أسر الشهداء والجرحى يروون تفاصيل مجزرة ردفان

الطـيش المـيري.. حـين يكــون سببـاً في تـصدع الـدولة

  • الوحدوي نت - عادل عبدالمغني*
  • منذ 16 سنة - Tuesday 06 November 2007
الطـيش المـيري.. حـين يكــون سببـاً في تـصدع الـدولة

لم يكن أبناء ردفان بمحافظة لحج، يعلمون أن احتفاءهم بذكرى ثورة أكتوبر لهذا العام، سيكلفهم الكثير، رغم استعدادهم لتقديم المزيد.
وحين توجهوا بعد ظهر الـ13  من أكتوبر المنصرم، الى منصة الحرية بردفان، لم يجدوا ما يقدمونه لهذه الثورة الخالدة ولشهدائها الأبرار غير دماء زكية سفكها جنود أمن معتوهون افتقدوا أبسط أسس التعامل مع المواطنين، لتكون الحصيلة 4 قتلى و15  جريحاً، وأشياء أخرى كارثية بدأت تطفو مؤخراً على السطح، وتهدد بتصدع الدولة.


المجزرة أكبر من أن توصف، غير أن أبناء ردفان الذين أشعلوا الشرارة الأولى لثورة أكتوبر المجيدة عام 3691م، مستعدون للتضحية بأغلى ما يملكون من أجل الانتصار لمبادئ الثورة التي تم الانقلاب عليها.
بيد أن الثورة اليوم تستمد قوتها من نضال أبنائها السلمي، بعيداً عن القوة والانجرار الى دائرة العنف والاقتتال، التي حتماً ستفقد هذه الثورة كل مقوماتها، وتسلبها الشرعية التي بموجبها تتلقى الدعم المعنوي والمساندة من مختلف القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني. وهو ما يدركه أبناء ردفان، ومعهم كل الشرفاء الذين نظموا اعتصاماً مفتوحاً في منصة شهداء الحرية، يحضره يومياً أقارب الشهداء والجرحى، وعدد كبير من السياسيين والحقوقيين، وممثلون عن القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني.


ومثلما حضر أبناء ردفان الى المنصة قبيل المجزرة بعلب الماء وأوراق القات، للاحتفاء بذكرى ثورة أكتوبر، تحت ظلال منصة الحرية، قبل أن يفاجأوا بنيران الكلاشينكوف وقذائف الدوشكا التي أطلقها الجنود باتجاههم بشكل عشوائي، يحضر الجميع الى المنطقة يومياً بذات الأدوات، ومعها القصائد الشعرية والخطابات المنددة بسياسة القتل بدم بارد. كما يحملون روحاً معنوية عالية، وعزماً لايلين على المضي قدماً في طريق الحرية والنضال السلمي لاستعادة الحقوق المسلوبة، ومجابهة قوى الظلم والجبروت والبطش.
هذه الروح هي نفسها التي يتحلى بها أسر شهداء أكتوبر، وجرحى المجزرة الذين التقتهم «الوحدوي نت» في إطار زيارة نفذتها الهيئة التنفيذية للمشترك ولجنته الإعلامية، الأسبوع الماضي، الى مستشفيات عدن والحبيلين، حيث يرقد الجرحى، والتقت بأسر الشهداء، وشاركت في مهرجان الاثنين قبل الماضي، في ساحة الحرية.
ومن داخل مستوصف العيدروس بعدن، روى جرحى مجزرة ردفان أحداثاً وممارسات غاية في البشاعة، ارتكبت بحقهم في الـ31 من أكتوبر المنصرم، دون ذنب ارتكبوه سوى شعورهم بالانتماء لهذا الوطن، وحقهم في إحياء ذكرى ثورته المجيدة بالطريقة التي يريدونها هم، لا ما يفرض عليهم من قبل السلطة ووسائل إعلامها.
عبدالحميد راجح محسن، وهو أحد الجرحى الأربعة الذين يرقدون داخل المستشفى بعدن، من أصل 51 جريحاً؛ 4 منهم يخضعون للعلاج في الأردن نظراً لخطورة حالاتهم، فيما بقيتهم يرقدون في مستشفى بالحبيلين بلحج.. يقول: «رحنا ذاك اليوم زي العادة نخزن في المنصة، فشفنا الجنود محيطين بالمنطقة والمنصة والساحة المحيطة بها. وأثناء نزولنا من السيارة فوجئنا بإطلاق الجنود وابل كثيف من الرصاص علينا بشكل عشوائي، فقتل من قتل، وجرح من جرح».
عبدالحميد الذي يسير في النصف الأول من عقده الثالث، أصيب بشظيتين من قذائف الدوشكا التي أطلقت من على الطقم العسكري، ولم يتمكن الأطباء من إخراج الشظايا من على اليد اليسرى للرجل (الكتف) رغم إجراء عملية، خوفاً من قطع أعصاب اليد.
وها هو عبدالحميد يرقد في المستشفى ومعه شظيتان تسكنان كتفه وتؤرقان نومه.
الى جانب عبدالحميد، يرقد مثنى ناجي الذي أصيب بشظايا في قدمه اليمنى. حاول مثنى أن يصف ما حدث نهار المجزرة، لكنه لم يفلح، فالواقعة أكبر من قدراته التعبيرية.
ما استطعت استخلاصه من مثنى أنه عاش أجواء سادها الهلع والخوف والطيش الميري.
تركت مثنى لأسلم على عميران ناصر محمد؛ الذي يرقد هو الآخر في المستشفى، متأثراً بجراحه.
طلبت من عميران؛ وهو شاب مثقف، وأحد الشخصيات النشطة هناك، ومنخرط في العمل بمنظمات المجتمع المدني، أن يسرد وقائع نهار المجزرة، فقال: «كالعادة خرجنا ثاني أيام عيد الفطر لنخزن في المنصة، ووصلنا بالسيارة الى المنطقة. معظم من كان في سيارتنا من أسرة واحدة. كنت أنا وإخواني الثلاثة وأصهوري الأربعة. وما إن وصلنا المنصة حتى بدأ الجنود بشكل مفاجئ وجنوني بإطلاق النار علينا الى داخل السيارات وفي الأرض».
عاد عميران ليقول: «أطلقوا علينا الرصاص بشكل جنوني وبدون سابق إنذار، وكأننا قرود نريد احتلال المنصة التي هي بالأصل مكان عام لتجمع المواطنين يومياً».
وأكد أنه لم يكن بحوزتهم أي نوع من الأسلحة، خاصة وقد مروا بثلاث نقاط أمنية، وتعرضوا للتفتيش قبل أن يصلوا المنصة.
عميران الذي وصف ما حصل بالتصرف الهمجي المنافي للدساتير والقوانين وقيم الدين والإنسانية، استنكر بشدة إقدام جنود الأمن على فتح نيرانهم الحية في صدور المواطنين: «أن يواجهنا الجنود بإطلاق الرصاص الحي والمباشر ونحن لانحمل سوى علب الماء، فهذه قمة في الوحشية والعمل الهمجي».
وتساءل الرجل عن سبب هذا التصرف الدموي، بالرغم من أنهم حضروا الى المنصة بعد اتفاق بين السلطة المحلية واللجنة التحضيرية على إقامة المهرجان الاحتفائي بعيد أكتوبر.
ليجيب على نفسه بالقول إن هذه السلطة قمعية لاتريد من الناس أن تعبر عن آرائها، وتسعى لنيل حقوقها بالطريقة السلمية: «دولة العسكر تريد أن تسلبنا الحقوق والحريات والكرامة، ومع ذلك لاتزال تتحدث عن الديمقراطية والحريات التي هي بعيدة عنها».
بجانب سرير عميران كان يقف الشاب أنيس ثابت، وهو ليس الجريح الرابع الذي لم يكن حينها متواجداً في غرفة الجرحى.
هو رئيس الهيئة التنفيذية لأحزاب اللقاء المشترك بمحافظة لحج. وقبل ذلك هو الشاب الذي يحظى بحب واحترام الجميع هناك، لأسباب عدة تتمتع بها شخصيته لا مجال لذكرها هنا.
أنيس الذي يتفقد الجرحى باستمرار، والذي كان حاضراً مع الهيئة التنفيذية للمشترك أثناء زيارتها للجرحى وأسر الشهداء، وصف ما حدث بالمجزرة التي ارتكبها الأمن بحق أبناء ردفان، وقال: «بدلاً من رد الاعتبار لأبناء ردفان الذين فجروا ثورة أكتوبر المجيدة قبل 44 عاماً، جاء رد السلطة متنكراً لهذا الدور، وبشعاً للغاية، فكانت المكافأة مجزرة دموية أزهقت أرواح الأبرياء، وجرحت آخرين.
وأضاف: أبناء ردفان لم يرتكبوا أي عمل مخالف للقوانين والدستور، حتى يتم معاملتهم بهذه الطريقة. هم أرادوا فقط الاحتفاء بعيد ثورة أكتوبر التي تم الانقلاب على أهدافها ومبادئها السامية من قبل النظام الحاكم اليوم.
وطالب رئيس مشترك لحج بسرعة تسليم القتلة ومحاكمتهم بشكل عاجل، مؤكداً على استمرار كل الشرفاء في النضال السلمي مهما كلف ذلك من تضحيات في سبيل تغيير الواقع البائس وتحقيق الأهداف المنشودة. وهو العهد الذي أكد عليه الجرحى الذين وجدناهم جميعاً يتحلون بروح معنوية عالية وحماس كبير للتضحية في سبيل رفعة الوطن وعزة أبنائه.
وكما هو حال جرحى ردفان بمستشفى عدن، كان كذلك الحال بالنسبة للجرحى الذين يتلقون العلاج في مستشفى بالحبيلين، ومن حسين بن حسين صالح ناصر؛ الذي أصيب في الساق والرأس، الى عبده طاهر سالم المصاب بالقدم اليمنى، مروراً بثابت سعد مقبل المصاب باليد والظهر، ووصولاً الى شايف محمد أحمد المصاب باليد اليمنى.. أكد جرحى ردفان ومعهم اسر الشهداء  على مواصلة نضالهم السلمي، ومجابهة ظلم وبطش وجبروت السلطة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[email protected]