً لفرضهم الطريق الذي يريدونه على الشعب وثورته بدلاً من فرض مطالب التغيير عليهم ثورياً أو سياسيا، بل ان هذا مايجب ان تكون عليه الطريق الأكثر آماناً لمستقبل اليمنيين،أي بدونهم تماماً،بالقياس الى الاضرار التي يخلفها استمرارعسكر العائلة كمصيبة موقوتة على الحلم الوطني، وبدلاً من ظهور الأحزاب كما لو انها تعيد بنائهم من حطامهم القيمي لا أقل ولا أكثر
.
***
عودة للرئيس هادي فإن القرارات الحاسمة رغم كل هذه الالتباسات لاتزال بيده، كما يجب ان تسري على كل الاضداد الذين يعيقون عملية التحول من دولة خطفتها مراكز القوى الى دولة صاحبة قرار وطني، ومن جيش بولاءات شخصية الى جيش بولاءات وطنية، إذ دون هذا لن يتم بالشكل المأمول انجاز الخطوات المبدأية على الأقل لتمهيد الطريق اللائق من اجل الشروع في هيكلة الجيش والامن، ثم عملية الحوا، فالوقوف امام اهم القضايا كقضيتي الجنوب وصعدة اضافة الى عملية صياغة الدستور الجديد، وقبلها اقرار مشروع العدالة الانتقالية واجراء التحقيقات في انتهاكات حقوق الانسان خاصة قضايا القتل التي تعرض لها المحتجون في الثورة السلمية، ماسيفضي لعودة اليمنيين الى ذات النقطة التي انطلقت منها ثورتهم ، ولسوف لن يشفع التاريخ والضمير لعبد ربه هذا الوضع المريب الذي نحن فيه مايجعله بكامل الضرورة لبعث الجذوة في ارادته من اجل قيادة اهم مرحلة كهذه من شأنها ان تضع اللبنات المهمة للتحول الأكثر الحاحاً
.
من هنا يتوجب على الاحزاب بالمقابل الوقوف بجدية امام الرهانات الكبيرة، وباعتبارات المصلحة الوطنية الشافية لا اعتبارات المصلحة الحزبية السيئة، كما على المراقبين الأمميين الدفع بارادة الشعب للتحقق، وكذلك فإن على مراكز القوى
التي تؤمن بعجرفتها وتكفر بالتغيير وتتكالب على اعاقته - معرفة ان الاستحقاقات الثورية لابد أن تجرفها بالمحصلة.
كذلك نجزم ان المحدد الموضوعي للمستقبل سيكون هو دوام العنف -بكل احتمالاته الخطيرة على كل شيء
- في حال انقضت المرحلة الانتقالية دون اعتبار السياسيين لها كفرصة مثالية ليس من السهولة ان تتكرر على هذا النحو اطلاقاً.

وبينما لايهدأ هذا العنف كما نعرف: تبدو الارادة الشعبية -التي برزت خلف عبد ربه في طريق وضع الحلول اللائقة لمشاكل تزداد تراكماً الآن -هي الكفيلة وحدها بارضاخه للعمل وفق ارادة التغيير وتفعيل سلطته المعاقة التي لايمكن تبرير استمرارها يوما اثر اخر
.
فالمعروف ان المبادرة جاءت على اساس انها الطريق الأمثل لتجنب العنف، الا ان بؤر العنف لاتنقطع في ظل بقاء سُلط هؤلاء متداخلة مع سلطة عبد ربه بموازاة عدم تفعيل عبد ربه نفسه لسلطته الطبيعية الشاملة
.
اما إذا استمرت الأطراف السياسية تتنافر كما يحصل الآن ولاتتوافق لإنقاذ البلد، سيبقى الشعب وعبد ربه يلتقيان في جهة واحدة، وعند نقطة واحدة أيضاً، شاء أم أبى، نظراً لانه جاء مستنداً أصلاً على التفاف الشعب،كما أن الإطار العام لكليهما يتمثل في روح الثورة ومقتضيات التحول الجوهري الذي نادت به
.
على ان التحول هو مايفترض ان يشعر بارادته كل من انتخبوا عبد ربه ليعملوا على مؤازرته كرئيس يملك خريطة سحرية من المفترض ان تنتقل بهم من حال الى حال ، بينما يكون قد اثبت التفوق في اداءات القرار الاعلى ماسيقود الى دخول مرحلة جديدة خالية من التجاذبات والمصالح القديمة المعيقة لتحقيق اهداف الثورة عموماً
.
ولئن خذلتنا تلك الاحزاب التي لاتستهدف المصلحة الوطنية الواسعة بقدر ماتستهدف المصلحة الحزبية الضيقة للأسف غافلة عن الأهم في استعادة القوات المسلحة والأمن نحو استعادة هيبة الدولة نفسها ، فإنها من ناحية الاداء الحكومي الباهت في الوقت الحالي لاتثبت بجدارة سوى انها تعيش بكامل نشوتها الخاصة وهي تتقاسم "شرف " عقلية فساد مرحلة علي عبد الله صالح ، غير انها لن تفيق كما ينبغي إلا بعد ادراكها المتأخر جداً بأن أحلام الشعب بوطن غير مسلوب ولا مصادر هي الحق الوحيد الذي لايمكن التحايل عليه ولا مواصلة تأجيله مهما كانت الاعذار
.

فضلا عماسبق سيكون مغفلاً وأكثر كل من يعتقد بإمكانية متابعته الاستهتار بالسلميتين السياسية أو الثورية عبر استعادته لمنطق الاستقواء أو العنف وفرض الأمر الواقع مرة اخرى ليحقق انتصاره المظفر الذي يجوع إليه- مع ان الطبيعي على هذه النوعية من البشر الوصول النهائي الى لحظة الشبع من الأوهام- بحيث انه صارعلى كل من يتشبث بمناصبه العسكرية والامنية -العائلية العليا- الاستعداد للرحيل فوراً ليتسنى للرئيس المسك بزمام القوة التي كانوا يتقاسمونها عبثاً وصولاً إلى قطع دابر متواليات استخفافهم وصلفهم اللامعقول على اليمنيين واحلامهم
. الاحلام التي صارت عصية على كل مظاهر الانخداع. أحلام الصابرين بكل شدة البأس والوجع وجموح التوق النافر للتغيير المنشود . أحلام الطوفان المحتقنة