إيه.. أيها العربي العملاق، الى أين الرحيل؟ ولماذا ترحل عنا ونحن بحاجة إليك.. بل في أشد الاحتياج الى رجل مثلك، يجمع خصائص الرجولة في شخص واحد..؟
إيه أيها العربي النبيل، الى أين ترحل، وبهذه السرعة المفجعة والدامية للقلوب.. وتتركنا حيارى مذهولين.. تتركنا نقلب المواجع على جمر القلوب.. ونهنهات الحسرة والألم، ويرتفع نشيج الروح الذي يتجاوز المدى ومسافات النهار، ولكن صدى صوتك الجهوري القوي.. المحبب إلينا بكل المعاني والمفردات المألوفة وغير المألوفة التي تطلقها بصوت يجلجل كالنواقيس.. تظل تقرع.. وتقرع.. تحذر وتنبه، وتصحح المسار.
كنت ثالث ثلاثة رجال أحرار من أسرة محلئية واحدة: عبدالحميد ومحمد وعبدالقوي »العربي«.
عبدالقوي ناجي محمد؛ ذلك الاسم الرائع، وذلك اللقب الجميل المليء بالعنفوان والشموخ.
العربي الحبيب العزيز الشجاع.. والصابر الصامد. العربي الصوت المزمجر كالأسد الهصور. العربي صوت الرعد على رؤوس الأعداء والمناوئين أينما كانوا وحيثما تواجدوا. نعم العربي الواضح والصريح الى أقصى حدود الصراحة. العربي الذي لايخاف لومة لائم في الأمور العظيمة التي يرى أنها خط أحمر لايمكن تجاوزها أو التطاول عليها. العربي الحاد كشفرات السيوف. العربي المحب العاشق للمبادئ الناصرية حتى النخاع.. المحب للأمة والعروبة حتى العظم.. والمحب دائماً وأبداً للزعيم الخالد جمال عبدالناصر. العربي الحالم بوطن الحرية والاشتراكية والوحدة.
العربي البطل الذي كان يوم ٤١أكتوبر ٣٦٩١م، بإرادته الحرة، وشبابه وطموحه، ونزعته الثورية المبكرة، وهو الى جانب شقيقيه عبدالحميد ومحمد ناجي، وراجح غالب لبوزة، وآخرين.. يصنعون يوم الثورة المجيد من على قمة جبل »البدوي« بردفان الشماء، يفجرون ثورة ٤١أكتوبر، ويعلنون للعالم أجمع أن الثورة قد بدأت وستستمر، وأن دم الشهيد راجح سيعم الجنوب الثائر كله. نعم لقد كانوا الطليعة. وصدق الله القائل: »من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا«.
العربي الثائر الأول، والمناصر الشجاع لثورة سبتمبر، والمقاتل العنيد في جبال المحابشة بحجة وجبال وسهول ربوع اليمن، يسهم مع إخوته الأحرار في تدعيم وترسيخ ثورة ٦٢سبتمبر المجيدة، ويبذل الغالي والنفيس في نصرتها.
العربي التاريخ والجغرافيا والمبادئ..
ها هو منزل العربي وإخوته في قرية القرين ناحية حبيل جبر، صبيحة يوم من أيام يناير ٤٦٩١م، يحتضن القائد عبدالله محمد المجعلي، ليقود جبهة ردفان، بعد استشهاد القائد راجح لبوزة.. ويرتفع علم الجمهورية العربية المتحدة عالياً خفاقاً، أعلى سطح منزل عبدالقوي.. ومن بعيد عيون القوات البريطانية ترصد، ويتحرك الضباط السياسي البريطاني ميلان، ليأمر بتدمير المنزل. وتشتد الثورة، وتنتصر، ويرحل المستعمر البريطاني الى غير رجعة.
ويأتي الإخوة الأعداء للأسف، ومنهم يأتي الرفاق المتمركسون، وينهبون ما بقي للعربي من أبقار ومواشٍ.. ويتشرد العربي الحزين مرة أخرى، وهذه المرة أشد إيلاماً لأنها تأتي من أبناء جلدته رفاق النضال بالأمس، والحكام الجدد في الجنوب. ويحاربونه في لقمة عيشه وحياته، وتشتيت أسرته التي هي أعز ما لديه. ويا لها من حرب قذرة لايقوم بها إلا أنذال ليس فيهم من الرجولة ما يحترم، ولا من الشهامة ما يقدر.
ويحل العربي الحزين المقهور ضيفاً محترماً في مدينة السلام تعز الخير، حتى عام ٩٧٩١م، ليعود من جديد الى الجنوب. وكان خلال تلك الفترة التي قضاها متنقلاً بين تعز وصنعاء وسائر المحافظات الشمالية، قد عزز علاقاته وقدراته التنظيمية مع إخوته الناصريين الذين ظل وفياً لهم، وظلوا أوفياء له حتى النهاية.
عبدالقوي العربي؛ الشهم النبيل، الناصر للمظلوم، وبالصوت العالي تكراراً لمقولة الخالد عبدالناصر »إرفع رأسك يا أخي، فقد ولي عهد الاستبداد«.
نعم، هذا هو عبدالقوي ناجي محمد العربي.. الأب الحنون، والأخ الوفي، والصديق الصدوق، الذي لايهاون في ما يعتقد، ولا يساوم على المبادئ، ولا يخشى جبروت الطغاة، ولا يخضع لأحد سوى رب العباد.
العربي المناضل الشريف النظيف والعفيف، الذي لايملك قصوراً ولا عقاراً ولا أرصدة، إلا حبه للوطن، وأبناءه المخلصين. لم يمد يده لأحد، وهو المحتاج لإبرة الإنسولين، وقضى نحبه وهو يئن من الألم والعوز.. وهو من أعطى زهرة شبابه لهذا الوطن المليء بالخيرات، والمنهوب من السماسرة وأدعياء النضال وأبناء الذوات.
فارق الحياة بعد أن عان كثيراً من الأمراض التي أرهقته، ولم نعلم أن مسؤولاً ما قد كلف نفسه بالاطمئنان أو السؤال عن صحة هذا العربي الأبي.. لم نعلم أن مسؤولاً في الدولة وعد بعلاجه على نفقة الدولة.. وعداً فقط؟ لم يحصل أبداً.. لم نعلم أن شخصاً ما محسوباً على الدولة، مد يد العون أو المساعدة لهذا المناضل الشجاع، ليساعده على اجتياز محنة المرض، وهو في آخر مراحل العمر.
أهكذا يكافأ المناضلون الشرفاء على ما قدموه طوال حياتهم المليئة بالكفاح والمآثر والتعب والألم والقهر..؟!
أهكذا أصبح حال المناضلين؛ يعاملون بالجحود ونكران الجميل؟
أين منظمة مناضلي الثورة؟ أين دورها؟
صرخة نعلنها في وجه ناكري الجميل، بأن التاريخ سيلعنهم، ونحن كذلك.. لأن تاريخ المناضلين تاريخ مقدس، معمد بدماء الشهداء.
إيه يا عربي. إن الحصون والقلاع والجبال الشامخات يسألن عنك، ويقرئنك السلام، لتنام في هدوء وأمان. عهداً لك يا عربي أننا نحن إخوتك الناصريين في كل الساحات، سنظل أوفياء للمبادئ التي آمنت بها، وقضيت جل شبابك وسني عمرك تدافع عنها، وحاملاً راياتها؛ رايات العزة والمجد والفخار.
عهداً لك أبا عبدالناصر وعز العرب، أن نكمل المشوار.
أخوك وصديقك
هادي محمد عامر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأقرأ أيضا :
العربي.. عندما يموت الشجر واقفاً
وجعٌ هنا.. وفي ردفان أرواح تصلي! |
العربي عبدالقوي.. قامة بحجم الأمة