اليمن وضغوط التطبيع مع الكيان الصهيوني - دراسة تحليلية

  • الوحدوي نت - خاص - نجيب الغرباني
  • منذ 16 سنة - Tuesday 18 March 2008
اليمن وضغوط التطبيع مع الكيان الصهيوني - دراسة تحليلية

مع أحداث التغير الدولي حدثت تغيرات هزت العديد من الدول، وفي صدد بحثنا فقد توحد شطرا اليمن، وانفجر بركان العدوان على العراق واحتلاله ، وانهار الصومال بوصفها دولة ذات سيادة، وتبدلت أوضاع أثيوبيا، وولدت دولة ارتيريا عمياء تتخبط هنا وهناك.. كل هذه التغيرات أثرت تأثيراً كبيراً بأسبابها ونتائجها في اليمن. واليمن لا تختلف عن أي دولة عربية متأثرة بتصدع النظام الاقليمي العربي وفشله  إذ أن صانع القرار السياسي اليمني اصبح أكثر توجهاً واستجابة مع السياسة الامريكية حيال المنطقة العربية ويأتي تحول السياسة اليمنية بعد العدوان على العراق وعجزها عن تحمل تبعات موقفها من العدوان فقد شعر صانع القرار السياسي اليمني أنه في عزله، وتقلص حرية التحرك الخارجي لاسيما بعد التغيرات الدولية وتربع الولايات المتحدة الامريكية على قمة النظام الدولي، فضلاً عن النزيف المستمر في الجسم العربي، وتصاعد تيار التبعية لواشنطن. ولهذا فأن معارضة الولايات المتحدة ليس صواباً.. واليمن بحاجة إلى الاستفادة من اللعبة الامريكية في المنطقة لمواجهة ضغوط السعودية وتدخلاتها في اليمن. ونلاحظ أن السياسة اليمنية أتجهت نحو المصالح فأصبحت تساند الموقف الخليجي والمصري والسوري بموقف مؤيد وليس معارضاً مقارنتاً بمواقفها السابقة في الأزمة والعدوان على العراق إذ وجد صانع القرار السياسي أن البديل هو الاتجاه نحو سياسة الحلفاء، حتى لو كان ذلك ضد العراق ارضاء للولايات المتحدة الامريكية، إذ أن حضورها في اجتماعات على مستوى وزارة الخارجية مثل اجتماع الغردقة(*) في 2/1/1999 واجتماع القاهرة في 13/1/1999 وهي الاجتماعات التي ادت دوراً في توسيع دائرة الصراع بين العراق واعدائه فقد صيغ البيان الختامي لاجتماع وزراء الخارجية العرب في 24/ كانون الثاني/بتاريخ 1999 بالطريقة الإمريكية، إذ استفز البيان وزير الخارجية العراقي محمد سعيد الصحاف وأتهم مجموعة الغردقة "ومن بينها اليمن". بأنها وراء صياغة البيان الذي يلقي اللوم على العراق ويزيد نزيف الجسد العربي(1) وعلى الرغم من أن اليمن مازالت تقف بجانب العراق فقد رفضت القصف الوحشي الامريكي- البريطاني على العراق في 17 كانون الأول/ ديسمبر 1998م ودعت إلى وقف العدوان وعقد قمة عربية عاجلة في كانون الأول/ديسمبر 1998م لبحث الاوضاع العربية والتطورات الخاصة بالعراق وتحقيق التضامن العربي، لكن إمريكا لا يناسبها مثل هذه الدعوات فمارست ضغوطاً على اليمن لتغير نغمتها وعرقلة عقد أي قمة عربية إذ أن صانع القرار السياسي اليمني يريد أن يفعِل دوره نحو التمسك بالإجماع العربي، وتغليب الرؤية القومية على المصلحة القطرية. فالتمزق بين وحدات النظام الاقليمي العربي تدفع صانع السياسة إلى أعطاء اولوية للمصلحة الوطنية وبلورة رؤية خاصة بالمصالح القومية ومع نهاية عقد التسعينيات وقبل الدخول إلى الألفية الثالثة الجديدة تعالت لهجة صانع السياسة الخارجية اليمنية إلى إنكماش القطرية والدعوة إلى التضامن العربي ودعوة الزعماء العرب لنبذ الخلافات وتصفية النفوس وترك مخلفات الماضي، وهو بهذه الدعوة يحرص على تفعيل دور الجامعة العربية على الرغم من الفشل المتكرر في تحقيق أدنى درجات التضامن العربي منذ انهياره عقب العدوان على العراق في 1991م وللمزيد من هذه التحولات في السياسة الخارجية اليمنية لا بد أن نستعرض تطورات الصراع العربي الاسرائيلي وموقف اليمن من هذه التطورات .
مما لا شك فيه أن النظام الاقليمي العربي يعيش في بيئة إقليمية دولية لها محدداتها وقيودها على حركة النظام العربي، فتركيا وإيران يقطع كل منهما إجزاء من اقاليم بعض دول النظام الاقليمي العربي، في حين يمثل الكيان الصهيوني منذ نشوئه في 1948 أكثر خطورة وتهديداً على النظام الاقليمي العربي  لانه على أرض عربية خالصة، ولعل من بين الوسائل المهمة التي استعملتها الدول الاستعمارية لتحقيق هيمنتها على ثروات ومقدرات الأمة العربية ومصادرة قراراها السياسي هو انشاء  "الكيان الصهيوني" في قلب الوطن العربي، وتوفير كل المقومات اللازمة لأدامة وتطوير هذا الكيان بوصفه جزءاً من الوجود الاستعماري وتوظيفه لخدمة المصالح الحيوية لتلك القوى، وفي ضوء تلك الحقيقة يرى الباحث أنه لم يعد بإمكان أي صانع قرار عربي أن يتجاهل الدور الاسرائيلي بوصفه عاملاً محدداً في توجيهات سياسته الخارجية. اذ أن حلفاء اسرائيل هم من العرب لا سيما الدول العربية القريبة منها في ضوء المتغيرات الدولية فإن إمكانية التأثير الاسرائيلي في حركة السياسات الخارجية العربية تصاعدت وتيرتها وأضحت اسرائيل أكثر حرية في التحرك في الميدان العربي من قيود كانت تفرض عليها في الثنائية القطبية فقد أعطى أنهيار الاتحاد السوفيتي الفرصة للولايات المتحدة للقيام بدعم اسرائيل وإظهار ميزة تفوقها على جيرانها العرب من خلال زيادة الدعم العسكري والاقتصادي والسياسي لها من ناحية، واجبار العرب على الدخول في عملية التسوية مع اسرائيل والاعتراف بها وأنهاء مقاطعتها من ناحية أخرى.
ولما كانت القدرة العسكرية العراقية تشكل أحدى معوقات تنامي الدور الاسرائيلي في المنطقة، فقد وضعت الولايات المتحدة عملية الدخول العراقي الى الكويت ذريعة لتحجيمها من خلال العدوان الأمريكي المباشر من أجل أن تضل إسرائيل قوية ومتفوقة في المنطقة، وهذا ما أكده الرئيس الامريكي السابق جورج بوش في أعقاب عدوانه على العراق أن حرب الخليج حرب للدفاع عن مصير اسرائيل ومستقبلها وأن الدعم الامريكي الاسرائيلي هو مسألة ذات أهمية خاصة للمصالح السياسية والاقتصادية والعسكرية للولايات المتحدة في "الشرق الاوسط"(2) وهكذا فإن مكانة إسرائيل في الستراتيجية الامريكية لم تتأثر بعد أنتهاء الحرب الباردة لاسباب عدة أبرزها أن جذور العلاقة الامريكية مع اسرائيل ليست وليدة العداء الايديولوجي بين الشرق والغرب، وإنما هي موجودة في القيم والمدركات السياسية للمؤسسات الرسمية الحاكمة(3) وقد وجه الرئيسان الامريكي جورج بوش والسوفيتي ميخائيل جورباتشوف في 18/تشرين الأول/ اكتوبر 1991 الدعوة إلى الأطراف المعنية بالصراع العربي الاسرائيلي لحضور
مؤتمر (السلام) الذي قرر عقده في مدريد بتاريخ 30/10/1991م عبر مفاوضات مباشرة تحت مبدأ " الأرض مقابل السلام  " على أساس قراري مجلس الأمن الدولي المرقمين بـ 242 و 338(4) وبموازاة مؤتمر مدريد جرى إطلاق ما يسمى بـ " المفاوضات المتعددة  الاطراف " وتبحث هذه المفاوضات في موضوعات التعاون الاقليمي، التعاون والتعاون الاقتصادي، وقد شاركت في هذه المفاوضات غالبية الدول العربية إلى جانب "اسرائيل " ودول أخرى وقادت هذه المشاركة إلى اختراقات إسرائيلية مهمة في منطقتي المغرب العربي والخليج العربي. فعقدت بعض جولات المفاوضات في دول مغربية وخليجية، وأثمرت عن صفقات مختلفة الأوجه بين بعض هذه الدول وإسرائيل، وبما يتعارض مع قوانين المقاطعة العربية(5) إذ أن دول مجلس التعاون الخليجي قد أتخذت (استجابة لرغبة إمريكية) قراراً برفع المقاطعة غير المباشرة مع إسرائيل، وقد شكل هذا القرار ضربة قاسية أخرى للمقاطعة العربية. وإظهرت المقاطعة غير المباشرة فوائد  جمة تجنيها إسرائيل لأن رفع المقاطعة على هذا المستوى سيفتح بلا شك النمو في الاقتصاد الإسرائيلي بما يعينه على استيعاب موجات الهجرة اليهودية وتركيز عناصر القوة لديه، استعداداً لدخول الأسواق العربية لدى أنهاء المقاطعة العربية المباشرة في حال تحقيق تسوية شاملة ويمكن رصد أوجه الاستفادة التي تعود على الاقتصاد الاسرائيلي جراء وقف المقاطعة غير المباشرة على النحو
 الآتي(6).
1.تدفق رؤوس الأموال الأجنبية لتمويل استثمارات ضخمة في فروع الأنشطة الاقتصادية كافة وسيبرز هنا راس المال اليهودي العالمي بشكل خاص مع دخول مباشر لليابان على خط الاستثمارات في إسرائيل.
2.ستعمل هذه الاستثمارات الضخمة على معالجة إزمة المياه التي تعاني منها إسرائيل وتحقيق خطط طموحة في البنية التحتية أعدت لها إسرائيل منذ سنوات.
3.القدرة الإسرائيلية على جذب الاستثمارات الاجنبية والمساومة مع الشركات الاجنبية من موقع قوة، مما يعود بالنفع على الاقتصاد الإسرائيلي.
ويتساءل الباحث هنا، لماذا يقوم العرب بإلغاء المقاطعة ؟ ولماذا التخلي عن اسلحتهم لعدوهم إسرائيل في الوقت الذي لا تكف فيه إسرائيل عن الحديث علناً عن الأستهداف والتهديد ناهيك عن أغتصاب الحقوق والأرض والمقدسات والسيادة على الرغم من استمرار العدوان والاحتلال الاسرائيلي والمجازر الاسرائليه المجزره بعد الاخرى. وفي ضوء ما تقدم أين تقع اليمن في ظل هذا الشتات؟
يقول الرئيس علي صالح "أن السلم لا يتحقق إلا باستعادة الحقوق العربية المشروعة وأنها الاحتلال الاسرائيلي للاراضي العربية المحتلة في فلسطين والجولان وجنوب لبنان، وإقامة الدولة الفلسطينية على التراب الوطني الفلسطيني وعاصمتها القدس الشريف"(7) يوحي هذا التصريح بأن اليمن بعيدة عن التطبيع مع اسرائيل،. فلقد تلقت اليمن دعوة من الولايات المتحدة وروسيا للمشاركة في المفاوضات متعددة الأطراف. وقد لبى صانع القرار السياسي اليمني الدعوى وحضر جميع جولات المفاوضات ماعدا جولة موسكو في شباط /فبراير 1992 نظراً لعدم مشاركة الجانب الفلسطيني في تلك الجولة، وقد كانت مشاركة اليمن عبر سفرائها في الدول التي يعقد فيها المؤتمر وليس على مستوى وفود وزارية  و ظل صانع القرار السياسي متمسكاً بالإجماع العربي  حتى حدث التغير المفاجئ في مسار الصراع العربي الاسرائلي  بعد الاحداث المدمرة التي دشنت اعمالها في مدريد. وأخذ التغير يوجه صانع القرار السياسي بضغوط إمريكية (خارجية- داخلي وقد تابع صانع القرار السياسي اليمني عمليات التسوية مع دول الطوق، وعد ذلك خطوة إيجابية إذ توصل الجانب الفلسطيني مع العدو الصهيوني إلى التوقيع على أعلان المبادئ الخاصة بترتيبات المرحلة الانتقالية إلى الحكم الذاتي الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزه وقد عرف ذلك (باتفاق اوسلو) الذي عقد في واشنطن بتاريخ 13 ايلول/سبتمبر 1993(8) ومن بعد ذلك توصل الجانب الاسرائيلي مع الجانب الأردني إلى اتفاق سلام في 26/10/1994(9) وصرح الرئيس صالح " نأمل أن تحل المشاكل بما يضمن عودة الحقوق العربية في الجولان وفي جنوب لبنان وبالتالي إذا تحقق السلام الشامل والعادل فليس هناك ما يمنع العرب من أن يقيموا علاقات مع إسرائيل"(10). ويصرح كذلك "سنقيم علاقات مع إسرائيل بعد الدولة الجارة لنا "المملكة العربية السعودية" لأننا معاً نقع في منطقة جغرافية واحدة فهي في شمال الجزيرة العربية ونحن في جنوبها والأراضي المقدسة تقع في الجزيرة العربية فأذا اقدم الأشقاء في السعودية على تلك الخطور فأننا سنقتدي بهم"(11) وممارسة الولايات المتحدة الامريكية ضغوطها على اليمن لتفعيل دورها ومشاركتها في مؤتمرات اللجان المتعددة.. إذ تتطلع واشنطن إلى أعلان اليمن رسمياً التطبيع مع إسرائيل  كما فعلت دول مجلس التعاون الخليجي في أعلانها رسمياً في بداية 1/10/1994م عن إلغاء المقاطعة الاقتصادية من الدرجتين الثانية والثالثة للكيان الصهيوني تحت مسوغ أن ذلك يدفع بمفاوضات السلام في الشرق الأوسط وكذلك أعلان المغرب وعمان وقطر ومؤخراً موريتانيا إقامة مكاتب تمثيل لها في إسرائيل تمهيداً لأنشاء سفارات لها لاحقاً(12) والجدير بالأشارة اليه أن مشاركة اليمن في حضورها في المؤتمرات الاقتصادية الشرق أوسطية في الدار البيضاء عام 1994 وعمان 1995 والقاهرة 1996 والدوحة 1997. يعد إلغاء للمقاطعة من الدرجة الثانية والثالثة إلا أن نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الدكتور الارياني  يؤكد "بالنسبة للمبدء الاساسي الدائم الذي نحن أعلناه كموقف ثابت فأننا ندعم مسيرة السلام في الشرق الأوسط دعماً كاملاً. وقد حضرنا المؤتمرات الخاصة بالشرق الأوسط في الدار البيضاء والدوحة وعمان والقاهرة كتعبير عن مبدئية حرصنا على السلام وحريصين على أن نتقدم بالسلام قدر الإمكان، ولكنه ينبغي أن يكون سلاماً عادلاً وشاملاً لكل الناس وليس لطرف دون آخر.. وما يرتضيه الفلسطينيون لأنفسهم لا نستطيع إلا أن نرتضيه لهم شرطاً أن يرضوا على وحدتهم"(13) ويعد حضور اليمن مؤتمر صانعي السلام (شرم الشيخ) في مصر في 13/3/1996 بهدف ما يسمى مكافحة الأرهاب ولكن أتضح فيما بعد أن هدف المؤتمر هو التضامن مع إسرائيل لمواجهة الانتقام الذي تعرضت له من الحركات الاسلامية "حماس" "والجهاد الإسلامي" وتمثلت بسلسلة من النفجيرات اسفرت عن مقتل نحو ستين إسرائيلياً خلال المدة من 24/ شباط/ فبراير. وحتى 4 أذار/مارس 1996 في القدس وتل أبيب وقد قاطع المؤتمر من الدولة العربية كلاً من "العراق وسوريا – لبنان – ليبيا – السودان" وأكد كلنتون  "أن الدول التي لم تحضر المؤتمر هي الدول التي تدعم الأرهاب وتتبناه"(14) وهذا المؤتمر جعل من إسرائيل دولة تحب الخير والسلام، وهي الدولة التي تعاني من الأرهاب وتستحق وقوف العالم، ومن بينهم العرب إلى جانب معاناته منح كلنتون بعد المؤتمر مائة مليون دولار لإسرائيل لبناء سياج حدودي مع السلطة الفلسطينية دون أن يمنح الفلسطينيين أي شيء إلا الإرهاب المفروض عليهم وأكد رئيس وزراء إسرائيل بأهمية التضامن العربي مع إسرائيل دون النظر إلى نتائج المؤتمر وهدف المؤتمر إلى حماية أمن إسرائيل والاعتراف الضمني  بأن إسرائيل قوة مؤثرة في النظام الاقليمي العربي. إذ انقسم العرب إلى قسمين مؤيد ومعارض ولكن الكيان الصهيوني (الارهابي) قام بعد أقل من شهر من أنعقاد المؤتمر بضرب الابرياء إذ شن عملية وحشيه تحت أسم (عناقيد الغضب) وراح ضحيتها أكثر من (200) لبناني(15) أغلبهم من المدنيين. ويتساءل الباحث. من هو الإرهابي ؟؟ ويقول وزير الخارجية اليمني انذاك عبد الكريم الارباني الذي يمثل اليمن في ذلك المؤتمر "أنه للسلام وليس لصالح دولة بعينها"(16) والقصد من ذلك أن اليمن ليست منحازة مع إسرائيل، وقد يكون هناك دافع آخر يرى الباحث أن المتغيرات الداخلية والخارجية ولا سيما المشكلة الاقتصادية قد جعلت اليمن أكثر حرصاً على مسايرة جهود تسوية الصراع العربي- الإسرائيلي وكانت المشاركة في المؤتمرات الاقتصادية أمراً واقعاً فرضته على اليمن الولايات المتحدة المهيمنة على النظام العالمي الجديد ولهذا فأن صانع القرار السياسي الخارجي اليمني لم يجد غير الإجماع العربي (الاستسلامي) إذ يؤكد ذلك الرئيس صالح في أثناء مشاركة اليمن في مؤتمر الدوحة قائلاً "نحن حضرنا مؤتمر الدوحه" الاقتصادي تكريماً لقطر كدولة جارة وشقيقة وكانت معنا في كل موقف. وأيضاً لأرضاء الولايات المتحدة.. "ما نخفيش..مش لإسرائيل اما إسرائيل فنحن ضدها لكن الولايات المتحدة الامريكية لأنها الدولة الراعية للنظام الدولي الجديد وكل الناس يخطبو ود إمريكا.. ونحن ليش نجابه امريكا لوحدنا"(17). ومن هنا يتضح أن علاقة اليمن بالولايات المتحدة الامريكية علاقة وطيدة لا سيما للتغلب على الازمات وتلقي المساعدات وغيرها من وسائل الدعم، فضلاً عن أن استخراج النفط بالمقابل جر اليمن للتطبيع مع اسرائيل).. إذ أن موقف اليمن من عملية تسوية الصراع العربي- الاسرائيلي قضي بأرتياح إمريكي، عبر ذلك مساعد وزير خارجية الولايات المتحدة لشؤون الشرق الاوسط (مارتن انديك) عند زيارته لليمن في نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر 1997 إذ التقى بالرئيس صالح وعبر له عن الامتنان الامريكي لموقف اليمن تجاه مسيرة السلام وقبول اليمن المشاركة في مؤتمر الدوحة الاقتصادي(18) ولاقت زيارة عبد الوهاب الدراوشه العضو العربي في الكنيست الاسرائيلي صنعاء أستياء جميع الاحزاب اليمنية إذ عارضت وجوده بشدة وقد حمل أربع رسائل سلمها إلى الرئيس صالح ويؤكد عبد الملك المخلافي الأمين العام للتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري سابقا  أن التطبيع مع إسرائيل بدأ مع النظام مبكراً واسشهد على ذلك  بزيارة وفداً من حزب المؤتمر الشعبي (الحزب الحاكم) للاشراف على الانتخابات الفلسطينية بموافقة إسرائيلية ويؤكد أن التطبيع يتنازعه موقفان هما : الأول: ضغوط توجه للنظام من الخارج للأقدام على التطبيع والثاني ضغوط مقابلة ومعاكسة توجه له من الداخل تجعل موقف النظام متريثاً في الاستجابة للضغوط الخارجية. ينظر في هذا: الوحدوي، صحيفة التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، صنعاء، العدد 222، 28/5/1996م. وقد صدر بيان اللجنة الوطنية لمقاومة التطبيع بعنوان " مشاركة اليمن في التطبيع جريمة يجب محاسبة مرتكبيها "حيث أوانت اللجنة النشاطات التطبيعية المحمومه التي تقوم بها سفارة اليمن في واشنطن والتي كان آخرها التمهيد لمشاركة ثلاثة اطفال يمنيين برفقة مشرفة من جامعة صنعاء في معسكرات إمريكية تهدف إلى ما سمي بالتعايش مع الاطفال الصهاينة ولمدة ثلاثة أشهر، وكذلك أصدرت بيانا أدانت فيه الحكومة لسماحها لوفد الحاخامات اليهود الدخول للأراضي اليمنية وكذلك ندد علماء اليمن بشدة لدخول مثل هذا الوفد الصهيوني لليمن،  ومن جهة أخرى ومثلما فرضت الولايات المتحدة على الأتحاد السوفيتي بعد تكبيله وأنهياره هجرة اليهود الروس تقوم سفارة الولايات المتحدة في صنعاء بتهجير اليهود اليمنيين عبر الوكالة اليهودية، وكان شمعون بيريز وزير خارجية إسرائيل الأسبق قد صرح للأذاعة الاسرائيلية بقوله " أن مفاوضات تجري لاستقدام يهود اليمن، وإذا تم ذلك سيكون موضع ترحيب من جانبنا لأنه سيكون تطوراً بالغ الأهمية"(19) وكان الموقف اليمني الثابت يرفض التهجير الجماعي لليهود، وتأكد الحكومة اليمنية أن اليهود في اليمن مواطنون لهم حق التنقل والسفر مثلهم مثل أي يمني آخر باستنثناء(20) إسرائيل وبعد قيام الوحدة اليمنية التي تعد مرحلة الانفتاح التي تعيشها اليمن، قامت جماعات يهودية وعدد من السياسيين البريطانين والامريكيين بزيارات مكثفة لليمن، وفي أثناء عودتهم يصحبون معهم يهوديين يمنيين بحجة التعليم والعلاج  وتسفيرهم إلى عواصم أوربية، ومن هناك يعاد تسفيرهم إلى إسرائيل أحدى الآثار الثانوية لمفاوضات السلام الإسرائيلي-العربية هي السماح باستئناف هجرة يهود اليمن بأتجاه إسرائيل… وتعد الطائفة اليهودية في اليمن من أقدم الطوائف اليهودية في العالم، ويدعى يهود اليمن نسبتهم إلى هؤلاء الذين رافقوا ملكة سبأ عند عودتها من زيارة الملك سليمان. ولكن بعض المؤرخين المحدثين يرون أن هذا الاستيطان يعود في أصله إلى مشاريع سليمان وحليفة أحيرام التجارية في بداية القرن العاشر قبل الميلاد. وآراء أخرى تجعل هذه النهاية في القرن السادس قبل الميلاد. وعن عدد اليهود في اليمن فقد قيل أن عددهم في بداية القرن التاسع عشر كان 30 الفاً معظمهم في صنعاء بينما يقول الرحالة (زيماك) الذي قام برحلة أستطلاعية إلى اليمن عام 1910 أن عدد اليهود هو 21.106 يهودي وأما أمين الريحاني فقد قدر عددهم قبل العام 1948 بين 70-60 ألفاً. وقد هاجر اليهود جماعياً في عام 1949-1950. فبعد انشاء اسرائيل تولت الوكالة اليهودية عملية تهجير اليهود اليمنيين جماعيا.. عبر عمليات جوية سرية برحلات حملت إلى إسرائيل يقدرون بـ 47.140 يهودياً يمنياً في 430 رحلة جوية وقد بلغ مجموع يهود اليمن في إسرائيل عام 1952 (112.670) وكانت  إسرائيل ترى فيهم مادة بشرية قيمة تصلح لأي عمل جسدي ولا سيما الزراعة وتوقفت هجرة اليهود من عام 62-1990م وكان عدد اليهود بعد الوحدة 2000 يهودي يعيشون في مناطق قبلية تخضع لنفوذ قبائل حاشد كبرى قبائل اليمن.  ونستنتج مما تقدم أن السلوك السياسي الخارجي اليمني حيال الصراع العربي- الاسرائيلي قد جاء منسجماً مع سياسة التكييف مع الوضع الدولي الجديد وبالشكل الذي أدى إلى أن تكون الاستجابة اليمنية بمستوى قوة التغير في طبيعة هيكلية النظام الدولي وحجم الإمكانات اليمنية، نتيجة أنهيار النظام الاقليمي العربي ويرى الباحث أن  المعول عليه في إفشال الأهداف الاسرائيلية الامريكية من إلغاء المقاطعة، هو تفعيل المقاطعة الشعبية وتحصين الوجدان الشعبي اليمني الرافض للتطبيع بكل إشكاله وهذا هو الأمل النابض في الشعوب العربية عامة لمقاومة فخ التطبيع بكل إشكاله والضغط على صناع القرار العربي  هواة الهاوية والانحدار منهم.

  باحث في شؤون السياسة الخارجيه للجمهورية اليمنيه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) الغردقة مدينة مصرية على البحر الاحمر، وقد زار اليمن مساعد وزير الخارجية الامريكية (رونالد نيومان) في 4/2/1999 والذي حققت مباركة واشنطن لنجاح الاجتماع.
(1) تنظر جريدة بابل، بغداد، في اعدادها الصادرة 13، 12، 25/1/1999م يقول محمد حسنين هيكل في حديث له مع مجلة (المشاهد) في يناير 1996م كل طرف في العالم العربي لديه لعبته المستقلة، وليس فقط لكل دولة عربية لبعتها المستقلة. وإنما لكل حزب  لعبته المستقلة، كل جماعة لها لعبتها المستقلة. كأنه لم يعد هناك ما يربط بين العرب ".
(2) نقلاً عن رون بن بشاي " مكانة إسرائيل الستراتيجية في السياسة الامريكية ازدادت عشرات الاضعاف، صحيفة يديعوت الاسرائيلية، ترجمة صحيفة الدستور الاردنية، 19/10/1992م.
(3) خلدون ناجي معروف، هل تغير الدور الاقليمي للعدو الصهيوني بعد أم المعارك، جريدة القادسية، العراق، 27/1/1994م.
(4) تبليام كوانت، عملية السلام الدبلوماسية الامريكية والنزاع العربي الاسرائيلي منذ 1967، القاهر مركز الاهرام للترجمة والنشر، 1994، ص ص 478-479 نقلاً عن قائد عقلان، العلاقات اليمنية – الامريكية، مصدر سابق، ص150.
(5) جميل مطر، التسوية السلمية للصراع العربي- الاسرائيلي نظرة عامة، في أحمد يوسف أحمد (تحرير) التسوية السلمية للصراع الاسرائيلي وتأثيرها على الوطن العربي، القاهرة، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، معهد البحوث والدراسات العربية، 1995.
(6) المقاطعة العربية للعدو الصهيوني الواقع والمستقبل، مجلة قضايا دولية، العدد 282، السنة السادسة، مايو/أيار/1995، ص4.
(7) نجيب رياض الريس، اليمن وعلي عبد الله صالح، ر ياح الجنوب، مصدر سابق، ص115.
(8) جريدة الثورة، صنعاء، 15/9/1993م.
(9) أحمد ناجي قمحه، الاتفاقية الاردنية – الاسرائيلية رؤى وإشكاليات مختلفة، مجلة السياسة الدولية، القاهرة، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بمؤسسة الأهرام، العدد 119، يناير 95، ص ص 158-160 وبموجبه أجرت اراضي أردنية إلى إسرائيل قدرت مساحتها بـ 19 كيلو متر مربع وأيضاً افتتحت السفارتان في كلا البلدين في 11/12/1994 وبموجب هذه المعاهدة قامت امريكا منح الاردن 4 مليارات دولار.
(10) ينظر حديث الرئيس: علي عبد الله صالح مع اذاعة الشرق الفرنسية بتاريخ 17/11/1994 في الجمهورية اليمنية، وزارة الأعلام، الخطابات والاحاديث الصحفية للرئيس القائد علي عبد الله صالح رئيس الجمهورية، عدن، مؤسسة 14 أكتوبر للصحافة والطباعة والنشر، المجلد رقم14، لعام 1994، ص342.
(11) صحيفة الأحياء العربي العدد 111، تاريخ 28/2/2000، نقلاً عن صحيفة القدس العربي.
(12) ينظر ناقدا بو حسنه، المقاطعة العربية للعدو الصهيوني الواقع والمستقبل، مجلة قضايا دولية، إسلام أباد، العدد 282، مايو/أيار 1995، ص5؛ وأنظر كذلك: عبد المنعم علي حسن، قرار مجلس التعاون الخليجي ومصير المقاطعة العربية لإسرائيل، مجلة السياسة الدولية، العدد 119، يناير/كانون الثاني 1995، ص170.
(13) صحيفة 26 سبتمر، التوجيه المعنوي والسياسي، صنعاء، 19/11/1998م.
(14) مجلة قضايا دولية، قمة شرم الشيخ لحماية الكيان الصهيوني بين صناعة السلام وصناعة الإرهاب، اسلام أباد، معهد الدراسات السياسية، العدد 325، أذار / مارس/ 1996، ص12.
(15) عبد الله خليفة الشايجي، إرهاب الدولة في النظام العالمي المعاصر، مجلة المستقبل العربي، عدد 226، كانون الثاني/ ديسمبر/ 1997، ص18.
(16) مجلة قضايا دولية، قمة شرم الشيخ، للوقف وردود الأفعال، العدد 325، مصدر سابق، ص12.
(17) حديث الرئيس صالح مع قناة الجزيرة الفضائية بتاريخ 23/4/1998م وكذلك نص المقابلة في صحيفة 26 سبتمبر، صنعاء 25/4/1998م.
(18) جريدة الثورة، صنعاء، 1/11/1997م.
(19) نفى مصدر مسؤول في صنعاء أن يكون اليمن بصدد السماح لكل اليهود الذهاب إلى إسرائيل سواء بطريق مباشر أو غير مباشر "ويقول اياذور كهلاني أن 600 يهودي يمني مازالوا في بلادهم وقد جرى  في عام 1993م تهجير (250) يهودي وتسعى اسرائيل إلى تهجير البقية. للمزيد من التفاصيل ينظر: جريدة الشرق الأوسط، لندن، 9/8/1994م. 
(20) مجدي الدقاق، لغز تهريب 250 يهودياً يمنياً إلى إسرائيل، المصور، القاهرة، العدد 35900، 30/7/1993.