هل يكون 2024 عاماً للسلام في اليمن؟

  • الوحدوي نت - النداء
  • منذ 4 أشهر - Monday 01 January 2024
هل يكون 2024 عاماً للسلام في اليمن؟


بعد سنوات من النزاع المسلح، والأزمة الانسانية الأسوأ في العالم، بدا العام المنصرم 2023، اقل هدوءً من الأعوام الثمانية العجاف التي عاشتها اليمن، حيث شهد هدنة غير معلنة، يتم البناء عليها لتحويلها الى اتفاق بوقف دائم لإطلاق النار، وخلال العام ذاته، تم رفع القيود على ميناء الحديدة الخاضع لسيطرة الحوثيين، لأول مرة منذ العام 2016، كما شهد مطار صنعاء رفعا جزئيا للقيود التي كانت مفروضة عليه.

والى ابعد من ذلك شهد العام 2023 محادثات مباشرة بين الحوثيين والسعودية بوساطة عمانية اسفرت ايضا عن تقارب سعودي ايراني.

وقبل أن يطوي العام 2023 أيامه الأخيرة ويرحل، أعلن المبعوث الاممي الى اليمن، هانس غروندبرغ، عن توافق اطراف الصراع في اليمن، على تدابير تمهيدية تفضي لخارطة طريق لسلام شامل، تبدأ بإعلان وقف اطلاق النار، والشروع بتنفيذ اجراءات اقتصادية لتحسين المستوى المعيشي لليمنيين، بما في ذلك دفع مرتبات موظفي القطاع العام، واستئناف عملية سياسية جامعة تحت رعاية الأمم المتحدة.

وهنا يمكن الجزم بأن 2023 كان عاما حافلا بالمفاوضات الرامية لإنهاء الحرب، برغبة اقليمية وحضور دولي لافت، فهل سيكون 2024 عاما للسلام في اليمن؟

يبدي عدد من اليمنيين، تفاؤلا حذرا، ازاء الاعلان الاخير للمبعوث الاممي الى اليمن، لكن اخرين وهم كثر، لا يرون في الاعلان أكثر من تحفيز يفتقر لمقومات نجاحه، ان لم يكن تسويق لإنجازات وهمية لمكتب الامم المتحدة قبل الذهاب لإجازة رأس السنة، خاصة ان الاطراف التي تحدث المبعوث الاممي عن موافقتها لإعلان المبادئ، لم تلتقي، فضلا عن كونها لم ترحب بالإعلان او تعلق عليه، باستثناء تصريح عائم لوزير خارجية الحكومة المعترف بها دوليا أحمد عوض بن مبارك.

وهو ما يؤكده السفير عبدالسلام العواضي، الذي قال إن الوضع في اليمن ما يزال مضطربا طالما ان أطراف الصراع على خلاف فيما بينها وبخاصة أعضاء مجلس القيادة الرئاسي، فضلا عن المناكفات السياسية القائمة على أشدها بين مختلف الاطراف من جهة، واعضاء مجلس الرئاسة فيما بينهم من جهة أخرى.

 وتعليقا على الاعلان الاممي الأخير قال العواضي في حديثه لـ"النداء":  ما يتم طرحه وتسويقه اليوم من اتفاقات وشيكة سبق وأن تم طرحه في اتفاقات اخرى في وقت سابق ولم تنفذ.  واستدرك: كي لا نحكم على الأمور قبل حدوثها، على الاطراف اليمنية المعنية ان تتجاوز خلافاتها وتنقذ البلاد من الكوارث التي حلت بها  طيلة ثمان سنوات، وان لم يكن الحل هذه المرة نهائي وبإشراف ورعاية الامم المتحدة فدونه الفشل وتفتيت اليمن.

ويؤكد العواضي أن الشعب اليمني يتوق للسلام ويتطلع عليه، وان على المبعوث الاممي هانز غرندبيرغ ، الإيفاء بالالتزامات والتعهدات من ناحية ، ومن ناحية اخرى على الاطراف اليمنية المعنية توقيع الإتفاق وتنفيذ بنوده وفقا لخارطة الطريق مزمنة، حتى يكون العام 2024 عاما للسلام في اليمن، بعد ثمان سنوات من معاناة قاسية لم يشهد لها التاريخ اليمني مثيلا .

 

تثبيت اخر مراحل المشاورات

المحلل السياسي اليمني مصطفى ناجي، يستبعد أن يكون 2024 عاما للسلام في اليمن، ويقول في حديثه لـ"النداء"، إن الاعلان الاخير للمبعوث الاممي جاء حصيلة سلسلة من المشاورات التي لم تكن مباشرة بين الأطراف اليمنية. وبالتالي كانت مشاورات اكثر بين السعودية والحوثيين عبر العمانيين، وطرحت الخطوط العامة لما يمكن التفاوض عليه في المرحلة القادمة بين اليمنيين.

ويضيف: "لذا يبدو ان المشوار طويل للوصول الى السلام، لأنه اذا قسنا من لحظة التوقيع على اتفاق ستوكهولم الى الآن، ورأينا مقدار التقدم  سنجده محدود للغاية، ملف واحد فقط لا غير هو ملف تبادل الاسرى وصفقات الافراج عن شخصيات هامة من بين الاسرى كوزير الدفاع السابق محمود الصبيحي وشقيق الرئيس السابق عبدربه منصور هادي، ، ولم يحصل أي حلحلة في الملفات الاخرى منذ ابريل من العام الماضي لا سيما فك حصار تعز. بل قصف الحوثيون المنشآت النفطية ووضعوا الحكومة في وضع اقتصادي حرج وفرضوا اجراءات على التجار أفرغت ميناء عدن من نشاطه.

ويرى ناجي ان الإعلان الاخير للمبعوث الاممي، كان شكلا من اشكال تثبيت اخر مراحل المشاورات التي تمت ووضع الأطراف اليمنية عند هذا المستوى. وقال ان المبعوث الاممي قد يحتاج الى وقت طويل، للسير في طريق السلام، ما لم تحدث متغيرات اقليمية ودولية متسارعة  كتعمق التقارب السعودي الإيراني الذي له تأثيره في خلق تقارب يمني.

ودون ذلك فان المرحلة المقبلة ستكون – وفقا لناجي مصطفى - امتدادًا للهدنة الحاصلة وتحقيق بعض التقدم في ملفات جزئية في الجوانب الاقتصادية كدفع الرواتب واستئناف تصدير النفط.

 

خطوة أولى في مسار التجزئة

من جانبه اعتبر السفير اليمني فيصل أمين أبو راس، خارطة الطريق التي اعلنها المبعوث الاممي الى اليمن، في 23 ديسمبر الفائت، خطوة أولى في المسار الأخير لتجزئة اليمن على نار هادئة وفترة زمنية يتمكن كل مكون في منطقة جغرافية من ترسيخ ثقافته الخاصة وتدريس منهجه التعليمي واقرار قانونه المدني وكل ما من شانه ان يحقق التجزئة.

وأضاف في حديثه لـ"النداء": الجوار يتعامل بمنطق ان الجزيرة لا تتحمل دولة بحجم السعودية وأخرى بحجم اليمن ولذلك عمل على تحييد عوامل إبقاء اليمن موحدا. "انه تخطيط مكلف وما لم يعاد النظر ويلتقي الجوار واليمن على علاقة تستقيم، فما يتم دون ذلك سيلغم مستقبل الجزيرة ولن يحقق الامن والاستقرار".

وقال أبو راس، ان تحقيق السلام في اليمن لا يكون باستهداف الهوية الوطنية الجامعة بغية تمزيقها، من خلال قطع الطرقات وهدم الجسور وإقامة الاسوار الفاصلة والإسلاك الشائكة بين  أبناء الوطن الواحد، ولا بإثارة الصراعات المجتمعية وكبح الجهود التي تبذل لمواجهة التحديات، ولا بإحباط مساعي رأب الصدع واستثمار الفرص المشتركة والحرص على إعدامها، ولا بإزالة كل ما يمكن من إدارة التنوع بإثارة واحياء النعرات وابطال العقود الاجتماعية وتعقيد مسار العقود السياسية المطمئنة للجميع. وتشجيع تضارب الرؤى التي تقدمها المكونات وقوى الصراع المختلفة حتى يحتدم التضارب ويغيب الاستقرار وأصحاب القرار.

 

هدن مؤقتة لتمزيق اليمن

وبالقرب من حديث السفير فيصل أمين أبو راس، يرى عضو الكتلة البرلمانية في التجمع اليمني للإصلاح، شوقي القاضي، ان السلام الذي يجري الترتيب له حاليا، لن يكون سلاما دائما ولا شاملا،. " هو عبارة عن هدن مؤقتة لتمزيق اليمن الى كيانات كل كيان يحكم بميليشياته وعصاباته المسلحة وتتجزأ اليمن على اكثر من خمسة مكونات على غرار الصومال وبالتالي سلام لا يمكنه ان يفضي الى بناء مؤسسات الدولة".

ويستبعد شوقي القاضي، ان تجنح جماعة الحوثي للسلام أو أن تنشده، ويبرر ذلك بالقول انها جماعة " لديها مشروع سلالي عنصري تعتقد انها مصطفاة ومختارة من الله وأنها سلالة مقدسة وبالتالي من الصعب ان مثل تتعايش مع غيرها على مبدأ المواطنة المتساوية وتكافئ الفرص".

ويضيف سببا اخر وفقا لوجهة نظره: " مليشيا الحوثي ربطت نفسها كذراع من أذرع المشروع الإيراني، وبالتالي لا تستطيع ان تقرر الجنوح لسلام ولا التعايش، لان إيران لديها مشروع توسعي وعابر للبلد والمنطقة، وتستخدم الطوائف والشيعة وهذه الاذرع وبالتالي يصعب على الحوثي ان يحدد مصيره وقرارته".

 

تجاهل المرجعيات الثلاث

يستبعد القيادي الناصري علي الضالعي، نجاح خارطة الطريق الاممية المعلنة مؤخرا نحو السلام، لأسباب عدة، بعضها متعلق بطبيعة أطراف الصراع اليمني، واخرى مرتبطة بالإقليم والعالم، والتدخلات الخارجية التي تبحث عن موطئ قدم في اليمن جراء موقعها الاستراتيجي الهام.

وقال الضالعي في حديثه لـ"النداء": السلام حاجة ماسة لكل اليمنيين، لكنه بعيد المنال في الوقت الراهن. وأضاف: " جماعة الحوثي لن تقبل بدولة ديمقراطية تتمتع بالمواطنة المتساوية تقوم على نظام  التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة لانهم يعتقدون ويؤمنون بأن السلطة هي حق حصريا بهم وارث الهي لهم لتميزهم العرقي عن بقية المواطنين".

وانتقد الضالعي الاعلان الاممي الاخير وقال انه تجاهل المرجعيات الثلاث ( المبادرة الخليجية واليتها التنفيذية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني وقرارات مجلس الأمن ) مؤكدا بأن لا حل لمشكلة الوطن الا بالالتزام بها وتنفيذها وان على الحوثيين ان يتخلوا عن عقدة التميز العرقي ويسلموا بأنهم مواطنين مثل غيرهم من أبناء اليمن لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات وان يتحولوا الي حزب سياسي لكي يحل السلام والوئام  وتعود للوطن وللمواطن صحته وعافيته ووحدته لنتمكن جميعا من مواجهة المخاطر والاطماع الخارجية ( الظاهرة والخفية) التي تستهدف الوطن.

 

امنيات بالسلام

تبدو رئيسة دائرة المرأة في منظمة الحزب الاشتراكي اليمني بمحافظة عدن، محصنة سعيد، أكثر تفاؤلا بان يكون 2024 عاما للسلام في اليمن. وتعتبر الاعلان الاممي الاخير حول اليمن،  بشرى سعيدة يجب على كل اليمنيين استغلالها والبناء عليها، وتتويجها بالجلوس على طاولة الحوار، باعتباره الكفيل بإنهاء الحرب واستعادة السلام المنشود.

لكن سعيد عبرت عن خشيتها من عدم التزام جماعة الحوثي بالسلام، وقالت في حديثها لـ"النداء":  التطورات الاخيرة في البحر الاحمر لا تبشر بسلام ينتظره اليمن". موضحة ان تهديد الملاحة الدولية اعمال فردية من قبل جماعة الحوثي، لكن من شأن هذه الممارسات ان تعرض الوطن والمواطنين لاخطار اقتصادية وامنية لم يعد بالإمكان تحملها.

صراع جديد

عطفا على مخاوف المسؤولة الاشتراكية في عدن، يرى مراقبون ان تهديد الملاحة الدولية في البحر الاحمر من قبل جماعة الحوثي، تبدد فرص السلام القائمة، وتعمل على خلط الاوراق وتعيد الوضع في اليمن الى مربع العنف مجددا. ويرون ان التطورات الاخيرة في البحر الاحمر جعلت الاطراف الدولية الفاعلة في الملف اليمني تتراجع عن توجهاتها الاخيرة نحو احلال السلام في اليمن، وخاصة الولايات المتحدة الامريكية وبعض دول اوروبا، وهي الاطراف التي كانت في الآونة الاخيرة قد وصلت الى قناعات بضرورة احلال السلام في اليمن، وان كان ذلك بتقديم بعض التنازلات لجماعة الحوثي، كالقفز  على المرجعيات الثلاث التي استمرت لسنوات مرتكزات للحل السياسي في اليمن، وبينها قرار مجلس الامن الدولي، رقم 2216. الا ان الاعمال العدائية التي نفذتها جماعة الحوثي في البحر الاحمر، جعلت المجتمع الدولي او جزء منه يعيد تقييم الوضع في اليمن.

وأمام كل ذلك، يبدو أن فرص السلام تتباعد، فيما تتعدد أطراف الصراع في البلد، الذي يكاد أبنائه يفقدون أملهم في انهاء الحرب وعودة الاستقرار الذي طال انتظاره.