Home Articles Orbits إلى صديقي الجوجري.. الغائب الحاضر
إلى صديقي الجوجري.. الغائب الحاضر
عمر الضبياني
عمر الضبياني

ها أنا أصل القاهرة، ولكن ليس بمقدوري لقاء أحد أبناءها المخلصين وأحب الأصدقاء إلى قلبي.. ومع أن لقائي به كان ابرز أسباب عزمي السفر من الولايات المتحدة الأمريكية إلى مصر وليس إلى بلدي اليمن رغم غيابي عن هذا الأخير سبعة أعوام متواصلة من الاغتراب في بلد العم سام، إلا أن القدر كان أسرع من رحلتي التي تأجلت لشهور عدة، لأصل في النهاية دون لقاء من وطأت قدماي أرض الكنانة شوقا له.

اشتقت لبلدي اليمن أكثر من قدرتي على الوصف أو التعبير لكن لم يكن بوسعي التخلي عن وعد قطعته مع صديقي الغائب الحاضر بان نلتقي في القاهرة .. أتدرون من هو؟.. ومن غيره عادل الجوجري.. الصديق والأخ والأستاذ والمناضل الشريف الحر، القومي الثابت على قيمه ومبادئه التي استمر في الدفاع عنها حتى آخر نفس في حياته.. عادل الجوجري الذي رحل وهو يصرخ غاضبا في وجه دعاة الاستعمار وجنود الرجعية.

وماذا عساي أن أقول وأنا المفجوع برحيل مفاجئ ومبكر لصديق لم التق به وجها لوجه وإنما كانت لقاءاتنا عبر الأثير وفضاء الانترنت وأدوات التواصل الاجتماعي.. ربما جمعتنا المبادئ التي ازعم تشاركنا بها، وربما مواقفه المشرفة وكتاباته الشجاعة والمؤيدة للشعوب العربية في الحرية والكرامة.

أتابع الجوجري منذ أمد بعيد عبر الفضائيات والكتابات الصحفية لكن علاقتي به بدأت العام 2006م ، ووجدته يعرف كل ساسة اليمن ومناضليها، وقبل ذلك وجدته مطلعا على مشاكل اليمن السياسية والاقتصادية والأمنية وهو المصري الذي يرى في كل الأقطار العربية وطنه الكبير. تعلمنا منه أبجديات النضال وواحدية المواقف وشجاعة الكلمة والموقف.

وكمن يقرأ المستقبل كتب الجوجري في العام 2008م أن التخلص من علي عبدالله صالح واجب وطني، ودفاعا عن الوحدة اليمنية التي كان يرى فيها أمل الأمة وبذرتها الأول نحو وحدة عربية شاملة كتب الجوجري الكثير من المقالات واطل على قنوات فضائية عربية مدافعا جسورا على وحدة اليمنيين منتقدا بشجاعة معتادة كل ممارسات الإلغاء والتهميش التي كانت يقوم بها نظام صالح ضد قيادات جنوبية، لكنه لم يذكر يوما أن مثل هذه الممارسات يمكن لها أن تكون مبررا للدعوة للانفصال، لأنه وهو الذي نهل من نبع المعلم القائد حمال عبدالناصر كان يعلم علم اليقين أن الوحدة لا تتحمل أخطاء القائمين عليها.

حين كانت تتباين آراءنا وتحتد نقاشاتنا في منتديات قومية كان أبو خالد القاسم المشترك بيننا جميعا بآرائه المعتدلة وأسلوبه الجميل في الطرح والإقناع، فضلاً عن عمقه في التحليل والقراءة للأحداث. كان عادل يحب كل العرب لكنه كان يشي لي بمشاعر أكثر غزارة وودا لليمنيين وكان يردد أن اليمن أصل العرب ومنبع العروبة، وأتذكر حين كان يلح علي لزيارة مصر كان يطلب مني مرارا أن أعطي أرقام تلفوناته لكل من اعرف من اليمنيين يزور مصر، كي يلتقي به هناك ويسهل له ما يستطيع تسهيله.

وحين هب الشعب اليمني مطلع العام الماضي في وجه النظام المستبد كان الجوجري خير سند وكان في مقدمة الداعمين للثورة اليمنية وشكل لجنة مصرية لدعم وتأييد ومساندة الثورة الشبابية الشعبية في اليمن وتكونت اللجنة من عديد سياسيين وبرلمانيين ومثقفين وفنانين من أبناء مصر العروبة والكبرياء. ولا زلت أتذكر مقاله الجميل عن الثورة في اليمن والذي عنونه بـ"رسالة لشباب الثورة في اليمن".

لا أتذكر أني طلبت منه يوما تصريحا لموقع البديل أو مقالا خاصا ورفض طلبي، بل كان رده الذي لا يزال صداه يتردد على مسامعي دون انقطاع: "حاضر.. من عيوني يا عمر".

رحمك الله يا صديقي واسكن روحك الطاهرة جنة عرضها السماوات والأرض مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا. وعزائي أني سأقف أمام مثواك الطاهر وأناجيك عن قرب، وعزائي أيضا الذي سيخفف جزءاً من وحشة الفراق ولوعة الاشتياق أني سألتقي بابنتك الفاضلة التي أحسنت تربيتها أيما إحسان وهي اليوم تسير على دربك.. درب النضال والكرامة والقومية العربية، فنم قرير العين يا صديقي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عمر الضبياني

القاهرة – 20 أغسطس 2012م