الرئيسية المقالات مدارات سقوط الدولة وإهانة الشرف العسكري
سقوط الدولة وإهانة الشرف العسكري
غمدان أبو أصبع
غمدان أبو أصبع

مثل يوم الإثنين قبل الماضي انتكاسة صارخة لمفهوم الدولة في قاموس السياسة والعرف الدولي عندما سعى الحوثي لانتهاك مقوماتها المتمثلة بالسلطة والسيادة، بسقوط دار الرئاسة الذي يمثل رمز السيادة اليمنية ومحاصرة رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية اللذين يمثلان رمز السلطة، ولم يكتفِ الحوثي بهذه الإهانات بل أهان المؤسسة العسكرية ومن قبلها الأمنية ويعود الكلام هنا لمن شاهد وشارك في أحداث الرئاسة ليقول الجندي ح. ب إن ما حدث في الرئاسة لم يكن سوى خيانة وليس شجاعة أو بسالة الحوثيين فهم ثلة من المغرر بهم يجهلون فن المعارك، فكنا نصطادهم كما نصطاد القرود التي تمشي بأعداد كبيرة وعلى ما يبدو أنهم أناس غير طبيعيين إلا أننا واجهناهم وكبدناهم خسائر كبيرة فتحول تحمسهم المتقدم إلى فرار وهم يعرفون صحة ما أقول، كذلك الجنود وما تم تسريبه في القنوات وهم يفرون لا يمثل من الواقع إلا القليل ولولا الخيانة لما كان الحوثي يسيطر على دار الرئاسة.

خيانة أم مؤامرة مدروسة بتنسيق معد تلعب العناصر النافذة داخل قوات الحماية الرئاسية دوراً في هذا الانهيار الذي سوق قوات الحرس بصورة مهينة أمام شعبها والعالم هذا ما يقوله الملازم أ.ح الذي يعمل ضابطاً في أمن الوحدة بالحماية الرئاسية يقول: إن اقتحام مليشيات الحوثي أتى نتيجة خيانة قام بتنفيذها بعض قادة الكتائب المحسوبين والمقربين من أحمد علي عبدالله صالح ولم تظهر خيانتهم في اليوم الأول الذي هاجم فيه الحوثي دار الرئاسة ولا يستبعد أن هناك اتصالات أجريت معهم تطالبهم بتسهيل دخول مليشيات الحوثي وهذا ما حدث ولم يواجه الحوثيون عند دخولهم إلا أعداداً قليلة من الجنود ممن لا ولاء لهم للوطن ولشرفهم العسكري ولم يعد أمامنا إلا أن نغادر الدار ونحن نشعر بالإهانة خاصة من الجنود الذين قبلوا أن يبيعوا ويخونوا قسمهم العسكري ويبرهنوا على أنهم ليسوا جنوداً لهذا الوطن بقدر ما هم جنود يعملون لمصالح أشخاص ولهذا لا يشعرون بأنهم بخيانتهم هذه يخونون الله الذي أقسموا به والوطن الذي باعوه ولا أدري هل يحسون كما نحس ونحن نمشي في الشارع ونرى نظرات الناس لنا مليئة بالسخرية والاحتقار.. أقول لهم ومن خلال صحيفتكم إننا لسنا بهذا المستوى ولولا الخيانة لطردنا الحوثيين وأعدناهم إلى كهوفهم التي خرجوا منها في مران.

انقلاب عسكري وتواطؤ سياسي يقف وراء هذه الأحداث التي شهدتها صنعاء يوم الثلاثاء بدءاً بمعالمه في يوم واحد وعشرين سبتمبر وربما يوم سمح الرئيس والقوى السياسية والدولية باقتحام اللواء 310 مدرع وقتل قائده ونهب قدراته التسليحية وإذا كان هناك شك بولاءات هذا اللواء كان الأحرى تغيير قياداته بدلاً من ترك جنوده يواجهون الموت ويعود الكلام هنا للمحامي والحقوقي هاني عبدالحميد الصلاحي الذي أوضح أن هذا اللواء عمل الرئيس الحمدي على تقويته وكأنه كان يعلم أن الخطر القادم على صنعاء والدولة لا يأتي إلا من هذه الجبهة، فتساهل القيادة السياسية بالسماح للحوثي بتهجير أبناء دماج والسيطرة على عمران وعلى أجزاء كبيرة من محافظة الجوف جعل الحوثي وحلفاءه ممن تظررت مصالحهم بعد قيام الثورة الشبابية الشعبية يجهزون عليه، وليس هذا فقط بل وصلت تساهلات القيادة السياسية إلى حد السماح لمليشيات الحوثي أن تتولى مهام المؤسسة الأمنية في صنعاء والمؤسسات الحكومية بل ذهبت إلى ما هو أكثر من ذلك عندما أتاحت الفرصة بانتشارهم داخل المحافظات دون اتخاذ أي روادع حتى لحماية منازل خصوم الحوثي من تفجيرها ونهب ممتلكاتهم فهذا التساهل دفع بالحوثي للقضاء على مفهوم الدولة وتدمير أركانها تلك الأركان التي تجسد بناء الدولة المرتبطة بالسلطة والسيادة.

تلاعب وانهيار اقتصادي وأخلاقي وتجاوزات قانونية وانقسامات مجتمعية لها تداعيات دولية وإقليمية مؤثرة يدفع ثمنها أبناء اليمن في ظل انهيار اقتصادي يشهده اليمن ويعود الحديث هنا للأستاذ رشيد عبدالله سرحان المتخصص في الجانب الاقتصادي موضحاً أن اليمن كدولة تعيش على المساعدات الإقليمية والدولية، حيث يمثل الدعم المالي المقدم من دول الخليج والعالم 70% من الدخل فتخلي هذه الدول عن دعم بلادنا سيجعل الدولة عاجزة عن دفع مرتبات موظفيها فما بالك بقيامها بأي مشاريع تنموية يبدو أن الحوثي ومن يحالفه يجهل ما قد ينعكس جراء ما يقوم به وهذا ما وضحه خطابه، ذلك الخطاب الذي لا يتجاوز الحماس المبني على التهديدات غير المجدية والدالة على مدى إدراكه لأبعاد ما يقول وكأن من أعد له هذا الخطاب أراد أن ينهي تواجده هذا إذا أخذنا بعين الاعتبار سعيه لاجتياح مأرب تلك المحافظة التي تتواجد على أراضيها محطة الكهرباء التي تغذي معظم المناطق اليمنية وكذلك الآبار النفطية فإذا أقدم أبناء مأرب على تفجيرها سيكون مصير اليمن العتمة والعودة إلى الأساليب القديمة في طهي الطعام واستخدام الفوانيس لعدة ساعات لا قدر الله هذا غير استنزاف ما تبقى من الاحتياطي النقدي لحملات الحوثي ومغامراته العسكرية على مأرب والبيضاء ولا أستبعد أن قدوم الحوثي على هذه المغامرات قد تسرع انفصال الجنوب ناهيك عن الرفض الإقليمي للحوثي وما قد يترتب على هذا الرفض من دعم لمعارضي الحوثي ما يجعل اليمن تتحول إلى بيئة صراع، فخطاب الحوثي لا يحمل أجندة وطنية إنما أجندة مذهبية ستخلق رفض أبناء المناطق غير الزيدية له.

تسجيلات متبادلة مبنية على تنصت تجاوز الخصوصية الفردية وانتهاكات واسعة لم تبقَ حتى الحقوق الأساسية خاصة وأن هذه التسجيلات تمس شخصيات سياسية لها ثقلها وكأننا أمام حروب مفتوحة تستخدم كل الأساليب بما فيها التنصت على رئيس الجمهورية يعود الكلام هنا للشاعر همدان بن زيد الذي يقول: أراد الحوثي من تسريب تسجيلات المكالمات بين الرئيس ومدير مكتبه كأداة لشق الصف بينهم مبرراً ذلك بأن الدكتور بن مبارك كان يسجل مكالمات الرئيس ليستخدمها كنوع من التهديد إلا أن الأهم هنا كيف حصلت الجزيرة على مكالمة عبدالواحد أبو راس القيادي في جماعة الحوثي مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح وهو التسجيل الذي يكشف تسهيلات إسقاط دار الرئاسة يبدو أن التسجيلات جميعها بما فيها المسربة عن بن مبارك مصدرها واحد وإلا لما ظهرت في نفس الوقت إلا أن الأهم في هذه التسجيلات أنها كشفت من يقف وراء الأحداث الأخيرة التي شهدتها صنعاء وبأن الحوثي لا يمثل في هذه الأحداث سوى ديكور أو واجهة أي أنه لا يعد أكثر من كمبارس.

لم تنتهِ تلك الأحداث التي هي على تنسيق عال بين الحوثي وصالح وبإشراف مباشر من مهندسها كما يقال جمال بن عمر الذي يسعى لإعادة التجربة الأثيوبية على بلادنا دون الأخذ في الاعتبار الخصوصيات بين البلدين، فالصراع الأثيوبي الأثيوبي الذي تولى بن عمر دور الوسيط الأممي فيه جعل بن عمر يعمل على إعادة تنفيذه في بلادنا آملاً نجاح هذه الرؤية إلا أن الواقع أن بن عمر لم ينظر إلى جوهر الواقع والعامل المختلف بين اليمن وأثيوبيا.

وإذا أخذنا في الاعتبار التجربة الأثيوبية لبن عمر تلك التجربة التي نتج عنها خروج أرتيريا عن الجسد الأثيوبي فأثيوبيا يتكون مجتمعها من عرقيات متنوعة وهم الأروموه والتكرى والعفر والأمهرة والصومال سكان إقليم أوجادين المتنازع عليه مع الصومال أثناء حكم زياد بري، بينما اليمن لا توجد فيه مكونات عرقية متنوعة ولا لغات متعددة ولهذا على بن عمر أن يعيد النظر في السياسة التي ينتهجها إزاء بلادنا كما على القوى السياسية أن لا تنجر وراء سياسته فما هو إلا مجرد وسيط بين القوى السياسية المختلفة ويعود الكلام هنا للدكتور عبدالواسع عاطف الذي يرى أن ما يحدث من نتائج على الساحة السياسية في اليمن يقف وراءها ويدير خيوطها جمال بن عمر، فتبريرات بن عمر لاجتياح الحوثي عمران وصنعاء هي التي دفعت الرئيس هادي ورئيس حكومته لتقديم استقالتيهما، لشعورهما بفقدان الأمل في هذا الوسيط ومن هنا تعود أسباب رفض استقبال مبعوث الأمم المتحدة فهذا الرفض الذي أبداه الرئيس المستقيل هادي لطلب بن عمر جاء نتائجاً عن الامتعاض الذي أبدا الرئيس لهذا الدور المتخاذل والمتواطئ من الوسيط الأممي.

إقراء أيضا