رسالة عاجلة إلي شهداء 15 أكتوبر 1978

الوطن يفتقدكم ... يا رموز البطولة والتضحية

  • منذ 16 سنة - Sunday 28 October 2007
الوطن يفتقدكم ... يا رموز البطولة والتضحية

 الآباء الأفاضل تحية النضال والمصير المشترك
 كل عام وأنتم بألف خير .. كل عام وأنتم مدرسة يتعلم منها الأجيال معنى البطولة والتضحية والاستشهاد.  
  نود أحاطتكم أننا نحتفل هذه الأيام بمرور 29 عاماً على قيام ثورة 15 أكتوبر 1978، كل هذه السنوات التي مضت ونحن نخلد ونمجد ونحتفل بحزن وصمت وقهر هذه الذكرى التاريخية التي وضعت بصمتها في تاريخ اليمن، رغم السياسات القمعية لعدم الإفصاح عنها، ومحاربة من تبقى من رموزها المناضلين من قبل النظام الراهن، تلك الذكرى البطولية التي كان رجالها الأبطال (وهو أنتم) على موعد مع لحظة من لحظات القدر، لحظة تتوقف عليها حياة شعب بأكمله، كما تتوقف عليها ملامح المستقبل والأمل المشرق.
أننا نحتفل بمرور 29 عاماً على قيام الثورة الناصرية التي قادها حضراتكم .. يا أعظم الرجال .. ونبلغكم أيها الشهداء ( عيسى محمد سيف، سالم محمد السقاف، محسن احمد فلاح، محمد احمد إبراهيم نصر، عبد السلام محمد مقبل، احمد سيف الشرجبي، عبدالله صالح الرازقي، محمد مبخوت الفليحي، عبد الواسع الأشعري، مهيوب علي العرفي، قاسم منصر إسماعيل الشيباني، عبدالعزيز محمد رسام، حسين عبد الله منصر، احمد مطهر مطير، محمد محسن سعيد الحجاجي، عبد الكريم ناصر المحويتي، علي محمد عباد السنباني، ناصر محمد اليافعي، مانع يحيى سعيد التام، حسين عبد الباري احمد المذحجي، علي صالح حسين ناجي الردفاني) أنّ تخطيطكم وتنفيذكم للحركة الثورية الناصرية كانت اليوم المشرق وبمثابة نقلة نوعية في تطوير وازدهار الوطن، نعم كانت اليوم الموعود مع القدر، بضربكم أعظم الأمثلة عندما وضعتم أرواحكم على أكتافكم، واتجهتم نحو الوفاء بالعهد الذي قطعتموه على أنفسكم، ووفيتم (وما أعظم وفاءكم).
فما قدمتموه من تضحية ممزوجة بالفداء والتحدي جعلت عملكم الخالد يتداوله ويتوارثه أجيال الوطن بكل كبرياء وعزة، فمهما مضت السنين يبقى تاريخكم الناصع البياض مصدر إلهام لأجيال الحاضر والمستقبل إنكم لم تستسلموا ويكفي أنكم حاولتم التغيير وسيبقى احتضانكم لذلك العناء رفضاً لحياة تحت سيف الظلم الموجه على رقاب الشعب. نعم رفضتم الحياة بذل، ورفضتم القبول بغير التغيير الشامل بديلاً، وإطلاقكم صوتاً واحداً الشعار الشهير "اللهم أعطينا أحدى الحسنيين الشهادة أو النصر"، فإما أن يعيش الشعب حياة حرة كريمة، أو الشهادة بشرف وعزة.
وكان مصيركم الشهادة لتلك المبادئ والأهداف، استشهدتم من اجل تغيير الواقع المعاش الذي انحرف عن مسارات ثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر الخالدتين، وحركة 13 يونيو التصحيحية بقيادة القائد الخالد إبراهيم الحمدي الذي اغتالته الأيادي الغاشمة في 11 أكتوبر 1977.
وبهذا فإنها تعتبر أول فعل ثوري ناصري بعد رحيل القائد المعلم عبد الناصر بهذا الحجم وبهذا العمق والتأييد الشعبي الجماهيري في أمتنا العربية، إنكم يا أبناء الزعيم عبد الناصر في ساحة اليمن" ضربتم أروع وانصع الأمثال للأجيال القادمة وطنياً وقومياً من خلال تنفيذكم ذلك الفعل الثوري، وثباتكم وشجاعتكم في مواجهة الظلم.
وهنا أقول إنكم اليوم تحتلون بتلك المواقف الوطنية والقومية الشجاعة مكانة رفيعة في نفس كل مواطن شريف، وسجل لكم التاريخ بأحرف من نور أنكم لم تخضعوا، ودفعتم الثمن بأغلى ما تملكون.
نعم إنها لذكرى عظيمة ومحطة خلدها التأريخ ... ذكرى حركة 15 أكتوبر الناصرية التي فقد الوطن على إثرها بعض أبطاله في نهاية السبعينات ... ولابد من ذكر إحدى المواقف الشجاعة لكم من جانب التذكير فقط وهو عندما نطقوا بالحكم بما سموه بالإعدام ذلك الموقف المتمثل في التصفيق الحار والذي أنصت الحاضرون في القاعة، وبحثوا عن مصدرة  فوجدوا أحفاد عبد الناصر هم من كانوا يصفقون ... هل ذكرتم ذلك اليوم أيها الشهداء؟، وتحديداً أكثر عندما سمع الحاضرين في قاعة المحكمة صوت الشهيد عيسى محمد سيف وهو يصرخ في وجه الجلادين قائلاً لهم بكل شجاعة وكبرياء " لقد ثرنا ضد الظلم ... ثرنا لنعيد لثورة سبتمبر أصالتها وأهدافها "واختتم كلماته بترديد شعار التنظيم "الحرية والاشتراكية والوحدة" .
آه ..آه .. يا وطن، خسارة عليك فقدان أولئك الأبطال الذين واجهوا الموت بالتصفيق، مرحبين سعداء بالاستشهاد، ويكفي أنهم حاولوا التغيير ... صحيح أنكم رحلتم عن الوطن الذي يبكي كل يوم فقدانكم، رحلتم ... أجساداً ... لكن أرواحكم تحلق في السماء نشعر بها دوماً ونستمد منها القوة والصبر والتطلع إلي الأمام، نحلم معاً ونقهر ونضطهد معاً، والتأريخ مهما حصل له (في الذاكرة محفور لا ينسى) نقشت حروفه من دمائكم الطاهرة، وسطرت صفحاته نضالاً وتضحية.
فالوطن أيها الآباء يفتقدكم، نعم يفتقدكم كل يوم ... يفتقدكم في سياسة غلق الأفواة التي جعلت المواطن يخاف على لقمة عيشة، يفتقدكم في قضايا الفساد والتلاعب والاحتيال على القانون، ويفتقدكم في هذا الوطن المغلوب والمقتول الذي دمرته سياسة الكلام عن العدالة لا عدالة، والقانون لا قانون، والإصلاح لا إصلاح، والنظام لا نظام، ويفتقدكم في الخطابات الرنانة الغير موجودة في أرض الواقع، والوعود التي أصبحت في هذا الزمان كلمات يخطب بها  قصدهم تطبيق مقولة "السياسة خديعة وأكذوبة".
فلم يبقى لدى المواطن اليمني في وطنه سوى مناداتكم بصوت حزين مقهور "افتقدناكم" أيها الرجال عندما جعلتنا سياسة الحاكم نعيش في رعب وفقر وحرمان والمتسلطون الفاسدون أصبحوا خلايا سرطانية نمت وازدادت قوتها وعاثت بالوطن وخيراته فساداً، وفي سياسة النظام الذي واجه احتجاجاتنا بالرصاص لتنفيذه جرعة اقتصادية تزُيدنا جوعاً وفقراً، ونفتقدكم في وطن تهدر مصالحة، وتتحول ثرواته وخيراته بجيوب المتنفذين.
أصبحنا نفتقدكم في زمن الادعاء بالحقوق والحريات من قبل أصحاب الثقافة الشمولية لتحقيق وإرضاء من هم في الخارج ليس إلا حتى أصبحت الحقوق والحريات تباع بالمال الرسمي، وحريات الصحافة تنتهك وتقمع بكافة الوسائل (الضرب والتهديد والاعتقال والتشهير والقذف).
فالوطن يفتقدكم في هذه اللحظة بذات عندما يتحدثوا عن صنع المنجزات والواقع ما يزال فيه التعليم في بعض المناطق في "صندقات وخيم وعشش، وأكثر من نصف الشعب لا يحصلون على الخدمات الصحية. نعم يفتقدكم الوطن من خلال ازدياد ظاهرة عمالة الأطفال في أرصفة الشوارع والجولات وعندما تنظر إليهم والحزن والتعب والضياع يتدفق من عيونهم "صاح الوطن إن براءتي ذبلت"، وازدياد البطالة عند أصحاب المؤهلات الذين يقتلهم الفراغ في اليوم ألف مرة.
ويفتقدكم عندما يقوم النظام بإرهاب الباعة في الأسواق بواسطة أجهزة الأمن، وعندما أصبح الوطن وكر يملؤه الحقد والكراهية "يموت فيه المواطن بكل أصناف الموت قبل أن يموت".
أيها الخالدون إننا افتقدناكم في الانتخابات الرئاسية والمحلية الأخيرة والتي جعلت منقذي الوطن المطالبين بالتغيير لإنقاذ الوطن والمواطن من الهلاك متهمين أنهم الفاسدون والمتطرفون وبكت صنعاء قبل عدن وتعز لما وصل إليه الوطن الحبيب.
 وتناديكم دموع الأطفال وصرخات النساء وانيين وقهر الشيوخ في صعده "افتقدناكم"، وافتقدتكم أكثر اسر منطقتي الصفة والرعاش بمحافظة إب عندما تم تهجيرهم من قبل الحكم المشيخي الذي يمارس ضدهم بمساندة الأجهزة الرسمية ومازالت صعده وإب تبكيان ظلماً وقهراً. 
ويناديكم أهالي المحافظات الجنوبية جراء سياسة الحاكم التي تسعى في تطبيق سياسة الإصلاحات الاقتصادية المشبوه، والتي أدت إلى تسريح ألآلاف من العمال والموظفين والفنيين دون حصولهم على حقوقهم، وتسريح ما يزيد عن خمسين ألفاً من العسكريين وإحالتهم للتقاعد في ظل عدم تسوية أوضاعهم بما يتوافق مع الظروف الاقتصادية والمعيشية المتدهورة. وبكت أيها الشهداء العظام لحج والضالع وأبين وشبوة وحضرموت قبل عدن افتقادكم. 
أما الأمة العربية أيها الخالدون فقد افتقدتكم في حرب تشرين عندما حرمت من فرحة النصر بينما خضعت الأنظمة العربية لشروط العدو الصهيوني، وافتقدتكم في الحرب الأهلية اللبنانية وكيف تحولت العروبة إلى شاهد فقط على جرائم الطائفية فيها، وتحول الوطن إلى وكر للغربان والأفاعي وتمنى الشعب العربي وجودكم في الاجتياح الصهيوني وكيف استباحت الأيادي الآثمة الدماء العربية في فلسطين ولبنان؟.
وتمنت الشعوب العربية حضوركم في حرب الخليج يوم فقدان الأمة الحل العربي في الكويت، وعندما تحالفت أكثر من ثلاثين دولة على مهاجمة العراق معظمها دول عربية وبكت بغداد والموصل والبصرة سهام الخيانة، وعندما شنت قوى الاحتلال الأمريكية وحلفائها أظلم وأبشع عدوان على شعب آمن أنهكه الحصار دون مبرر وسقطت قلعة العروبة باحتلالها بتعاون بعض الأنظمة العربية الخائنة.
وافتقدتكم يا أبناء عبد الناصر الأمة في الحروب والإبادة الطائفية وسعي الأنظمة لتلبية وإطاعة أوامر السياسة الأمريكية ( كوندوليزا رايس ) والصهيونية سعياً إلى طمس الهوية والوحدة القومية، وافتقدكم الشعب العربي في زمن الادعاء بالديمقراطية وحقوق الإنسان في الوقت الذي تقمع وتنتهك الكرامة والحرية الآدمية. كما افتقدتكم في العدوان الصهيوني على لبنان مؤخراً والتي أعتبرها بعض الحكام العرب أنها "مغامرة غير محسوبة"، لكنها في النهاية جسدت انتصاراً على الصهيونية رغم أنوف الحاقدين.
وأنا أسف جداً على إبلاغكم في رسالتي هذه للأوضاع الحزينة التي وصلت إليها الأمة العربية الواحدة، لكن وعلى الرغم من ذلك كله أقول لكم هناك شعاع من الأمل ألا وهو المقاومة في فلسطين والعراق وفي جنوب لبنان والتي تُكبد أمريكا والصهيونية وحلفائها خسائر فادحة في العتاد والأرواح، فتحية للمقاومة الباسلة وعاشت فلسطين والعراق وامتنا العربية حرة.
مذكراً بعضكم عندما شاركتم في عام 1969 بطريقة سرية من القاهرة في أحد المعسكرات في الأردن في منطقة الأغوار تابع لمعسكر قوة الثورة الفلسطينية عندما شاركتم في غارات على بعض مواقع العدو الصهيوني.
فالوطن يفتقدكم، والأمة تفتقدكم، ونحن أيضاً افتقدناكم، وسنبقى نطالب النظام بالكشف والإفراج عن جثامينكم ولن نستسلم حتى تحقيق مطلبنا, وان اليوم الموعود أصبح قريب مهما صرح النظام أكاذيبه انه تم دفنكم في مقبرة خزيمة حسب تصريح مصادر رسمية في الوسائل الإعلامية الحكومية السنة الماضية، في الحقيقة إننا ندرك بل نجزم أنهم لم يدفنوكم في تلك المقبرة.
لقد جاءت تلك التصريحات الكاذبة بعد مطالبة إخوانكم أعضاء اللجنة المركزية في التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري وأبناءكم النظام الحاكم بالإفراج عن جثامينكم الطاهرة كحق إنساني ومدني. علماً انه لم يتم الكشف عن أماكن دفنكم بشكل واضح وصريح ولم تتسلم أسكركم جثامينكم وهو الأمر الذي يكشف زيف ما ذهب إليه النظام الحاكم.
وهنا فإننا نناشدكم باسم الوطن والعروبة أن تعودوا إلى الوطن والى أسركم التي افتقدتكم ويكفي غياباً، فعودوا إلى أحضان الوطن المتشوق والمتلهف إليكم وسنبقى نحلم منتظرين رجوعكم والأمل يملأ قلوبنا لهفاً وحنيناً فلا تطيلوا الغياب أكثر من ذلك، فالجميع محتاج إليكم وخاصة هذه الفترة التي أصبح فيها الوطن يقابل الفساد الذي يراه أمام عينيه بصمت، والتلاعب والاحتيال ونهب ثرواته بصمت، فالوطن أصبح يعيش بواقع موحش ومظلم والحياة أصبحت صامتة والشعب يكافح ويجاهد بصمت، لم يبقى لهم سوى مناداتكم بقلوبهم (يكفي غياباً).
فيا من ضحيتم بأرواحكم بكل شجاعة .. الوطن  يفتقدكم .. وعهداً لكم في كل لحظة وذكرى لرحيلكم أننا سنظل على دربكم سائرون وعهداً أن نظل الأمناء الأوفياء طريقنا طريقكم طريق النضال والتضحية من اجل الوطن والأمة العربية.
وأطمئنكم بأن الأمل باقٍ .. فلا تقلقوا وناموا قريري العين ونحن سنظل تلك البذور التي غرستموها من دمائكم الطاهرة بذور الصمود والنضال والوفاء .. بذور تغرس لتنتج لهذا الوطن جيلاً بعد جيل.
وقبل أن أنسى أريد أن ابشر والدي عيسى محمد سيف بأن معه الآن حفيدة اسمها "ملاك" أصبحت "جد" ياحج)، كما أطمئنك على أم حمدان ومريم فهن بخير ولا ينقصوهن سوى رؤيتك وأن تكون بألف خير.      
وفي الأخير أتمنى لكم حياة أبدية هانئة في الحياة الأخرى إن كنتم فارقتم الحياة أصلاً، أما إذا كنتم أحياء فالوطن يدعو الله سبحانه ليلاً ونهاراً استعجال عودتكم من أجل تخليص الوطن والشعب من معاناتهم بسبب الثقافة الشمولية والقهر والظلم والحرمان والجوع.
وتقبلوا من كل مواطن وزوجاتكم وأبنائكم في وطننا الصابر ألف تحية وألف سلام،،

أبنكم / حمدان عيسى
15/أكتوبر/ 2007م

[email protected]

*نجل الشهيد عيسى محمد سيف