ليست سجوناً·· إنها سلخانات؟!

  • تلمس عذاباتهم: أنور يعقوب
  • منذ 18 سنة - Friday 02 December 2005
ليست سجوناً·· إنها سلخانات؟!

لن نتحدث عن جوانتانامو وأبو غريب· فموضوع هذا التحقيق هو سجن شبكة التربة بمحافظة تعز·
غير أن ما يحدث لنزلاء هذا السجن يفوق ما يتصوره عقل ويقبله منطق، فنزيله يفقد آدميته حين يضع قدميه في بوابته المهترئة، ويشعر بأنه يقبع بين جدران مكان موبوء ومليء بالقاذورات التي لايمكن أن تبقى في وسطها الحيوانات، ناهيكم عن بني آدم·
يأخذ السجين دوش ساخن في قسم الشرطة قبل دخوله السجن· و"دوش" ليس مياهاً حارة، بل أجهزة تعذيب مختلفة، وبأساليب وحشية متطورة·ضرب، شقلبة·· تعليق··· وأكثر منها يحصل أثناء السجن·شبكة التربة

ليست سوى واحدة من سلخانات ليس عليها رقيب ولا حسيب، ويمارس القائمون عليها مهرتهم المفضلة، وهم على ثقة بأن لا أذى سيصيبهم أو حتى مساءلة·
"قبل ثلاثة عشر عاماً زارت "الوحدوي سجن الشبكة بالتربة متلمسة أحوال السجناء ومشاركتهم المعاناة·· وطرحت مشاكلهم في حينه·

واليوم نزور السجن مرة ثانية، وكلنا أمل وتفاؤل عسى أن نجد متغيرات إيجابية تساوي حجم الكلام عبر الصحف الحكومية وصحف الحزب الحاكم وكذا القناة الفضائية والإذاعة عن المنجزات في شتى مناحي الحياة وحقوق الإنسان·
بعد هذه الفترة الطويلة عدنا فوجدنا المبنى هو المبنى بصورته العدائية بكل ما يحويه من سلبيات وانتهاك لحقوق الإنسان·· القيود الحديدية التي تراكم عليها الصدأ، تذكرنا بأيام ما قبل الثورة·· الزنازين والجدران وكل شيء داخل السجن يعبر عن حقيقة

المأساة التي يعانيها النزلاء·كل شيء في سجن الشبكة بالتربة لم يتغير·· سوى وجوه السجناء·· ووضع الأحداث بين السجناء دون مراعاة للأعمار، وما يترتب على هذا الاختلاط في سجن مساحته لاتتناسب مع كثافة نزلائه، من مخاطر على الصغار·
ناهيك عن خلو السجن من كل المتطلبات الإنسانية· وقد أجمعت شكاوى السجناء على عدم توفر الرعاية الطبية والمياه والكهرباء، وانعدام التغذية، واعتمادهم على ما يقدمه لهم أهاليهم وأصحاب الخير·فإليكم أحوال نزلاء

شبكة التربة، كما رووها بألسنتهم:
 إدريس علي سيف أحمد يقول: عصابة يرأسها متنفذ اعتدت على قريتنا الخرائب بمديرية المعافر· وبسبب وقوفي أمام هذه العصابة، أخذوني الى السجن بالتربة، وحتى الآن لي سنة وستة أشهر في السجن· والنيابة والمحكمة لم يطلبا أحداً من العصابة، لأنهم أصحاب نفوذ· وأطلب لجاناً للتحقيق في عيشة المساجين·
 محمد عبدالعالم مجاهد الدبعي، وسليمان فواز محمد الدبعي؛ طالبان تم القبض عليهما في منطقة السحرة بدبع في تاريخ ربيع أول 1426هـ، بتهمة كسر زجاج سيارة، وحكم عليهما بالسجن خمسة أشهر مع دفع قيمة الفريم (120 ألف ريال)؛ على كل واحد منهما 60 ألفاً·
ويقولان: نحن نعاني من انعدام المياه والغذاء والرعاية الصحية· ونطالب المجلس المحلي بتوفير المتطلبات الضرورية للسجناء

أحداث·· وتعذيب

 يعقوب عبدالإله محمد علي السروري؛ حدث لم يتجاوز السابعة عشرة من العمر، وسجن بتهمة ملفقة، وله ما يقارب الستة أشهر، وتم الأمر بالإفراج عنه من قبل المحكمة، ولكن النيابة اعترضت عن الإفراج·
يقول: وجهت إليَّ تهمة كاذبة ليس لها أساس من الصحة، وإلا لما أفرج عني الحاكم لمواصلة دراستي· واعترضت نيابة المواسط·
ويضيف: أتمنى أن يزور هذا السجن الباحثون، ليعرفوا حقيقة حياة السجناء· عزمي عبدالحميد الجامعي؛ حدث ابن سبعة عشر عاماً، اتهم بالقتل في رمضان 1425هـ·· ودار العام ولم يصدر ضده حكم· يقول: أنا مظلوم، وسبب ظلمي وحبسي المشائخ وأصحاب النفوذ· وفوق الظلم لم أسلم من التعذيب الجسدي في إدارة البحث في شرطة العين بالمواسط· وزاد البلاء علينا في شبكة التربة التي تفتقر الى الماء والكهرباء والتغذية وأبسط الخدمات الضرورية·
 معاذ عبده عمر الصوفي؛ حدث له ستة عشر عاماً، متهم بالقتل، وقضيته محجوزة للحكم· يقول: لقد تم تلفيق تهمة القتل ضدي من قبل المشائخ وأصحاب النفوذ· وقد تعرضت للضرب والتعذيب في شرطة العين بالمواسط، مما تسبب لي في أمراض عصبية· وسجني حرمني من الدراسة· في سجن الشبكة يحاصرنا الجوع والمرض والكآبة· إنه سجن يفتقر الى أدنى أسس الإصلاح التربوي، ويحول الإنسان الصالح الى مجرم·
 أنور طاهر أحمد طاهر، يقول بألم ومرارة: تم القبض عليَّ في 11/4/2005م، بتهمة قتل· وقضيتي محجوزة للحكم· أعاني من بعض الأمراض نتيجة للتعذيب الذي نالني من قبل أحد ضباط الأمن· وزاد الطين بلة انعدام الرعاية الصحية والتغذية في سجن التربة·
 ويقول مجيب عبده حمود مقبل: كنت أعمل في ورشة لحام بالسمسرة، وفجأة يتم القبض عليَّ من قبل نيابة الشمايتين، وإيداعي سجن شبكة التربة بتهمة السرقة، بعد أن نلت حصتي من الضرب على الأقدام بواسطة وائر كهرباء·
ويتمنى مجيب من النيابة أن تحيل قضيته الى المحكمة، لأنها هي التي ستقرر حقيقة الاتهام، وستخلصه من البقاء في هذا السجن الذي يفتقر الى كل مقومات الحياة الإنسانية، حد قوله· 

سيف شمسان محمد فارع المقرمي؛ متهم بسرقة ماعز، وحكم عليه بالسجن ستة أشهر، مع تغريمه 01 آلاف ريال، إضافة الى قيمة الخروف· وقال: هذا حالي وهذا قدري· فقط أرجو أن يوفروا لنا الماء والغذاء والصحة·
 نصر الدين محمد عبدالله: قبض عليه في 7/5/2005م، ولم يصدر أي حكم ضده حتى الآن· ويرجو من الجهات المختصة، وبالذات المجلس المحلي، أن يوفروا الماء والغذاء للمساجين، وأن يطلقوا سراحهم أو يحاكموهم محاكمة

عادلة، حسب تعبيره·
 محمد أحمد سعيد شمسان يقول: نعاني من سوء التغذية لعدم توفر المقومات الأساسية لحياة السجين من الماء والغذاء والصحة· والمجلس المحلي لم يقدم أية إعانة للمساجين· ومعاناتي الشخصية تتمثل في الضرب المبرح الذي لاقيته من بعض ضباط وأفراد البحث الجنائي·
 أمين أحمد ناجي الجبلي؛ سجين بتهمة قتل، ورفض أن يتكلم، وترك الوثائق تنوب عنه في الكلام·بدأت القصة في 21/5/2003م م عندما وصل مشتاق حمود فرحان، البالغ من العمر 22 عاماً، الى مستشفى خليفة بالتربة، يعاني من نزيف حاد في التجويف البطني·
وتماثلت حالة المصاب الى الشفاء خلال بقائه في المستشفى تسعة أيام، وفي اليوم العاشر وبصورة مفاجئة بدأ المريض يتقيأ دماً لمدة يوم واحد· تم إيقاف النزيف، ولكنه تكرر من الفم والدبر، مما يؤكد أن الحالة فوق مستوى قدرة مستشفى خليفة· وفوراً تم تحويل المريض، وبصورة إسعافية خطرة، الى تعز، مع الطاقم الطبي والإسعافات الأولية· كما قال القرار الطبي الجنائي الصادر من مستشفى خليفة، والذي لم يحدد نوع الإصابة·
وفي 25/5/ 2003م، يعلن عن وفاة المريض مشتاق حمود فرحان، البالغ من العمر 25 عاماً، نتيجة خطأ في عملية جراحية· هذا ما تقوله شهادة الوفاة الصادرة من مستشفى الثورة بتعز·ويتضح من التقارير التناقض بين مستشفى خليفة ومستشفى الثورة، بدليل التناقض الواضح بين التقرير الطبي وشهادة الوفاة، وحتى العمر غير متطابق في الوثيقتين·
وتدور شكوك كثيرة حول القضية وصحة الادعاءات من عدمها، خصوصاً

وأن النيابة شككت في مصداقية التقارير وحيادية التحقيق، حيث يقول عضو نيابة الاستئناف في تقريره إن تقارير مستشفيي خليفة والثورة خالية كلياً من الذكر للإصابة الظاهرة على جسم المجني عليه المذكور ونوعها، وما إن كانت بمقذوف ناري أو بغيره·
وكذا فإنه يشكك بمصداقية الضابط المحقق في القضية، كونه لم يقدم الظروف الفارغة وسلاح الجريمة، ولم يشر في تقريره الى ذلك·
عضو نيابة الاستئناف يؤكد عدم حيادية التحقيق، كون القضية بين طرفين من منطقتين مختلفتين، وتم التحقيق مع الطرف الأول وترك الطرف الآخر·
وفي نفس القضية المواطن عبدالسلام حسن السامعي يصاب بطلق ناري من قبل الطقم العسكري الذي هاجم منطقة الشرف بالتربة·
ونتجت عن إصابة عبدالسلام عاهة مستديمة في إحدى يديه· وعلى الرغم من ذلك لم يتم التحقيق مع الجاني وإحالته للعدالة·
مآسٍ كثيرة لسجون مخالفة للقوانين والأعراف والمواثيق الدولية، تنتهك فيها آدمية المواطنين، وتداس حقوقهم ببيادات القمع المتوحشة التي لاتتورع في استخدام أبشع الوسائل دون وازع من ضمير، سوى نهم الجبروت والنهب والابتزاز·كل تلك المآسي نضعها على طاولة وزير الداخلية، ووزيرة حقوق الإنسان، وكل المهتمين بقضايا الحقوق والحريات في اليمن·