Home News Locally

فى الذكرى 88 لميلاد الزعيم

ثلاثة كتب جديدة بالإنجليزية والفرنسية عن ناصر

ثلاثة كتب جديدة بالإنجليزية والفرنسية عن ناصر

لايزال يملأ الدنيا ويشغل الناس جمال عبدالناصر.. شهاب تجلى قرب منتصف قرن فى الأفق العربي.. وحلق فى مدار شديد الخصوصية نيزكا من الأمل وشحنة من النضال والمقاومة والعمل، ثم رحل ولما يكمل الثانية والخمسين عن عمر أمضاه مثقلا بهموم أمة ومتفاعلا مع واقع الفقراء ومكابدة المستضعفين من جماهير شعوبها وبعد أن سجل اسمه بحروف الاجتهاد الذى يخطئ شأن كل إنسان.. ويصيب.. ولكن فى كل حال تضيء به صفحات من دفتر التاريخ المصرى العربى المعاصر لأن صاحبه امتلك شيمة الكرامة ونبل الحلم وشرف المحاولة وشجاعة الاعتراف بالخطأ وعبقرية التواصل مع ملايين من جماهير أمة.. عرفته وآمنت بمبادئه ومدت أياديها إليه تعبيرا عن محبة وتقدير تاريخيين ظلا موصولين طيلة العمر ومن بعد الرحيل.

ناصر الرمز


لا نصدر فيما نكتب عن منطق الإجلال للزعيم جمال.. وهو منطق نعتز به أصلا ونعلنه فلا تخفيه.. ولكن نصدر أيضا عن رصد منهجى لظاهرة لابد وأن تخضع لمنطق الدرس والتحليل.. هى ظاهرة الاهتمام الموصول ب *جمال عبدالناصر* بعد أن أصبح قيمة ونهجا وسيرة لإنسان ما برحت الأمة تضعه فى حدقة العيون.. بعد أن تحوّل من رأس لنظام إلى رمز لمنظومة تجسد بدورها قيمة ما أندر وجودها فى الأيام التى نعيشها.. هى قيمة السعى نحو العدل.. وجسارة نقد الذات وهى أيضا قيمة استقامة المقصد وطهارة اليد ونزاهة المسلك وتلك شمائل لا شك نفتقدها فى هذا الزمان.
ورغم أن عبدالناصر رحل إلى جوار مولاه منذ 35 عاما و114 يوما.. فإن دوائر الفكر والثقافة والتحليل السياسى فى وطن وطن وخارج الحدود لاتزال مشغولة بالرجل وآثاره.. والرجل مآثره.. الرجل وسيرته بكل ما احتوته من عظمة الإنجاز وأيضا ومن عبرة السلبيات لا نبرئه ولا نبرئ أنفسنا.. فالبشر هم البشر فى كل زمان ومكان.. وهو أول من أدرك هذه الحقيقة التى تواكب بالضرورة.. مسيرة الاجتهاد الإنساني.. وهو القائل: *إن الشعب هو الأبقى وهو القائد وهو المعلم*.

أحدث ثلاثة كتب


وحسبنا فى حدود علمنا أن نشير فى سياق هذه التحية المزجاة إلى ذكرى مولده الثامنة والثمانين إلى الكتب الثلاث التى صدرت خلال هذه الأشهر العشرين الأخيرة أصبحت بين أيدينا ونحن نوجه إليه إعزازا وإكبارا هذه السطور وقد صدرت هذه الكتب الثلاثة فى باريس وفى نيويورك وفى القاهرة.

الساسة العظماء


.. أول هذه الكتب صدر بالفرنسية وبقلم الكاتب المؤرخ السياسى الفرنسى *جان لاكوتور* وقد نشرته دار بايار الشهيرة ضمن سلسلة تحمل عنوانا لا تخفى دلالته وهو.
*.. رجال الدولة العظماء*. وتحت هذا العنوان أصدرت الدار كتابها عن *جمال عبدالناصر* حيث أحلته موضوعيا بين صفوة زعماء عصره النصف الثانى من القرن العشرين وفى طليعتهم *شارل ديجول* و*هوشى منه*.. وفى الكتاب ينقل المؤلف الفرنسى عن سياسى أمريكى كبير هو أدلاى ستيفنسون وكان مرشحا للرئاسة الأمريكية عن الحزب الديمقراطى قوله بعد لقاء مع ناصر الزعيم الشاب:
هذا رجل واعد: لأنه يطرح أسئلة واستفسارات قبل أن يتطوع بتقديم ردود وإجابات.
لا يذكرك هذا باول انطباع تولد فى ذهن الزعيم الهندى الكبير جواهر لال نهرو لدى أول لقاء بينهما ونظن أنه كان فى باندونج ويومها قال نهرو.
أول ميزات هذا الزعيم *العربي* الشاب.. إنه يريد أن يتعلم.
ويرحم الله مولانا أبا النصر محمد الفارابى ت 950 للميلاد الذى وصف حاكم المدينة الفاضلة كما تصورها الفيلسوف الكبير وكان يخلع عليه لقب *رئيس أهل المدينة الفاضلة* فقال:
إنه ينبغى أن يكون عالما.. متعلما.

آخر العرب


كتاب نيويورك الصادر فى صيف عام 2004 جاء من تأليف كاتب أمريكى من أصل عربي، هو الأستاذ سعيد أبو الريش الذى جاء فى تصدير كتابه ما يلى:
إن ما نشهده اليوم فى الشرق الأوسط ما هو إلا نتيجة مباشرة لمعارضة الغرب ضد المبادئ القومية والمثل العليا العربية التى نادى بها ناصر، الذى كان يصدر عن إيمان عميق بإعلاء دولة مدنية لا عجب أن يختار الناشر الأمريكى تعريفا بموضوع الكتاب يقول فيه:
إن عبدالناصر يمثل أهم زعيم للعرب فى القرن العشرين.
ولا عجب أيضا أن يختار سعيد أبو الريش.. ولم يكن من مريدى عبدالناصر وربما كان من ناقديه عنوانا موحيا للكتاب هو:
ناصر.. آخر العرب.
وربما كان فى خيال المؤلف عنوان الكتاب الذى سبق إلى إصداره الصحفى الأمريكى الكبير سولز برغر بعنوان *آخر العمالقة* وفيه الفصل الشهير عن الزعيم ناصر ضمن بانثيون عمالقة زماننا وفى مقدمتهم ماوتسى تونج وشارل ديجول.

كتاب الصحفية الإنجليزية


آما آخر الإصدارات التى نقف عندها بقدر من التأمل فى هذه السطور فهو الكتاب الذى نشرته الجامعة الأمريكية بالقاهرة فى شهر أبريل الماضي. عنوان الكتاب هو:
.. ناصر: حياته وزمانه.
مؤلفة الكتاب هى الأستاذة *آن تايلور* وهى كاتبة صحفية وعالمة باحثة إنجليزية فى قضايا وشئون الشرق الأوسط والعالم العربي، وقد عملت لعدة سنوات فى هيئة الإذاعة البريطانية ولاتزال تنشر بحوثها ومقالاتها فى دورية *ميدل إيست انترناشونال* التى تعنى بشئون المنطقة وشجونها.
فى مقدمة كتابها تعبر المؤلفة الإنجليزية عن مزيج من العجب والإعجاب إزاء الظاهرة التى ترصدها وتقدمها لقارئها الناطق بالإنجليزية فتقول:
إنها ظاهرة عبدالناصر الذى مازال بعد خمس وثلاثين سنة من رحيله يعد من عمالقة العالم العربي.. ولايزال الكثيرون فى دنيا العرب ينظرون إليه نقصد إلى سيرته ومناقبه ومنجزاته نظرة إعجاب عميق، خاصة فى ضوء تحديه القوى الاستعمارية وانطلاقته إلى العمل جاهدا على رفع مستويات المعيشة للمصريين من خلال تحديث اقتصاد مصر.. هذا فى حين أن هناك آخرين تضيف الكاتبة الإنجليزية يتخذون مواقف أكثر انتقادا لاسلوب للحكم الاوتوقراطى الفردى الذى اتبعه جمال عبدالناصر.

ميلاده ونهاية الإمبراطوريات


*آن تايلور* قدمت مادة كتابها 186 صفحة فى 7 فصول.. بدأتها بملاحظة لماحة حين رصدت لحظة ميلاد عبدالناصر 15 يناير 1918 وهى اللحظة التى واكبت نهاية عصر الامبراطوريات الكبرى التى سقطت وسط أتون الحرب العالمية الأولى وكان فى مقدمتها قوى الاستعمار العتيق على حد قول العلامة جمال حمدان مثل إمبراطورية هابسبورغ فى النمسا وإمبراطورية عثمان فى اسطنبول وإمبراطورية غليوم فى ألمانيا.. لم يبق مع مولد الفتى ناصر سوى قوى الاستعمار العتيد فرنسا فى الجزائر وأقطار المغرب وإنجلترا فى مصر وأقطار المشرق وقد شاءت أقداره أن يدخل فى صراع مع كل منهما بلغ ذروته الظافرة مصريا وعربيا فى ملحمة تأميم قناة السويس.
تلك هى البيئة التى شهدت طموح مصر الفتية إلى الحرية والاستقلال.. هى نفس البيئة التى عاشتها مصر بين الحربين وبدأت تتخذ خطاها الأولى نحو تحديث حياتها وإبداع ثقافتها وفنونها والوصل بين أبنائها وبين الربع أو الثلث الأول من القرن العشرين.. هى نفس البيئة الثرية بالأفكار والإبداعات وارهاصات التجديد التى عاشها ناصر يافعا فى فترة الطلب ومراحل التكوين.. هنالك قرأ عبدالناصر طه حسين وسلامة موسى وعباس العقاد وتأثر على وجه الخصوص برواية *عودة الروح* من إبداع توفيق الحكيم، ناهيك عن مشاركته فى المظاهرات الشعبية التى ترصدها مؤلفة الكتاب فى صبر ودقة عجيبين إلى حيث يفضى بها البحث إلى يوم إنذار 4 فبراير المهين الذى قدمه مايلز لامبسون المندوب السامى للاستعمار البريطانى إلى الملك فاروق فى قصر عابدين يأمره فيه باستدعاء زعيم الوفد لتشكيل وزارة جديدة لم يتورع نفر من ساسة مصر وقتها عن وصفها بأنها *جاءت على حراب الاستعمار* فى تحليلها لإحداث وتطورات الأربعينيات تحيل المؤلفة إلى شهادات حية وكتابات ومذكرات موثوقة لرجال فى قامة خالد محيى الدين وخالد محمد خالد وأحمد حمروش، خاصة حين تعرض إلى علاقات عبدالناصر، الضابط الشاب.. الغامض الكتوم وقتها بجماعات اليمين الإخوان حسن البنا واليسار الشيوعيون حدتو ثم تتابع ناصر ورفاقه على أرض الكفاح ضد الصهاينة فى حرب فلسطين وعودتهم ساخطين على أوضاع الجيش والشعب على السواء.. وتتواصل متابعتها إلى حيث تصل بقارئها إلى لحظة الحسم صبيحة 23 يوليو 1952.. حدث الثورة.

ثورة بعيدة الحدوث


ومن عجب أن تصفها بأنها كانت ثورة مستبعدة الحدوث وربما بعيدة الاحتمال.. وتدعم ما تذهب إليه بأن واقع الثورة واستقرار دعائمها لم يكن أمرا ميسورا، بل ظلت الثورة على امتداد عامين وربما أكثر تواجه العديد من الصراعات والمقاومة والتشكك، وفى هذا السياق تقول مؤلفة الكتاب:
لقد وجه الضباط الأحرار الضربة الأخيرة ضد النظام الملكي.. وما نجحوا إلا لأن دعائم الدولة كانت قد تداعت وتهاوت بفضل جهود الآخرين.. الذين ضمت صفوفهم قبيل الثورة جموعا من الطلبة وعمال النسيج وسائقى الترام وصغار الموظفين بل ورجال الشرطة، وكان هؤلاء قد انضموا إلى صفوف حركة مصر من أجل التحرر الوطنى وأدوا جميعا أدوارا ملموسة فى هذه العملية ولكن.. ص43 عندما أصيبت حكومات الملك بالشلل.. أصيب قادة هذه الحركة المدنية بالتردد بل وتراجعوا عن مواصلة المسير، و.. هكذا مهدوا المسرح لدخول حركة الضباط الأحرار.
نبادر فنؤكد أن زعيم الضباط الأحرار لم يدخل المسرح من باب خلفى ولا على صهوة دبابة فاشستية.. لقد جاء مزودا برؤية قد نصفها موضوعيا بأنها كانت مبدئية، ولكنها كانت بنفس الموضوعية كافية بأن تتحول لحظة 23 يوليو من *انقلاب* فى تغيير شكل وعصبة الحكم إلى حيث يصبح حركة ترنو إلى تغيير جذرى فى بنية المجتمع وتطمح إلى تحولات اقتصادية اجتماعية، ومن ثم ثقافية وقيمية فى حياة المصريين.. فقراء المصريين وأوساطهم بالدرجة الأولي.
ولعل هذا الملمح هو الذى دفع الأستاذة *آن تايلور* إلى أن تقف مليا بالتأمل العلمى عند الكتيب الدليل الذى حمل عنوان *فلسفة الثورة*.

الفلسفة والدوائر المتداخلة


وبكل بساطته.. وعلى سبيل دورية الاستكشاف العسكرية الأسلوب.. طرح عبدالناصر ربما بصياغة صديق عمره هيكل أهم معالم رؤيته فى ركيزتين أساسيتين كان عمره وقتها لا يتجاوز 35 عاما وهما:
1- إن لكل شعب فى الدنيا ثورتين: الأولى سياسية والثانية اجتماعية.
2- إن مصر هى بحكم التعريف دولة دور، وأن مقتضيات هذا الدور تفرض عليها بحكم الموقع والموضع مصطلحات جمال حمدان فيما بعد أن تتحرك فى دوائر ثلاث هى: العربية الإفريقية الإسلامية والدوائر متداخلة بالطبع على نحو ما قد يرسمها الضابط الثورى الشاب خريج كلية الأركان.
ثم جاءت لحظة الفصل فى تحول ضابط الأركان إلى زعيم العرب بعد تأميم القناة ورفض الإنذار الإنجلو فرنسى من فوق منبر الأزهر الشريف وبدء الاستعداد الشعبى المسلح لمقاومة العدوان الثلاثي.

كاريزما العيون ونزاهة السلوك


فى هذا السياق تقول المؤلفة الإنجليزية ص 96:
هكذا نجح رهان عبدالناصر فكان أن اضطرت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل إلى الانسحاب.. أما على المسرح العربى فقد ظهر ناصر لأول مرة تجسيدا للعزة العربية.. زعيما استطاع أن يلحق الهوان بالدول الإمبريالية وحافظ على استقلاليته بعيدا عن القوى العظمي.. هكذا بدأ الصحفيون الأجانب يبدون مزيدا من الاهتمام بالزعيم المصري.. وكم كان المراسلون الغربيون مبهورين بنظرات عينيه النفاذتين وقامته المهيبة الفارعة، لدرجة أن يطالعها الكاتب الفرنسى لاكتوتور فإذا بها تذكره بتمثال يبعث على الرهبة.. مصنوع من الجرانيت.. منصوب فى المتحف المصري.
أما البروفيسور الأمريكى جون بادو رئيس الجامعة الأمريكية بالقاهرة فقد كتب يقول:
خصاله الشخصية كانت أقرب إلى السلوك النموذجي.. يعيش فى جو يفتقر إلى أبسط مظاهر الترف المظهرى فى فيللا قاهرية متواضعة.. ولكنه يعيش حياة عائلية سعيدة.. وهو مسلم شديد الإخلاص لدينه ولا يقرب الخمر إطلاقا.
وهنا تعلق آن تايلور قائلة ص97:
كان قصاراه أن يوفر حياة أسرة متوسطة راضية لزوجته وأطفاله الخمسة.. وبعدها لم يكن يعنيه على ما يبدو مغريات السلطة ومظاهرها.. بل كان معنيا فى الأساس بما تعنيه السلطة من مضمون.

المخابرات الأمريكية تمقته


لاتزال الكاتبة الإنجليزية تتحدث عن عبدالناصر:
هذا الأسلوب التقشفى فى الحياة تصفه بأنه اليعقوبى بمعنى الزهد فى مظاهر الكماليات المترفة هو الذى أذكى سورات الغضب، بل والبغض فى نفوس أعداء جمال عبدالناصر.. وكم جأر عملاء المخابرات المركزية بالقاهرة بشكوى مريرة لأن *موضوعهم* عبدالناصر لم يكن يعيبه نقيصة فى الخُلق أو السلوك.. وهو ما ذكره لاكوتور الفرنسى حين نقل عن جماعة ال *سي. آي. إيه* قولهم إن مشكلتهم مع ناصر أنه رجل بغير رذائل أخلاقية سلوكية فلا نحن نستطيع شراءه ولا ابتزازه.. ولذلك فنحن نكرهه إلى حد التحريم.
هكذا استحق الرجل أن تخلع عليه الملايين لقبها الأثير.. الريس.. وكانت هذه الجماهير تنتظر خطاباته الموجهة إليها.. وترقب وجوهها المشرئبة موكب الزعيم إلى مؤتمراتها الشعبية.. الشعبية بحق وعفوية وقد صدقت عليها كلمات شاعر عظيم حين لمح واحدا من هذه الوجوه التى كانت:
*وجه ذكرت به مواكبك التي/ كانت طعام العام للفقراء أبناء السبيل*.
طبعا مؤلفة الكتاب لم تذكر هذا البيت الجميل المفعم بالشجن.. والشاعر الجميل هو الأستاذ أحمد عبدالمعطى حجازى عفا الله عنه.
تواصل المؤلفة ملاحتها فى الزمان والمكان عبر صفحات الكتاب.. تتابع عبدالناصر وهو يخطب فى الجماهير.. تتأمل التراث الحافل الذى أصبحت تجسده خطابات وتصريحات الزعيم وبعضها كان أقرب إلى النجوى السياسية والاجتماعية بين الرجل وملايين الأفراد فى مشرق وطن العروبة وفى مغربه، وبعضها الآخر على نحو ما تلاحظ الباحثة الإنجليزية ص 101 وما بعدها أصبح يشكل إضافة إلى أدبيات البلاغة السياسية العربية فى زماننا.. وثم تنقلها السياحة الفكرية إلى صروح إقرار العدل وإنصاف المستضعفين وتعويض ملايين الفلاحين المعدمين والعمال الفقراء عن عقود طويلة من الحرمان وصولا بالإنجاز إلى السد العالى وتكوين بحيرة ناصر.. التى تمتد فوق مسطح من المياه العذبة الثمينة بطول 500 كيلو متر.. ثم اصطداما بالانكسار فى 5 يونيو 1967.. يوم يصفه مراقب أمريكى هو هارى هوبكنز فى كتاب أصدره فى بوسطون بعنوان الثورة التى لم تكتمل فى العالم العربى فيقول:
كان الإسرائيليون قد اتقنوا استيعاب حقائق الحرب فى الغرب بعد دروس 1956 ولذلك عمدوا إلى كبح تصريحاتهم.. ولكن عندما قرروا الضرب.. ضربوا بقسوة وقتلوا الآلاف فيما كان الكثيرون فى الغرب أوروبا وأمريكا يهللون كما لو كانوا يشاهدون مباراة فى كرة القدم !

رأى كاتب إنجليزي


يومها أعلن ناصر استقالته وتحمله المسئولية كاملة عن الهزيمة وبعدها بساعات أجبرته الجماهير الثائرة بل الغاضبة فى مصر والأقطار العربية على أن يعود عن قراره ويواصل حمل المسئولية.. وبصراحة تقول المؤلفة كان هناك من اتهم ناصر بتدبير واقعة التنحي.. وبصراحة أيضا تنقل المؤلفة تحليلا مهما يؤكد أن الناس كانت تفكر بشكل مختلف بعيد تماما عن حكاية التدبير أو التشكيك.. يقول كاتب إنجليزى آخر هو الأستاذ روبرت ستيفنس فى كتابه بعنوان ناصر:
لم يكن المصريون ساعتها يحكمون على عبدالناصر ببساطة من منظور نجاحه أو فشله كقائد عسكري.. لقد ظلوا يرون فيه الرجل الذى أطاح بالملك وانهى الاحتلال البريطانى واتاح لمصر سيطرتها الكاملة على قناة السويس.. وشرع فى تشييد السد العالي، وطبق قوانين الإصلاح الزراعى وأقام المزيد والمزيد من المصانع والمدارس وزود القرى والنجوع بمياه الشرب النقية ونور الكهرباء.. وبدأ نظم التأمينات الاجتماعية لصالح العمال.. فيما اتاح لأعداد متصاعدة من أبناء الشعب المصرى مزيدا من المشاركة فى إدارة مقاليد بلادهم ولو ضمن حدود مرسومة*.
ماذا يبقى من عبدالناصر


الفصل الأخير من هذا الكتاب يحمل عنوانا منطقيا بالضرورة وهو.
.. تراث عبدالناصر..
وقد يلخص دلالته سؤال بسيط يقول:
ماذا يبقى من عبدالناصر.. فى المواقع وللتاريخ؟
سأله يوما صحفى إنجليزى عما يتصوره أكبر إنجازاته.
أجاب عبدالناصر.. إنها ثورة 1952.
لماذا؟
لأنها كانت الأساس الذى قامت عليه كل جهود عبدالناصر ورفاقه من أجل خلق المزيد من الفرص المتكافئة أمام جموع المصريين العاديين.
ويكفى يضيف الزعيم ناصر أن ابن سائقى استطاع يوما أن يدخل الجامعة بفضل مجموعة درجاته فيما عجزت ابنتى شخصيا عن دخولها لأنها لم تحصل على ما يكفى من مجموع الدرجات.
فى الصفحات الأخيرة من الكتاب تستعرض المؤلفة محاولات الإساءة إلى عبدالناصر فكره.. اجتهاده.. تراثه.. إنجازاته.. طروحاته وذلك ابتداء من منشور توفيق الحكيم بعنوان *عودة الوعي* وليس انتهاء بمخططات الثورة المضادة لما تحقق من إنجازات العدل.. والكفاية وحشد الطاقات الوطنية ودعوة القومية العربية ومناهضة الاستعمار والانحياز للفقراء وهى المخططات التى شهدتها وما برحت تشهدها ساحة العمل الوطنى فى مصر بالذات منذ حقبة السادات وحتى صدور كتاب سطور المؤلفة.. وأيضا حتى كتابة هذه السطور.

سطور الكتاب الأخيرة


على الصفحة الأخيرة من هذا الكتاب.. ترصد المؤلفة ظاهرة الحشود التى ما برحت تشهدها الساحات العربية.. ما بين ميدان التحرير فى القاهرة أو ميادين بيروت أو عمان.. آلاف من المتظاهرين شبابا وطلابا وكهولا من الجنسين.. يعيدون إلى الذاكرة حشود الغضب فى عقد الأربعينيات وربما تدفعهم كما توضح آن تايلور نفس الأسباب الاقتصادية السياسية الاجتماعية، التى سبق وعبأت بالغضب جبل عبدالناصر وزملائه.. أما الجديد هذه المرة.. فهى *إن صورة ناصر ترتفع فجأة هنا وهناك على أيدى المتظاهرين الغاضبين لا فى ميادين القاهرة فقط، بل أيضا فى بيروت أو فى عمان* ص165.
أما آخر السطور فتودع بها المؤلفة قارئيها قائلة:
فى الحالة المصرية، عملوا على محو تراث جمال عبدالناصر حرفيا: مشوا عليه باستيكه.. ورغم ذلك.. فربما تظل شوارع مصر تنتفض بروح الحركة التى سبق واستجاب لها فكان أن دفعت به إلى مواقع السلطة فى 23 يوليو من عام 1952.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
                                                                      فريدة الشوباشى
                                                                        ميلاد الزعيم

فى الخامس عشر من يناير عام 1918، هل كان بوسع أحد أن يتكهن بأن هذا اليوم سيسجل فى التاريخ ويحتل فى مساره حجما بقدر حجم ومكانة صاحبه الزعيم الخالد جمال عبدالناصر؟ هل كان البيت البسيط الذى استقبل الرجل الحلم لحظة ميلاده من التفرد أو التميز عن بقية البيوت المحيطة به، بما ينبئ بأنه احتضن طفلا وليدا سيعيد صياغة العلاقات الاجتماعية فى مصر على أساس دعامتين رئيسيتين هما العدل الاجتماعى والتنمية لتعود مصر وتحتل بحرية الإنسان وحرية الوطن المكانة اللائقة بها على خارطة المنطقة والعالم.. هل فكر أحد يوم الخامس عشر من يناير 1918 أن صرخات الوليد الذى أطلقوا عليه اسم *جمال* هى صرخات ثائر سيكتب التاريخ اسمه بحروف من نور فى ضمير الأغلبية الساحقة من الشعب المصرى والشعب العربى وبحروف من نار فى عقول المستعمرين الغاصبين الذين رأوا فيه *خطرا داهما على مصالحهم* وعلى مشاريعهم المشبوهة فى المنطقة؟
لقد أتيح لى منذ أيام أن التقى بمجموعة من الشباب الذى يؤمن بمشروع جمال عبدالناصر لمصر وللأمة العربية وحتى لكل الشعوب المقهورة المنهوبة وانتزعنى هؤلاء الشباب من هوة حزن دفين سكننى وأنا أكاد ألمس بيدى تدهور القيم وشبه زوال معالم الانتماء الوطنى تحت وطأة أشرس حملة استهدفت عبدالناصر ومشروعه الوطنى والقومي.. كانت انطباعات الشباب وآراؤهم على درجة عالية من النضج ووضوح الرؤية.. كانت مخاوفهم على مستقبل الوطن واستقلاله فى ظل حمى بيع صروحه الصناعية والمالية بضغط من دعاة الخصخصة، مخاوف وانطباعات واعية ومدركة لأبعاد المخطط الذى يخلع عليه المستفيدون منه صفات لا صلة لها بالحقيقة، وإذا أنت أعربت عن قلقك لما يحدث انهالت عليك أقلام وتصريحات *العقلاء* تنعتك بأبشع النعوت، وعلى رأسها أنك تعيش فى زمن *العنتريات* والشعارات والشمولية؟! بينما نحن فى زمن الواقعية أو الوقوعية، كما قال كامل زهيرى و*دعونا نأكل الملبن*. ولا يهتم أن تسفوا أنتم معشر الشعب التراب.
فى هذه اللحظة استقر فى يقينى أن مصر، كما قال صلاح جاهين العظيم *حترجع تانى تولدك*، وإذا كان جموع الشباب الذين التقيتهم يقبعون على حلمهم بالكرامة كالقابض على الجمر فإن هؤلاء يؤكدون أن *جمال* يولد كل يوم على أرض مصر.. وأنه يوما سيخرج بهامة حبيب الملايين.. وبناء السد العالى وصاحب المشاريع الوطنية الرائعة تصفية الإقطاع إلى إقامة المصانع وتحقيق الكفاية والعدل وتكافؤ الفرص والمساواة بين جميع المصريين فى الوطن ومبادئ عظيمة كثيرة أخرى سيعلنها بالتأكيد جمال عبدالناصر الجديد.. لأن مصر حبلى به فعلا.. وقد يكون قد وُلد بالفعل وعفوا للذين يقولون إن *الرجال* لا تصنع التاريخ.. لا.. بل هم يصنعون التاريخ فعلا والصفحات المضيئة مليئة بأسمائهم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قالوا عن عبدالناصر :
الكاتبة الإنجليزية آن تايلور: رغم المؤامرات على تراثه وإنجازاته.. فمازالت صورته ترفع وسط حشود المتظاهرين الغاضبة داخل مصر وخارجها

السفير والمفكر الأمريكى ون بادو: كان بعيدًا عن مظاهر الترف ومشهورًا بنزاهة السلوك

دوائر المخابرات الأمريكية: كنا نمقته لأنه غير قابل للابتزاز

ــــــــــــــــــــــــــــــ

* نقلا بتصرف عن جريدة العربي الناصرية المصرية