الملل هو شعور يصيب ألمرء جراء تكرار الأمر بشكل روتيني ودائم ، وهذا الشعور في الغالب يؤدي إلى الإحباط وذلك لليقين التام بأن أي محاولة أخرى لن تؤدي إلى أية نتائج . والملل هو شعور يمكن تناقله من فرد إلى آخر حتى أنه قد يكون انتماء لمجموعة تشكل حالة تتقاسم فيما بينها مجموعة من العوامل المشتركة .
فمثلا أنا أشعر بملل شديد من القيادة الحالية ، واشعر بملل أكثر من مجلس النواب وطريقة عملة العقيمة والتي بالكاد تمارس ظاهرتها الصوتية ، كما أني أشعر بأن هناك الكثير ممن يشاركونني هذا الملل وهذه الرتابة الناتجة عن سوء الاحترام لنا كبشر ومواطنين لنا الكثير من الحقوق التي تمت مصادرتها .
لكن قمة الملل والضجر هي تلك التي أسمعها دائما في خطابات الرئيس علي عبدالله صالح ، بل أزعم أني أملك المقدرة على التنبؤ بما سيقوله في أي مناسبة وبعد أي زيارة ومن سيهاجم وماذا سيعد وكيف سيتحدث عن أداء نظامه ، وهذه ميزة أكتسبها الشعب اليمني نتيجة التقادم الزمني الطويل لحكمه وطريقة تحدثه وأسلوب تعامله المكرر مع الأحداث .
فالرئيس صالح يتعامل مع المواطن الأعزل بشكل يختلف مع تعامله مع القبيلة المسلحة ، ويتعامل مع المفسدين بشكل يختلف عن تعامله مع من يريد أن يصلح ، كما أن وعود الرئيس لم تعد لها من نكهة سوى التندر بين أبناء الوطن نظرا لمعرفتهم التامة بأن هذه الوعود لا تتجاوز قيمة الحبر المكتوبة على الورق .
لو كنا في بلد غير هذا البلد ، ولو كان من يحكم هو غير المؤتمر الشعبي العام ، لنظرنا لمؤتمرهم الحالي في مدينة عدن بشيء من الاهتمام والترقب ولكنا توقعنا تغييرات تمس حياة المواطن مباشرة ، لكن كل ما في الأمر هو ارتفاع قيمة الفنادق والقات والكحول وتباهي بآخر الموديلات للسيارات الفارهة ، أنها ممارسة قديمة جديدة يتقنها جلاوزة النظام المخضرمين والقابضين على مقاليد حياتنا منذ عهود من الزمن . ثم ينفض المؤتمرون ببيان ختامي يثير التقزز أكثر مما يثير الضحك والسخرية .
أعلم بل أكاد أن أقسم بأن مؤتمر شعبي لا يحترم حتى الديمقراطية بين أعضائه ومندوبيه ويعتمد التزكية في تعيين قادته ، ومؤتمر يجيد التصفيق والوقوف أكثر من إجادته إتقان العمل الحزبي السياسي ، ومؤتمر يفتقد إلى الآلية الطبيعية ويؤمن بقرارة نفسه أنه حزب الفرد الواحد والذي بدونه سيدخلون مرحلة التيه الطويلة ، لا يمكن له أن يمنحنا ما لا يملك وأن يصلح ما هو له أفسد .
وهذا الحكم ليس ناتج عن ردة عاطفية أو عداء حزبي أو معارضة لأجل المعارضة ، بل ناتج عن ممارسة طويلة تابعناها وعرفناها ومللنا منها .
حين قدم اللقاء المشترك مشروعه للإصلاح ، كان كمن يطرق جبهة جثة قد شبع منها الموت ، والأموات لا يتحركون إلا إذا تحرك حزب الرئيس ، وهذا ما لا يمكن حدوثه على الأقل في هذه الحياة التي نعيشها ، فالمشروع المقدم أن كان يقصد به الوطن ، فكان من الواجب تقديمه كمشروع انتخابي مشترك تدخل به الأحزاب المنطوية به كمجموعة واحدة ، أما تقديمه كوجبة للنظام حتى يقوم هو بتنفيذها ، فهذا ما لا يمكن استيعابه كون النظام الحالي قد تجاوز مرحلة الاعوجاج إلى الكسر المزمن والتهشيم الدائم ، ومن يبلغ هذه المرحلة لا يقوى إلا على التقيؤ على أي شيء مفيد ، فالجسد تحلل وفقد المناعة ولم يعد يستطيع أن يتقبل أي مضادات حيوية ، أنه يرفضه ويتهمه بالانفصالية والعودة إلى الملكية ، وهذا لا لشيء سوى أن هذا المشروع هو فوق مقدرتهم العقلية والسياسية ومعارضا لقيمهم وأخلاقهم ، وكل مراهناتهم هي ما يملكوه من قوة مسلحة ومال الشعب الذي رأينا كيف تمت بعثرته في مؤتمرهم السابع .
لا جديد إطلاقا سوى ذاك الكلام المعهود ، ولا جديد في المؤتمر سوى تبادل المقاعد بين الوجوه المعتقة بينما المركز باقي لا يتزحزح قيد أنملة ، ولا جديد أيضا سوى التصفيق النشاز لبطون مترفة. فالمركز سيبقى هو المحور في الحزب وفي الدولة ولن يتنازل عن بقائه كما هو ولن يقبل أن يفقد أي من صلاحياته أن لم يكن يطلب منها المزيد ، ومن لا يعجبه عليه أن يمارس لذة الملل وربط الأحزمة على بطون أطفاله ... أن الصبر كان جميلا .