قطعت هجمات ميليشيات الحوثي، التي استهدفت نهاية الأسبوع الماضي عددا من السفن من بينها سفينة تجارية يونانية، قبالة سواحل اليمن، فترة هدوء نسبية دامت لأسبوعين.
فمنذ نوفمبر / تشرين الثاني الماضي، بدء الحوثيون في استهداف سفن، سواء ترتبط بإسرائيل أو بالولايات المتحدة أو بالدول التي تدعم التحالف الدولي بقيادة واشنطن لمكافحة هجمات الحوثيين في البحر الأحمر.
ورغم أن هجمات الحوثيين على الملاحة الدولية لم تغير مسار الحرب بين إسرائيل وحماس، إلا أنها أدت إلى زيادة شعبيتهم إلى مستوى غير مسبوق داخل اليمن، الذي تمزقه الحروب والصراعات. وفي ذلك، يقول مراقبون إنه بعد حوالي خمسة أشهر من هجمات الحوثيين في عرض البحر الأحمر، فإن الحوثيين يظهرون وكأنهم قد حققوا "منفعة شعبية" داخل اليمن المنقسم، حيث يسيطر الحوثيون على مناطق شمال وغرب البلاد بالإضافة إلى العاصمة صنعاء.
وفي المقابل، يسيطر المجلس الرئاسي اليمني المعترف به دوليا، ويتخذ من عدن مقرا له، على المناطق الأخرى، في انقسام وتناحر ممتد منذ عام 2014، عقب إطاحة الحوثيين بالحكومة اليمنية.
وبعد ذلك بعام، تصاعد التوتر بعد أن قادت السعودية تحالفا دوليا لمساعدة الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، ما أسفر عن مقتل مئات الآلاف من الأشخاص وبات اليمن يواجه واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.
بيد أنه عقب اتفاق الأطراف المتحاربة في اليمن على وقف إطلاق النار والانخراط في عملية سلام برعاية أممية في أبريل / نيسان عام 2022، تدنت شعبية الحوثيين داخل البلاد. ويرجع المحلل السياسي هشام العميسي، الذي ترأس في السابق مركز المعلومات الخاص باليمن بوزارة الخارجية الأمريكية، ذلك إلى "سوء إدارة الحوثيين وتورطهم في عمليات فساد وحملات قمع في ظل وضع اقتصادي بات في حالة يرثى لها".
وفي مقابلة مع DW، أضاف أنه "بعد خمسة أشهر من مهاجمة سفن الشحن في البحر الأحمر دعما للفلسطينيين، يستفيد الحوثيون بشكل أساسي من تزايد الشعبية التي اكتسبوها سواء داخل اليمن أو في محيطه الإقليمي إذ يصورون أنفسهم على أنهم باتوا في طليعة العالم العربي والإسلامي".
وأشار العميسي إلى أن الحوثيين "يستفيدون من هذه الشعبية ليس فقط لتوسيع مناطق سيطرتهم وإنما أيضا لتوطيد حكمهم في اليمن، حيث أطلقوا حملة تجنيد واسعة النطاق تحت زعم دعم غزة".
وفي المقابل، يرى مراقبون أن تزايد شعبية الحوثيين لم يُترجم إلى حكم رشيد في اليمن الممزق سياسيا.
وفي مقابلة مع DW، قال توماس جونو، وهو أستاذ مشارك بجامعة أوتاوا ومحلل سابق لدى الحكومة الكندية في شؤون الشرق الأوسط، إن "أسلوب حكم الحوثيين يتعارض مع الموقف الإنساني أو الأخلاقي الذي يزعمون أنهم يتخذونه تجاه القضية الفلسطينية".
واستشهد الباحث بالوضع في تعز، ثالث كبرى مدن اليمن بتعداد سكاني يتجاوز 940 ألف نسمة، حيث مازالت المدينة تئن تحت وطأة حصار ممتد منذ ثماني سنوات، فيما يواصل الحوثيون إغلاق الطرق الرئيسية المؤدية إلى المدينة الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دوليا.
وعلى أرض الواقع، قالت فاطمة، الأم الشابة التي تعيش في تعز مع أطفالها الثلاثة، "لا يوجد أي تنازلات أو مبادرات لتخفيف معاناة الناس في تعز منذ أن أعلن الحوثيون دعمهم للفلسطينيين"، مشيرة إلى أن المدينة تعاني من نقص حاد في الاحتياجات الأساسية.
وفي مقابلة مع DW، قالت فاطمة، التي رفضت الإفصاح عن هويتها حفاظا على سلامتها، إنه مع انخفاض قيمة العملة، فسوف يتفاقم الوضع الاقتصادي والإنساني ليس فقط في تعز وحدها وإنما في كافة مناطق الحكومة.
وكان البنك المركزي، الذي يديره الحوثيون في صنعاء، قد أصدر في أبريل / نيسان المنصرم عملة معدنية جديدة بقيمة 100 ريال يمني حيث قال المصرف إن العملات الجديدة ستكون بمثابة بديل للأوراق النقدية التالفة من نفس الفئة.
من جانبه، حذر البنك المركزي التابع للحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، من "التعامل" بالعملات الجديدة باعتبارها "مزورة"، متوعدا المؤسسات التي ستقبل بها بإجراءات صارمة باعتبار ذلك إجراءً غير قانوني.
وتشير تقارير إلى أن سعر صرف الدولار في عدن بلغ هذا الأسبوع 1683 ريالا يمنيا، رغم أنه سعره ثابت في صنعاء عند 530 ريالا يمنيا للدولار الواحد.
وفي تعليقه، قال المحلل اليميني هشام العميسي إنه "مع معرفة الحوثيين أن غالبية اليمنيين يعيشون في مناطق خاضعة لسيطرتهم وأنهم أضحوا في موقف أقوى من المعسكر الآخر، يقومون باستعراض عضلاتهم ويقولون للحكومة اليمنية إنهم سوف يديرون السياسات المالية والنقدية من الآن فصاعدا". وأضاف أن أهداف الحوثيين لم تتغير.
ويتفق معه في هذا الرأي الخبير في الشأن اليمني توماس جونو، قائلا: "يتمثل هدف الحوثيين في الساحة الداخلية في الظهور كسلطة حاكمة وشرعية في اليمن. ويرون أنه "بسبب ما يفعلونه في البحر الأحمر، يشعرون أنهم في وضع يسمح لهم بانتزاع المزيد من التنازلات من منافسيهم المحليين في اليمن، وخاصة الحكومة المعترف بها دوليا، ولكن أيضا من منافسيهم الإقليميين، وخاصة المملكة العربية السعودية".
يُشار إلى أنه بعد تسع سنوات من القتال، تغيرت سياسة السعودية بشأن اليمن، إذ تحدث ولي العهد السعودي محمد بن سلمان صراحة عن رغبته في خروج بلاده من هذه الحرب فضلا عن انخراط السعودية في مفاوضات مع الحوثيين للوصول إلى اتفاق شامل يؤدي إلى وقف إطلاق نار دائم بما يمهد الطريق أمام إنهاء الحرب التي تقودها الرياض في اليمن منذ تسع سنوات.
بيد أن المحادثات تعثرت بسبب الحرب في غزة، فيما يرى مراقبون أن خروج السعودية من الصراع اليمني سيأتي عاجلا أو آجلا، لكنه سيكون على حساب قبول الحوثيين كسلطة رئيسية في اليمن رغم دعم الرياض للحكومة اليمنية المعترف بها دوليا لقرابة عقد من الزمن.
ويشكك هشام العميسي في قدرة الحكومة اليمنية على كبح صعود الحوثيين، قائلا: "للأسف، لم تتحد الحكومة اليمنية والحركات المناهضة للحوثيين حول رسالة وطنية موحدة أو خطة عمل تتجاوز مجرد فكرة معارضة الحوثيين".
وأضاف: "إذا رغبنا في التحدث بصدق فإنه يجب علينا القول بأن الأمر معرض للانهيار، ما يعني أن المعارضة والحكومة اليمنية المعترف بها دوليا في حاجة إلى توحيد جهودهم من أجل تكوين جبهة قوية يمكنها في الواقع كبح اندفاع الحوثيين وطموحاتهم التوسعية".